كثير من الآباء والأمهات ظلوا يحقنون أطفالهم بجرعات متوالية من القيم التربوية الفاضلة، ولكنهم ما أن يطأوا العتبة الأولى من سلم الوعي والتثقيف الجنسي حتى يصيبهم الإرتباك ويتراجعوا مذعورين ليتركوا أطفالهم في تلك الظلمة يتخبطون اعتماداً على منهج التجربة والخطأ. يمضي الأطفال في هذا الطريق الوعر وهم لا يملكون زاداً اللهم إلا من ثقافة بايولوجية ضامرة تجود بها على إستحياء المناهج التربوية. إن تسليح الطفل بثقافة تربوية تشرح له بوضوح مفهوم التحرش الجنسي وأساليب الإستدراج التي تسبق هذا الجرم وخلق مناعة لدى الطفل من هذا الإغواء المريض، كفيل بتقليل مثل هذه المخاطر كما أنه يساعد على بناء شخصية للطفل يهابها المعتدي. إن جرثومة هذا الإغواء المريض لا تردعها في بعض الأحيان أي نوع من الحصانات.. دينية أو تربوية، فالكنائس في أوروبا والعالم الغربي ضربها هذا الإعصار، وبعض ممن يلبسون مسوح القساوسة والرهبان أدينوا بتهم التحرش الجنسي بالأطفال. كذلك المدارس، ليس في العالم الغربي ولكن في جميع أرجاء الدنيا كانت مسرحاً لحالات موثقة لهذا السلوك المريض. تسارع وتيرة الحياة ولهاث الأب والأم معاً في ساقية العمل المضنية جعل مقياس التحسب والتدارك لدى أولياء الأمور تجاه أطفالهم في أدنى درجاته، فمنهم من يعهد بأطفاله إلى عامل المنزل أو السائق أو حتى الأقارب من المراهقين.. بل إن بعض العاملات يعهدن بأطفالهن إلى أصحاب (الكناتين) في ساعات الإنتظار ما بين عودة الأطفال من المدارس وعودة الأبوين من عملهما! إن الهلع الذي ينتاب الأطفال المعتدى عليهم في مواجهة ذويهم ومصارحتهم بواقعة الإعتداء، يكون أحياناً وللأسف الشديد أكبر من خوفهم إزاء جلاديهم المعتدين. هذه هي المحنة التي إستمدت جذورها من قيم تربوية مرتبكة وفاسدة ظللنا نتوارثها جيلاً بعد جيل، فالتكتم وسياسة دفن الرؤوس في الرمال لم تترك للباحثين إحصائيات موثوق بأرقامها يُستند عليها في إدارك حجم هذه الكوارث السلوكية المريضة. هكذا ظل الإعتداء والتحرش الجنسي بالأطفال منطقة مظلمة يجزع المجتمع من ولوج عتمتها، وأسوأ ما في الأمر ان النهج السائد هو التعامل معها بعقلية (الفضيحة والعار) الذي يجب إحتواؤه والتستر عليه بحجة حماية مستقبل الضحايا من الأطفال، في حين أن الأوجب بالحماية هو حاضر هؤلاء الأطفال ومداواة شروخهم النفسية. آن الأوان لاقتحام هذه المنطقة المظلمة وتبديد عتمتها بإضاءة الأنوار الباهرة، حتى نتحسس موضع الجرح بدلاً من الذعر والتراجع.