سيناريو جديد يرتبط بمجموعة من التساؤلات التي تفرز بدورها اسئلة بلا انتهاء في سودان مابعد الانتخابات ،كلها تدور حول القضية المحورية المحددة لمستقبل البلاد وبقائها موحدة او انقسامها لدولتين شمالية وجنوبية لم يتم الاتفاق علي اسمائها بعد في انتظار انجاز الاستحقاق الاهم في اتفاقية نيفاشا 2005 ،وهو مايتعلق باجراء الاستفتاء على حق تقرير المصير للسودانيين بالجنوب وان كان في معناه يتجاوز حق تقرير المصير لوطن وانما اصبح يتعلق بحق تقرير المصير لقارة بأكملها وذلك في ظل التداخل مابين السودان ودول الجوار التسع باعتبار ان الجميع سيكونون شركاء في التركة بعد ان كانوا شركاء في الاتفاق على ايقاف الحرب. الامر بدا واضحا من خلال مؤتمر القمة الافريقية الفرنسية المنعقد في باريس والذي كان من المقرر انعقاده في القاهرة الا ان اوضاع السودان وطبيعة علاقته بمصر هي التي جعلته ينعقد في فرنسا. سخونة الواقع السوداني طغت على برودة الطقس الفرنسي في مدينة نيس والتي كانت مسرحا لمناقشة الاستفتاء بجنوب السودان وسط تخوفات من القادم في حال انفصال الجنوب ومايترتب عليه من تداعيات سلبية على مجمل دول المنطقة، الامر الذي سيؤدي لقيام حروبات اهلية داخل الجنوب وحرب طويلة المدى مابين الجنوب والشمال وتداخل الدول الاخرى التي تفتقد للاستقرار اصلا مع وجود الاتهامات بتبادل الدعم مما يعني اتساع نطاق الفوضى وتهديد للاستقرار في ظل وجود نزاعات حدودية. وحضر المؤتمر المنعقد وفق مبادرة مشتركة مابين الاممالمتحدة والاتحاد الافريقي وزير الخارجية الفرنسي وممثل الحكومة السودانية ورئيس الوفد في القمة نائب رئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه والذي تناول في كلمته التحولات الديمقراطية التي تنتظم البلاد في اعقاب الانتخابات الرئاسية التي جرت في ابريل واكدت كذلك على احترام حكومته على حق الاستفتاء في رد على الاتهامات التي تقول بسعيها لتعطيله مؤكدا على التزامهم التام بقيامه في موعده مؤكدا على انهم يدخلون مرحلة مفصلية من تاريخ البلاد ويسعون سعياً جاداً من اجل ترسيخ خيار الوحدة مع احترامهم التام لخيارات المواطنين بجنوب السودان. ورأت فرنسا انها ملمة بالمخاطر التي يمكن ان تنجم عن تجزئة السودان الا انه في المقابل على حكومة السودان التزامات قطعتها على نفسها وينبغي عليها الالتزام بها امام المجتمع الدولي وان ماتريده فرنسا هو العمل مع الاممالمتحدة والاتحاد الاوربي والدول الافريقية والمنظمات الدولية من اجل تحاشي الفوضى ومواكبة الاستفتاء في حين رأت بعض الدول من المشاركين في المؤتمر وارتفعت اصواتها بضرورة تأجيل الاستفتاء من اجل توسيع خيارات الوحدة بالسودان وتوفر وضع افضل من اجل تحقيق الاستقرار وهو الامر الذي دعت له ارتريا ووافقت عليه جنوب افريقيا واعتبر ممثل الامين العام للامم المتحدة لوروا انه الآن بات من المستحيل اقناع الجنوبيين بالتأجيل مشيرا لان المفاوضات الآن مابين الشمال والجنوب تدورفي اتجاهات ثلاثة هي ترسيم الحدود وتحديد المواطنة وتقسيم ايرادات النفط الا ان وزير الخارجية المصري تدخل ليقول انه من الصعوبة الآن اقناع الجنوبيين بقبول مبدأ التأجيل الا ان هذه الصعوبة يمكن تجاوزها في حال اتفق الطرفان على صيغة تحافظ على وحدة البلاد. ونبه ابو الغيط الى ان انقسام السودان لن يكون بالسلاسة التي انقسمت بها تشيكو سلوفاكيا منبها للخطورة المترتبة على هذه العملية مما يتطلب بدوره دورا كبيرا للامم المتحدة مناديا بوجوب قيام فترة انتقالية عمرها عشر سنوات لتجاوز هذه النتائج المترتبة ولم يبدئ مبعوث الاتحاد الافريقي موقفا محددا وذلك انطلاقا من دوره الحيادي. وقالت فرنسا ان المهم هو تأطير الاستفتاء وتجاوز آثاره السلبية باعتبار ان الهدف هو احتواء نزاع وليس اشعال فتيل نزاعات اخرى. التحذير الفرنسي من اشتعال فتيل نزاع آخر لم يكن وليد الصدفة وانما هو نتاج لوقائع موضوعية تتعلق بمسارات الاستفتاء والواقع السياسي السوداني على