الزعم المختلق الذي أطلقه الكاتب الكبير هيكل ، في برنامجه التلفزيوني الراتب ، حول اغتيال الامام الراحل الهادي المهدي ب«مانجو مسمومة» أقام الدنيا وشغل الساحة السياسية السودانية.هذا الزعم الذي لا يملك سنداً من المنطق جعلني أتأمل في حقيقة حميدة مفادها أن سجل السياسة السودانية كان نظيفاً الى حد كبير في خلوه من الاغتيال السياسي وازاحة الخصوم بالتصفية الجسدية. صحيح ان هناك بعض النقاط السوداء مثل اغتيال السياسي الجنوبى المرموق وليام دينق في الستينات،وقتل الامام الشهيد الهادي المهدي وتصفية قادة الحزب الشيوعي من المدنيين وعلى رأسهم عبد الخالق محجوب والشفيع أحمد الشيخ وجوزيف قرنق الى جانب اغتيال الاستاذ محمود محمد طه،كذلك اختطاف واغتيال الصحفي محمد مكي صاحب جريدة الناس وايضاً الصحفي الراحل محمد طه محمد أحمد،إلا أنه ورغم هذه النقاط والمحطات المعتمة ظل الاداء السياسي ومنذ الاستقلال تسوده قيم التسامح والنفور من مثل هذه الممارسات الآثمة التي شهدتها بعض دول الجوار العربية والافريقية. مصر الشقيقة ظل المشهد السياسي فيها عامراً بجرائم الاغتيال السياسي، ففي عهد ما قبل الثورة حصد الرصاص أرواح حسن البنا مرشد الاخوان المسلمين الى جانب رؤساء الوزارات وكبار الساسة امثال أحمد ماهر والنقراشي وامين عثمان ، وفي ما بعد ثورة يوليو كان إعدام خميس والبقري وهما من قادة العمال بسبب تجرأهما بالدعوة لاضراب عمالي،وتوالى مسلسل القتل السياسي فشمل قادة الاخوان المسلمين جراء محاولة اغتيال الرئيس عبد الناصر بالاسكندرية ومن بعدهم المفكر الاسلامي سيد قطب،ثم توالى بعد ذلك مسلسل القتل المتبادل...الشيخ الذهبي وزير الاوقاف..انور السادات..ود.رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب..محاولة اغتيال عدة وزراء للداخلية من بينهم الوزيران حسن ابو باشا وحسن الالفى..اغتيال الكاتب فرج فودة..ومحاولة اغتيال الأديب الكبير نجيب محفوظ. ويظل لبنان صاحب النصيب الاكبر في العالم العربي في هذا المجال..مجال الاغتيال السياسي وتصفية الخصوم..اغتيال رياض الصلح أول رئيس للوزراء..وكمال جنبلاط الزعيم الدرزي مؤسس الحزب الاشتراكي..رئيس الوزراء رشيد كرامى..مفتي الجمهورية الشيخ حسن خالد..لغز اختفاء وربما اغتيال الامام الصدر المرجع الشيعي البارز..اغتيال رئيسين منتخبين هما بشير الجميل ورينيه معوض .. اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري والكثير من النواب والصحفيين .. وحتى الابناء الشباب من البيوتات السياسية امثال آل فرنجية وشمعون والجُميل لم يسلموا من هذا المصير. وفي العراق امتزجت السياسة بالدماء، فتم سحل نوري السعيد رئيس الوزراء على اسفلت شوارع بغداد وتم قتل ولي العهد وهو طفل صغير مع اسرته،ومن بعده تم هدم وزارة الدفاع في قلب العاصمة على رأس عبد الكريم قاسم وانصاره ، ثم توالى مسلسل القتل والتصفية الجسدية فشمل الرئيس عبد السلام عارف الذى وُضعت قنبلة على طائرته فوق سماء البصرة ، الى جانب الكثيرين على يد صدام ومن بينهم نائب الرئيس حردان التكريتي وعدد من وزرائه،وأخيراً شرب صدام واعوانه من ذات الكأس فى محاكمات صورية تجسد الاغتيال السياسى . هكذا يظل حصاد السياسة السودانية نظيفاً نسبياًً من مثل هذه الممارسات الشائهة ونأمل ان يظل كذلك.