٭ امتلأت شوارع (الخرطوم الحضارية) بالمتسولين.. بعضهم يحمل اوراقاً من منظمات (باسمائها) والبعض الآخر يحمل وصفات طبية عليها بعض الادوية والمراهم والحقن.. يجوبون الاحياء بلا استثناء ويطرقون الأبواب املاً في مال يسد (الفَرَقَة) التي ظهرت فجأة أمام مريضهم طريح المستشفى ( الفلاني أو العلاني)، بعضهم يعرف نفسه بأنه طالب قادم من ولاية أخرى تقطعت به السُبل ولم يجد إلا ان يمد يده ليجمع ثمن تذكرة العودة.. واخرى تجر وراءها طفلاً رث الملابس متسخ الايادي تسألك مالاً من أجل والدها المقعد.. بعضهم يجري خلف السيارة ويطرق الزجاج الأمامي يحكي (جوعه وعطشه) ويسألك المال من أجل لقمة تلجم البطن الجائعة.. يتصيد بعضهم السيارات الفارهة ذات (التظليل) الكامل ظناً ان من بداخلها سيفتح (زجاجه) (للمنح أو المنع). ٭ أصبح المنظر مألوفاً وأصبحت الاشارات هى السكن والمأوى ونقطة الانطلاق ومكان التجمع و(كلمة السر) ففيها تتجمع النساء بصحبة اطفالهن ليبدأ (التقسيم) اليومي للعاصمة الحضارية.. هذا لشارع المطار وذاك لشارع عبيد ختم وتلك لمحمد نجيب، كل يجمع ما يستطيع ومكان اللقاء هو مكان الانطلاق الاول.. ذات الاشارة. ٭ دخلت بعض (الجاليات الوافدة) منظومة التسول.. هؤلاء يحملون اوراقاً (منسقة) بحيث يكتب (المانح) اسمه والمبلغ المدفوع ولا مانع ان يكتب (فاعل خير) فالقضية ليست في الاسم أو العمر أو الهوية إنما في دفع المال للطرف الآخر الذي لا يجيد العربية فقط ينادي ب(حاج وحاجة). ٭ يختار أصحاب الاوراق المنسقة و(المقسومة) الى نصفين بعناية فائقة المنازل و(العمارات السوامق) ويطيلون الانتظار أمام بواباتها وأشجارها حتى (يتعطف) أحدهم بفتح الباب او طردهم وتحذيرهم من اعلى (بلكونة) في العمارة. ٭ اذاً يضاف لشوارع الخرطوم بجانب المتشردين هؤلاء المتسولين الذين تكاثرت اعدادهم لدرجة كبيرة وتنوعت فنون التسول لديهم و(ما خفى اعظم) ربما ستظهره الايام المقبلة.. ٭ ان المتسولين يشكلون (مملكة) كاملة يصعب اختراقها انها عصية الجوانب وإلا لماذا لم تستطع الرعابة الاجتماعية ان تحد من هذا التسول الذي عمَّ (العاصمة الحضارية) ولم يترك شبراً إلا وشخص يمد يده يسألك ويلح في السؤال. ٭ ان وزارة الرعاية الاجتماعية بشقيها الاتحادي والولائى لم تقدم الحل الناجح الذي يعمل حقيقة على تقليص العدد أو انحساره.. فما يجري على لسان (اهل دارها) لا يؤكد ان هناك إنجازاً ايجابياً غشت ثماره هذه الفئة التي تتضور جوعاً وتبحث عن دواء وتعيش تحت خط الفقر.. ٭ ان هذه المملكة ما هى إلا نتاج لسياسات الانقاذ الاقتصادية التي جعلت المواطن يبحث عن لقمة عيشه ودوائه ولو تسولاً. همسة: ويأخذني الحنين إليك .. براً آمناً وترتاح عيناي على الجمال.. البِكر وأطرب وتطرب خطاي.. وأنشد معزوفتي.. يا وطني..