المرأة السودانية حملت وتحمل عبء الحياة داخل حدود الوطن وفي ديار الهجرة والغربة، سواء أكانت تلك الغربة في المهاجر التي تموت حيتانها من البرد كما يقول أديبنا الراحل الطيب صالح رحمه الله، على لسان مصطفى سعيد في «موسم الهجرة الى الشمال»، أو كان الاغتراب في بلاد تشوي الصقر من شدة حرها، كما هو الحال في الجزيرة العربية والخليج، حيث الصحراء والرمال والرطوبة، والفناء طقسا، في عالم حالم بما لا يتحقق من ثراء..!! نموذج جميل لامرأة من بلادنا الحبيبة، تمثل صورة واحدة لما أظنه متكررا في كل بيت. امرأة أخلصت لأبنائها وسعت بوعي كبير لأن يدرسوا ويتعلموا وينالوا ما يؤهلهم علميا لتبوؤ الوظيفة المناسبة، وأكبر تلك الوظائف «وظيفة الطبيب» التي كانت من نصيب اثنتين من بناتها الثلاث. التقينا بامرأة سودانية متميزة، تعد نموذجا للمرأة في بلادنا التي تعتز بأبنائها وبناتها. ٭ سألناها أولاً من أنت؟ أجابت: أنا زهرة بابكر قريش، من أم درمان بيت المال، والأصل من بارا في كردفان، لأصول ترجع إلى دنقلا، وأسرتنا قد يعرفها الناس في هذه الأيام من خلال ابن عمنا محمد جعفر قريش القيادي بنادي المريخ. ٭ متي بدأتم الاغتراب؟ بدأ اغترابنا عام 1989م، وفي السودان عمل زوجي وابن عمي التاج النور سيد أحمد قريش في المكتبة الوطنية بأم درمان، قبل أن يهاجر الى السعودية، حيث عمل في إحدى المجلات المتخصصة. وكان أبنائي كلهم صغارا، وكانت ظروف الكسب صعبة، ولكنني صممت على أن يتعلم أبنائي وبناتي أرقى أنواع التعليم. ٭ ما الذي دفعك لهذا الحرص الشديد على أبنائك وبناتك؟ أنا لم أتعلم فقد تزوجت في سن ال «13»، وكان تصميمي أن أعوض ذلك في بناتي وأولادي، والتعليم يحتاج الى صبر ومال وايمان بأهميته، فالصبر تجرعناه ولزمناه، والمال اجتهدت في ألا أترك بابا للرزق الحلال الا وطرقته، بعت الثياب والملايات، وفي فترة من الفترات حولت بيتي الى روضة أو حضانة لأبناء بعض السودانيات اللاتي كن يعملن في التعليم وغيره. ٭ أين هم أبناؤك الآن؟ لينا طبيبة، وولاء متخصصة في الأشعة، ومحمد مدير مالي وقيادي في إحدى الشركات السعودية، ونادر يدير شركة خاصة به في النمسا. وقد لا تصدق أن راتب أبيهم لم يصل الى الفي ريال، لكن ما حرصنا عليه من كد وسعي أوصلنا بعد توفيق الله الى بر السلامة، وضع في اعتبارك تذاكر السفر ورسوم الدراسة والإعاشة.