الإعلان والدعاية والترويج لسلعة ما هو عمل فني في المقام الاول يتوجب عليه ان يتحلى بالذوق واللمسة الفنية الجاذبة ، وأن يتخير الموقع المناسب ، ولأنه فن وإبداع أصبحت شركات الاعلان التجاري في العالم المتقدم أكثر ثراءً حتى من شركات الافلام السينمائية الروائية في هوليوود وغيرها ، فالشركات الكبيرة مثل البيبسي والكولا والتويوتا وغيرها يمكن أن تنفق اكثر من مليون دولار في إنتاج إعلان جاذب لا تتجاوز مدته بضع ثوان تلفزيونية. وفي بلادنا تزايدت في الآونة الاخيرة حمى الاعلان التجاري وهذا نشاط اقتصادي حميد ، ولكنه ظل في معظمه يخلو من اللمسة الفنية ، فأصبحت القنوات التلفزيونية السودانية تخرج من (دوري البسكويتات) لتدخل في (دوري المدارس الخاصة) ..ثم في دوري(المشروبات الغازية) بصورة ينعدم فيها الحس الفني . استوقفني قبل بضعة ايام مجسم إعلاني فجّ إنتصب وأستوى على صينية الزعيم الازهري بامدرمان يجسد زجاجة مياه غازية(خالية من الكحول)،أراد مصمم الاعلان أن تكون ملقاة على صحن الصينية كما تلقى القوارير على سلة النفايات..أول ما رأيتها خطرت بذهني ابيات الشاعر الكبير توفيق صالح جبريل حين يقول(ظلت الغيد والقوارير صرعى..والاباريق بتن في اطراق).. مع الفارق طبعاً ما بين عبقرية الكلمة وسحر التشبيه لدى الشاعر الكبير وما بين هذه الفكرة الاعلانية الفجة ،والتى بدت وكأنها مسرح لبقايا ليلة سُكر متهور ! إن هذه الصينية بمسماها وتواجدها جوار منزل الزعيم الازهري تجسد معلماً وطنياً ورمزاً تاريخياً لا ينبغي جعله مسرحاً لهذا العبث الاعلاني الشائه الذي يخلو من الذوق واللمسة الفنية ويتجاهل الدلالة التاريخية للمكان.كان الاجدر بسلطات الولاية والمحلية أن ترفض مثل هذا التشويه وأن تعرض عن إغواء الجباية الاعلانية في هذا الشأن،وأن تقيم مجسماً في هذا الموقع يجسد قيم النضال الوطني ووحدة الوطن ...وليست (صينية) الأزهري وحدها فذات الاعلان يستوى بشكل آخر في(صينية) المعتمدية امام قبة الامام المهدي ومسجد الخليفة عبد الله بامدرمان الذي هو الآخر من أهم رموز نضالنا الوطني. آمل أن لا تفسر هذه الاسطر كنوع من التحامل على هذا المنتج أو أصحاب المصنع الذين هم جزء من اسرة امدرمانية عريقة لها اسهام وطني واقتصادي مقدر،ونأمل منها ان تبادر بتصحيح هذا الوضع من تلقاء نفسها بعد أن غفلت عنه سلطات الولاية والمحلية.