بصورة غامضة خرج زعيم التيار السروري الشيخ محمد بن سرور زين العابدين من الخرطوم مثلما جاءها أيضا بذات الغموض ولم يخلف وراءه غير تكهنات وشائعات تتطاير هنا وهناك عن مغزي الزيارة وتوقيتها والظروف المحيطة بها فحتي الآن لم تظهر أي نتائج لهذه الزيارة التي تعد الثالثة من نوعها للسودان ... ففي صيف العام 1995م احتضن فندق قصر الصداقة بالخرطوم بحري لقاء سريا جمع الشيخ محمد عبدالكريم امام وخطيب مسجد الكوثر بجدة بعد طرده وترحيله للبلاد واستقراره بضاحية الكلاكلة بجانب الدكتور عبدالحي يوسف امام وخطيب مسجد محمد بن زايد ب«أبوظبي» وهو أيضا جاء مطرودا من دولة الامارات العربية المتحدة وكان منخرطا وقتها في سلاح المدفعية برتبة عريف في الجيش ومعهم الشيخ مدثر أحمد اسماعيل بعد طرده من مسجد جماعة أنصار السنة ببورتسودان حيث كان خطيب المركز الاسلامي للجماعة بحي الثورة ببورتسودان، وكان اللقاء حسب التسريبات التي خرجت بغرض تكوين اللبنات الاولي لتيار السرورية ، ولحق بالمجموعة امير جماعة الاخوان المسلمين المنشقة حديثا من مجموعة الدكتور الحبر يوسف نور الدائم الشيخ سليمان عثمان أبونارو الذي حظي بوقت كبير لمجالسة مؤسس التيار السروري الشيخ زين العابدين الذي تم طرده من المملكة العربية السعودية علي خلفية المواقف التي اتخذها في أعقاب ما كان يعرف بحرب الخليج الثانية وتداعياتها التي أظهرت العديد من الرؤي الشرعية لعلماء السعودية قضت باخراج فتوي شرعية تبيح ضرورة الاستعانة بالقوات الاجنبية لتحرير الكويت وحماية السعودية من تهديدات الرئيس العراقي صدام حسين، الامر الذي ووجه بثورة احتجاجية ومعارضة من قبل هذا التيار الذي اكتسح وسيطر علي الشارع العربي والاسلامي وتمكن من قيادة ثورة «تصحيحية» كان مجملها وجود مواقف مناوئة للموقف الرسمي لعلماء السعودية الشئ الذي خلق تناقضات أربكت الساحة السعودية وكان من أهم ردود أفعالها طرد زعيم السروريين الشيخ محمد سرور بن نايف زين العابدين الذي استقر ببيرمنجهام في انجلترا وأسس مركز دراسات السنة الناشر لمجلة السنة المناهضة لحكم العائلة المالكة في الرياض، فظهرت ثلاثة تيارات معارضة ضد السعودية في مقدمتها تيار سياسي يقوده محمد المسعري الذي يطالب بضرورة اجراء اصلاحات شاملة في نظام الحكم، وتيار عسكري مصادم تمثل في زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن الذي بدأ بقيادة عملية التفجيرات وتنفيذ الهجمات المسلحة علي المصالح والاهداف الغربية بالسعودية، والتيار الثالث كان بزعامة محمد سرور زين العابدين وكان يهدف لقيام ثورة ترتكز علي تعبئة الشارع السعودي ومهاجمة الدعاة التقليديين ووصفهم بأنهم علماء يتبعون للسلطان .. أما الزيارة الثانية للشيخ السروري للخرطوم فقد تمت أيضا في الخفاء خلال العام 2001 م أثناء تولي الدكتور عصام البشير لحقيبة الارشاد والاوقاف، ودار الحديث عما يمكن أن يقدمه وزير الاخوان المسلمين لصالح الحركة السرورية التي تمددت في دول الخليج العربي والبلاد الغربية خاصة بريطانيا حيث تكاثر أنصار ومؤيدو الشيخ سرور خاصة من الجنسيات الجزائرية والسورية والاردنية والسعودية ... الا أن الزيارة الاخطر والتي أثارت جدلا في الاوساط الاسلامية فهي التي حدثت خلال الايام القليلة الماضية حيث خرج الرجل من الخرطوم دون أن تكون هناك أي نتائج لهذه الزيارة الغامضة وبرنامجها المصاحب لها واللقاءات التي جرت وتردد أنها تمت ما بين برج الفاتح حيث مقر سكن الرجل وقاعة الشارقة وحي كافوري مركز الشيخ جبر آل ثاني الاسلامي وحي المهندسين بأم درمان حيث المقر الرئيسي لمنظمة ذي النورين صاحبة حق الامتياز في دعوة مؤسس التيار السروري ... الزيارة ورغم التكتم الشديد عليها الا ان ما تسرب يكشف ان عملية المراجعات التي جرت مؤخرا حول المدرسة السرورية والهجوم المكثف عليها من قبل خصومها من المدارس السلفية الاخري جعلها تلجأ لتقييم التجربة استعدادا للمرحلة المقبلة خاصة علي مستوي الوجود السروري بالسودان وأهمية الحفاظ عليه بعد فشل النموذج في كثير من دول العالم العربي والاسلامي لتبقي التجربة السودانية هي آخر المكاسب