وجه العموم فبعيدا عن مهددات ممارسة الاستفتاء نفسه وما قد يأتي به من نتائج قد تقود لتفكيك السودان فان عملية اجرائه نفسها تنطوي على مجموعة من العقبات السياسية واللوجستية ودرجة الاستعدادات المطلوبة لقيامه وتوافر المقومات التي تساهم في نجاحه ،فمابين الدعوات المتكررة للحركة الشعبية فيما يتعلق بضرورة عدم تأجيل هذا الاستحقاق في دعوات تكررت من عدد من القادة حيث اكد رئيس حكومة جنوب السودان سلفاكير ميارديت انهم لن يسمحوا بتأجيل الاستفتاء ولو ليوم واحد وهو لسان حال كل قيادات الحركة الشعبية وفي الطرف الآخر الالتزام المشروط من قبل المؤتمر الوطني بقيام الاستفتاء في ظل توافر شروطه التي تسمح للناخبين بممارسة حقهم دون املاء او اكراه حسب ماجاء في خطاب تنصيب الرئيس البشير وهي الشروط التي لايمكن توافرها على ارض الواقع الآن في ظل الصراعات التي تنهش في جسد الجنوب وحالات الاحتقان السياسي في اعقاب الانتخابات والتململ الذي يسود في اوساط الجيش الشعبي في هذه الايام وفي الجانب الآخر تظل ترتيبات مابعد الاستفتاء وحسم قضايا مابعد الانفصال في اضابير النسيان لحين الانتهاء من حسم ملف تشكيل الحكومة الجديدة. مجموعة من العوامل تجعل من دعوة دول الجوار دعوة اكثر موضوعية واكثر ملاءمة للواقع الماثل وهو ما عبر عنه للصحافة الدكتور اسامة زين العابدين والذي اعتبر ان الدعوة للتأجيل هي دعوة صائبة وتصب في مصلحة تحقيق الوحدة الوطنية وتنبئ كذلك عن مدي اهتمام دول الجوار بعملية الحفاظ على وحدة السودان وهو الموقف المعلن لمعظم دول الجوار ماعدا يوغندا والتي تدعم خيار استقلال الجنوب للحفاظ على الطفرة الاقتصادية التي حققتها في الفترة التي اعقبت توقيع اتفاق السلام وانسياب التجارة مابين البلدين. ويضيف اسامة ان ممارسة حق الاستفتاء باعتباره خياراً ديمقراطياً منحته اتفاقية نيفاشا لاهل الجنوب امر لا غبار عليه الا ان اسامة يضيف متسائلا بعيدا عن دعوة التأجيل التي جاءت من دول الجوار هل الواقع مهيأ لقيامه وهل الجو العام السائد بالجنوب يشجع على قيامه وبالطبع فان الاجابة95% لا فمن حيث الحريات الجو غير معافى سياسيا كما ان الظروف الامنية لا تشجع على الاستفتاء وخصوصا أن هناك شكلاً جديداً من الصراع بدأ يأخذ اتجاهاته نحو الجنوب وهو الصراع المتعلق بالموارد والاراضي في المدن كما ان تداعيات الانتخابات وما افرزته ستلقي بظلالها السلبية على الامر برمته وهو مايبدو واضحا في النزاع مابين الحركة الشعبية من جانب ومن الجانب الآخر اطور ولاحقا قلواك قاي وهو الامر الذي يفسر عدم قدرة الحركة على ادارة الجنوب وما يمكن ان نشير في هذا الجانب هو عدم الثقة مابين شريكي نيفاشا فالمؤتمر الوطني والحركة الشعبية والاتهامات المتبادلة فيما بينهم الامر الذي سيلقي بظلاله على الاتفاق على تداعيات مابعد الاستفتاء والقضايا العالقة في حال افرزت النتائج انفصالاً للجنوب. واشار إلى أن قضية مثل الحدود ستشكل هاجسا كبيرا يتطلب حسمه بالاتفاق حول المرجعيات هذا غير قضايا الديون والجنسية والاصول المدنية والعسكرية ،واشار زين العابدين إلى ان قيام استفتاء في ظل هذه الظروف لن يخرج من احد خيارين احلاهما مر الاول هو الانفصال في حالة الاتفاق على قيامه مابين الشريكين والآخر هو العودة لمربع الحرب ممايعني بدوره ان الخيار الداعي للتأجيل هو خيار يصب في مصلحة الاطراف كافة وخصوصا الاطراف الداعية للوحدة ويوفر بدوره مساحة لمجموعة من التفاهمات مابين الاطراف المختلفة وهو خيار من شأنه ان يوفر للجنوب الاستفادة من المميزات التي منحتها له الاتفاقية في اطار التميز الايجابي. دعوة دول الجوار ورؤية الدكتور اسامة مع قراءة واقعية للمشهد السياسي عموما تؤكد على فرضية صعوبة وخطورة قيام الاستفتاء في ظل هذه الاوضاع مع الوضع في ظل تراكم قضايا مابعد الاستفتاء التي لم تحسم بعد تجعل من خيار التأجيل هو الخيار الامثل لدعاة الوحدة في انتظار ردود الطرف الآخر الذي أعلنها داوية لا تأجيل للاستفتاء.