منذ خمس سنوات انطلق قطار نيفاشا مؤذنا ببداية رحلة تحركه من ضاحية نيفاشا بكينيا بعد توقيع إتفاقية السلام الشامل في يناير 2005 فقد أوشك إلى الوصول إلى محطته النهائية المحددة والمرسومة بقيام استفتاء لجنوب السودان مطلع يناير القادم ،فخلال مسيره الطويل مر شريكا نيفاشا بمراحل سمتها عدم استقرار علاقاتهما على حال حتى وصل الأمر بهما إلى مقاطعة الحركة للانتخابات فى شمال السودان التي تسبق في جدول الإتفاقية الاستفتاء الأمر الذي حدا بالمراقبين بتفسيره أنه إنكفاء للحركة على الجنوب تمهيدا للانفصال. ويرى بعض المراقبين ان الحركة الشعبية انشغلت اكثر مما يجب بالقضاء على المليشيات المسلحة المنتشرة كما الهشيم في شتى بقاع الجنوب حيث لم تفتأ الحركة بالزج بغريمها وشريكها الاكبر المؤتمر الوطني بمد أصابع الاتهام نحوه بدعمه للمليشيات وتسلحيها لخلق حالة من عدم الاستقرار بالجنوب . غير أن ثمة سؤال كبير وعريض يبحث عن إجابة شافية لماذا يركز الجميع على تحقيق الوحدة الجاذبة وبسط اسبابها من قبل المؤتمر الوطني أو الشمال عموما دون توجيه نفس التساؤل إلى الحركة الشعبية فماذا فعلت هي من أجل تحقيق الوحدة الجاذبة بالرغم من حصولها على حصتها كاملة غير منقوصة من الثروة والسلطة وفقا لما اقرته إتفاقية السلام الشامل ! وللإجابة عن هذا التساؤل يقول المحلل السياسى الدكتور عبد الرحمن ابوخريس ان عملية بناء الوحدة الجاذبة ملزمة لطرفى نيفاشا وليس لطرف دون الآخر كما يحدث التركيز اليوم حيث إن الجميع يرمي باللائمة ويضع المسؤولية على عاتق المؤتمر الوطني دونما التفات للحركة الشعبية التي ترفع شعار السودان الجديد الموحد شعارا منذ بواكير إنشائها إذ أن العمل على اشاعة ثقافة السلام وتحقيق المشاريع التنموية بجنوب السودان واجب على الطرفين حتى يجنى المواطنون ثمرة السلام على أرض الواقع بأشياء ملموسة وليس عبر شعارات جوفاء لا تغني ولاتسمن من جوع ولا تمنع انفصالاً بل ربما تقود في كثير من الأحايين إلى زيادة هوة الاختلاف فالأعمال الملموسة تعتبر خير عامل لحث الجنوبيين على اختيار الوحدة طوعا .ويرى ابوخريس ان الحركة الشعبية رغم حصولها على أنصبتها كاملة من تقسيم الثروة واموال النفط بيد انها انفقتها فى عمليات التسلح واعداد الجيش الشعبى رغم وجود اكبر عدد من اللاجئين فى مناطق الجنوب والتى تعتمد على المنظمات العالمية فى الحصول على الغذاء وارجع ذلك لعدم قدرة الحركة لممارسة العمل السياسى المدنى الذى يتيح اتخاذ القرارات المؤسسية وانشاء مؤسسات الخدمة المدنية بنسق متكامل تجعل قراراتها تتمتع بالحماية وضمان تنفيذها وزاد ان الحركة الشعبية ظلت تحتمى بالمجتمع الدولى بعد ان اعتبرت المؤتمر الوطنى عدوا لها وعوضا عن ذلك اخذت على عاتقها التبشير بالسودان الجديد الذى اصطدم بمعوقات آيديولوجية فى وقت لم تستطع التحول من تنظيم عسكرى لتنخرط فى منظومة المجتمع المدنى وتابع ربما تعتقد انها تدير معركة وعلى هذا النحو تأتى قراراتها بطابع يتسم بالعنف والحدة والتضارب فى التصريحات من قياداتها وكأنها تخاطب قوات الجيش الشعبى وليس القضايا المتعلقة بالمواطنين واضاف ان هذه العوامل اقعدت الحركة عن الالتفات الى بناء مشاريع تنموية فى الولاياتالجنوبية التى تحتاج الى احداث ثورة تنموية فى البنى التحتية مشيرا الى امكانية تدارك الامر فى الفترة القصيرة القادمة وضخ الاموال اللازمة لاقامة مشاريع وبسط الخدمات من قبل الحركة واضافة اشياء ملموسة على الارض لتحقيق الوحدة خاصة وانها اكتسبت الشرعية عبر الانتخابات ،وهى نقلة