ظلت زراعة قصب السكر وصناعته بالبلاد من أكبر الهواجس التي تؤرق مضاجع المسؤولين والمواطنين على حد سواء، لما تمثله سلعة السكر من بعد استراتيجي في حياة الناس واقتصاديات الاوطان. ويرى كثير من الخبراء أن السودان بما يحتويه من موارد طبيعية كبيرة وأرضٍ زراعية صالحة، مؤهل للوصول إلى الاكتفاء الذاتي من السكر بل للتصدير إلى سائر دول العالم، غير أن ثمة متاريس تقف حجر عثرة أمام الوصول إلى ذلك الهدف، حيث مازالت الفجوة كبيرة بين ما ينتج من السكر والاستهلاك، فالبلاد بما تحتويه من مشاريع كبيرة لإنتاج السكر تنتج 800 ألف طن، بينما يزيد الاستهلاك عن 1.200.000 طن، غير أن الحكومة ممثلة في وزارتي الزراعة والصناعة وإدارة المشاريع الزراعية اهتدت أخيرا إلى تغيير النمط والتركيبة الزراعية ببعض المشاريع لتزرع قصب السكر لزيادة إنتاج البلاد منه. وقد أعلنت وزارة الزراعة الاتحادية وإدارة مشروع الجزيرة ووزارة الصناعة عن تحويل مساحة 13 ألف فدان من مشروع الجزيرة إلى مصنع سكر سنار لتتم زراعة 5 آلاف فدان هذا الموسم تصب في هذا الاطار. فقد كشفت إدارة المشروع عن اكتمال أعمال تهيئة المزرعة وصيانة القنوات بتكلفة 180 ألف جنيه، وقد تم تأمين مسار ميجر «1» الغربي حتى سايفون ترعتي الجزيرة والمناقل بمسافة 5 كلم. وأعلن مصدر مسؤول اكتمال الاستعدادات بالإدارة الزراعية، من حيث تحضير الأرض وتوفير المدخلات «التقاوي- الأسمدة- المبيدات»، وأنه تم تحضير 2500 فدان يخطط لزراعتها قبل حلول موسم الخريف، على أن تكتمل المساحة بعد الخريف. وأشار إلى صرف سلفيات إلى المزارعين بواقع 800 جنيه للحواشة. ومن ناحية أخرى تم تحضير 6 آلاف فدان لزراعتها بمحاصيل أخرى غير قصب السكر يزرعها المزارع لصالحه. واعتبر المصدر الخطوات التي تمت بمثابة نجاح للشركاء وكسب للتحدي. وفي دوائر الخبراء الاقتصاديين يقول الدكتور محمد الناير، إن فكرة إدخال زراعة قصب السكر بمشروع الجزيرة وتصنيعه ليست جديدة، حيث تم طرحها قبل فترة، وقد أجرت شركة سكر كنانة دراسات متكاملة قدمتها في ندوة ببركات قبل ثلاثة أعوام تقريبا، أبرزت فيها معلومات وافية وضافية عن تكلفة زراعة قصب السكر بمشروع الجزيرة، وأوضحت أنه يحتاج إلى كميات كبيرة من المياه، غير أن القائمين على دائرة البحوث والتقانة بكنانة أبانوا أن هناك عينات من قصب السكر لا تحتاج إلى استهلاك كميات كبيرة من المياه، علاوة على أنه يمكن إدخال أو اتباع أساليب الري الحديثة التي تعتمد فكرتها أساساً على ترشيد استهلاك المياه وتقليله حتى تكون تكلفة إنتاج قصب السكر وبالتالي السكر باعتباره منتجا نهائيا بسعر أو تكلفة مناسبة. ويضيف الناير أن طبيعة الري الانسيابي بمشروع الجزيرة لا تحتاج إلى مضخات رافعة أو ساحبة. واضاف أنه إذا ما تمت تعلية خزان الروصيرص يمكن التوسع بصورة أكبر في زراعة قصب السكر بمشروع الجزيرة، واعتبر إدخال أي مشروع زراعي صناعي بالمشروع من شأنه أن يغير نمط حياة المزارعين والنهوض بالمنطقة التي يُقام عليها اقتصاديا واجتماعيا وخدميا. واشترط الناير ألا يتمسك المزارع بفلاحة الأرض بنفسه حتى يضمن المصنع إمدادا من المواد الخام «قصب السكر» على مدار فترة الموسم. وقال إنه إذا ما اعتمدت مصانع السكر العاملة بالبلاد الآن على فلاحة المزارعين بحجة امتلاكهم للأرض أو لأي سبب لتوقفت عجلة الإنتاج بها تماما. وزاد أن مشاريع إنتاج وزراعة السكر تحتاج إلى إمكانيات كبيرة لا يمكن للمزارع توفيرها، لذا على مشاريع السكر القيام بإدراتها بصورة متكاملة من الألف إلى الياء، بعد توصلها مع المزارعين إلى صيغة توفيقية تضمن لهم حقوقهم كاملة غير منقوصة، مع الاستمتاع بالخدمات المصاحبة التي تقدمها إدارة المشروع من صحة وتعليم وكهرباء وخلافه. وقال من الواضح أن ضم 13 ألف فدان من مشروع الجزيرة إلى مساحة مصنع سكر سنار يأتي في إطار السعي لزيادة القدرة الإنتاجية للمصنع الذي فيما يبدو لديه طاقة إنتاجية غير مستغلة، وبإمكانه طحن كميات أكبر من القصب من التي تنتجها مساحته الحالية، واعتبر الناير الخطوة إيجابية في سبيل سعي الحكومة الجاد إلى سد الفجوة في إنتاج السكر بالبلاد ولو جزئيا.