للتيار السروري أو «تيارالصحوة» بينما يطلق عليه الاخرون «خوارج العصر» خاصة المدرسة الالبانية في كل من اليمن والاردن والسعودية ... ولعل وجود محمد سرور بالخرطوم جاء بهدف قيادة التصحيح لخطوات هذا التيار بعد عملية جراحية أجراها الرجل عبر مراجعات اقتضاها وجوده ببريطانيا التي شهدت عمليات عنف وتنفيذ هجمات علي مواقع حيوية بلندن .. والمدهش ان لندن لم تكن راغبة في وجود الرجل الذي هاجر منها أيضا بصورة غريبة قاصدا الامارات العربية المتحدة ومنها توجه تلقاء الاردن ... أما أطرف ما صاحب الزيارة من همس ان الرجل جاء للخرطوم تحت غطاء دبلوماسي كتكتيك تمويهي وعملية تعمية لتضليل خصوم السروريين الذين يقفون بالمرصاد ضد تيار الصحوة ..ولكن الاطرف هي المحاولات المستميتة التي جرت لعقد لقاء يجمع زعيم السروريين زين العابدين بنائب رئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه ، ولكن ظروف مؤسسة الرئاسة حالت دون اتمام اللقاء فاكتفي منظمو الزيارة بمحاولة ترتيب اجتماع خاطف مع الدكتور غازي صلاح الدين العتباني وذلك بغرض تلطيف الاجواء جراء ما تداولته مجالس السلفيين عن انقسام وقع في أوساط الرابطة الشرعية وتمسك نائب الرئيس الشيخ أبونارو الذي أفتي بحرمة الانتخابات في مواجهة فريق كان يرغب في مساندة المؤتمر الوطني خلال معركة الانتخابات ضد الاحزاب السياسية خاصة العلمانيين والحركة الشعبية أو «تحالف جوبا» ولكن حتي الان لم يتأكد هل عقد اللقاء ام لا؟»... وكانت أهم مخرجات وتوصيات اجتماعات الخرطوم هي هجرة الغلو والتطرف عبر طريق ثالث يحافظ علي الوجود السروري بالبلاد والذي تمكن من تأسيس «قنوات فضائية -اذاعات -صحف - منظمات خيرية- واجهات طلابية - شبابية -مجمعات اسلامية - مساجد -ووجود علي صعيد الادارة في الجامعات السودانية» يصعب التفريط فيها الامر الذي يضطرهم لمصالحة الواقع السوداني من جهة علي المستوي الاجتماعي ومصالحة النظام الحاكم عبر ارسال رسائل انهم في كامل الجاهزية لمهادنته والانخراط في منظوماته طالما وفّر لهم الحماية وحرية التنظيم والحركة والدعوة وتبقي الرسائل مهمة لجهة الطمأنة في الشارع السوداني الذي لا زالت آذانه تتردد فيها فتوي الرابطة الشرعية بتكفير الحزب الشيوعي وقيادته واطلاق الاحكام الشرعية ضد الحركة الشعبية واتهامها بالكفر والزندقة وخروج من ينضم اليها من الاسلام بالاضافة الي تكفير زعيم المؤتمر الشعبي الدكتور حسن الترابي الذي تنعته هذه المجموعات بصفات تخرجه عن الملة بسبب افكاره واجتهاداته التجديدية وهو تراجع خجول لان الذاكرة لا زالت تحتفظ بوقائع يصعب نسيانها ممثلة في أحداث تفجيرات السلمة واغتيال الموظف في المعونة الامريكية غرانفيل ومقتل العديد من المواطنين بمنطقة كمبو 10 بالقرب من مدينة ودمدني ... علي أن الاهم من ذلك كله ظهور مهدد قد يلاحق هذه المجموعات بما تمارسه من اقصاء وعزل لقوي اسلامية ودعوية عريقة في البلاد لها عطاؤها وكسبها في ميدان العمل الدعوي ومحاولة ضربها اما من خلال تجنيد كوادرها واغرائهم بالمال للعمل لصالح التيار السروري أو عبر تهميشهم بدعوي انهم يضمنون سندا حكوميا ودعما معنويا ولوجستيا يرتكزون عليه في مواجهة الجماعات الاخري مثل الاخوان المسلمين والحركة الاسلامية «الكيان الخاص» وجماعة أنصار السنة وجمعية الكتاب والسنة وهيئة شؤون الانصار وغيرها من التنظيمات العاملة في الحقل الاسلامي .... ولكن بدا واضحا ان زيارة الشيخ زين العابدين سيكون لها ما بعدها وربما تحدث انقساما داخل هذه المجموعات في المرحلة المقبلة حول ترتيب أولوياتها وقدرتها علي مواجهة الواقع الجديد خاصة بعد اجراء عملية الاستفتاء لتقرير مصير جنوب السودان والجهود الجارية بين الخرطوم وواشنطن بخصوص اكمال ملف تطبيع العلاقات السودانية - الامريكية والحوار مع الدول الغربية وما يتربت عليه في خارطة جديدة .. والسؤال هو كيف ستتعامل هذه المجموعات مع الاوضاع التي ستفرزها كل هذه السياسات الأمر الذي يحتاج الي اجابات شافية وهل يستطيع تيار السرورية الاجابة عليه بخط عقلاني أم مواجهة عنيفة تتخذ عملية الصدام أحد محاور حسم هذه القضايا؟؟ ...