نوعية ومتقدمة للحركة مبدأ اللجوء الى صناديق الاقتراع والايمان بوجود الراى الآخر بيد ان ابوخريس يرى ان الحركة دائما ماتعول على الشمال وتلقى على عاتقها مسؤولية غياب التنمية بمناطقها وتنتظر تقديم العون لها ووفقا لهذه المطالب شكك خبراء شاركوا فى ندوة بمركز دراسات الشرق الاوسط بالخرطوم ابان فترة الانتخابات عن عدم وجود ضمانات كافية لتحقيق الوحدة فى ظل تصاعد المطالبة بالانفصال من النخب الجنوبية. ويرى الخبراء ان الاموال التى ترصد للتنمية ربما تنفق فى غير موضعها وربما تعتبر مثل الانفاق على دولة اخرى فى حال حدوث الانفصال. وفى شهر فبراير المنصرم اوردت (الصحافة) خبرا عن صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية ان صندوقا يديره البنك الدولى لمساعدة الجنوب على النهوض من كبوة عقود من الحرب الاهلية لم ينفق سوى الثلث من اموال التبرعات مما اثار غضب المانحين الذين تبرعوا بمعظم تلك الاموال، وقالت الصحيفة ان المبالغ التى انفقتها بنهاية العام الماضى بلغت (181)مليون دولار فقط من اجمالى (524)مليون دولار التزم بها المانحون للصندوق ولايزال (343) مليون دولار معطلا ولم يستغل بعد وقال رئيس فريق المانحين مايكل المكويست ان ذلك ليس بالامر الجيد واضاف انه ليس هنالك مجالا لكى ينفق الصندوق كل الاموال قبل انقضاء اجل الصندوق العام المقبل وكان من المفترض ان يمول الصندوق بناء مائة مدرسة لكن الرقم تقلص الى (44) مدرسة ومع ذلك لم يكتمل منها سوى (10) مدارس وذكرت الفايننشال ان حكومة جنوب السودان اودعت من جانبها مايربوعلى (170) مليون دولار وارجع فريق المانحين الاخفاق الى عدم وجود الخبرة الكافية لوزاراتها وعدم استطاعة حكومة الجنوب التعامل مع اجراءات البنك الدولى وقال مايكوست من فريق المانحين (عندما لايجرى بناء المدارس ولايتم تقديم الخدمات الصحية فلا يمكن ان تزعم ان كل شئ على مايرام ) وكنت قد تحدثت لمدير معهد ابحاث السلم بجامعة الخرطوم الدكتور محمد محجوب هارون الذى قال ان الحركة الشعبية مسؤولة عن تحقيق فرص الوحدة باعتبارها طرفاً فى الشأن العام ولايستقيم عدلا ان تلقى الحركة باللائمة على نحو مطلق على شريكها المؤتمر الوطنى وتحميلها مسؤولية تحقيق الوحدة وقال ان بعض منسوبى الحركة درجوا على تبنى خطاب حاد تجاه المؤتمرالوطنى وتحميله بناء الوحدة الجاذبة ويرى هارون ان مثل هذه التصريحات تنقصها المسؤولية واضاف بان عملية تجنب الانفصال هى من صميم الطرفين وفقا للمقادير من السلطة لكل طرف وذكر ان ما انجزته حكومة الجنوب التى تسيطر عليها الحركة على صعيد البنيات التحتية ومد شبكات الخدمات والعمل على تذليل مشاق الحياة للمواطن الجنوبى ،لايتناسب مع الموارد المالية التى توفرت للحركة خلال الخمس سنوات الماضية التى تعتبر فترة كافية لانتشال المنطقة من وهدتها وتعزيز دعائم الوحدة. وفى حوار مع صحيفة (الانتباهة) قال القيادى بالحركة الشعبية اتيم قرنق ان حزبه ظل يبشر بالوحدة لمدة خمس سنوات ونريد ان نترك الفرصة للمؤتمر الوطنى لتحقيق الوحدة فى الزمن الضائع فربما يستطيع احراز هدف لصالح الوحدة ،واضاف انهم فى الفترة الماضية وصموا بالابتزاز السياسى من قبل الوطنى عندما طالبوا بتحقيق عوامل الوحدة الجاذبة فآثرنا الانزواء بعيدا حتى لانتهم بالابتزاز السياسى وقال ان الوحدة التى ينادى بها المؤتمر الوطنى ستجعل المواطن الجنوبى مواطنا من الدرجة الثانية اما اذا كانت الوحدة وفق مفهوم الحركة الشعبية فانها تعتمد على اسس متينة وهو الانتماء للسودان وقال ان الوحدة الأولى مرفوضة.