بدأ العد التنازلي لساعة الإستفتاء، والذي تبقى منه (190) يوماً، بحساب الأيام، بعدها يصبح السودان إما موحداً واما منشطراً الى دولتين، بعد ان تباينت المواقف الإقليمية والعالمية، حول موقفها من وحدة وإنفصال السودان، كل حسب مصالحه واطماعه، في الوقت الذي تغير فيه الخطاب الرسمي الداخلي بالتركيز على ترتيبات الإستفتاء وترسيم الحدود، والضمانات الحقيقة لنزاهة الإستفتاء، في إشاره الى ان الحديث عن جاذبية الوحدة وضيق الفترة لايخدم القضية، بل التعامل بواقعية مع الإستفتاء الذي تبقى منه ستة أشهر، مع التشديد على ترسيم الحدود قبل الموعد القريب والإتفاق على حراستها وعودة القوات النظامية الى مواقعها الرسمية حسب الإتفاق، او القبول بحراسة اممية لمراقبة الحراك السكاني وهجرة القبائل الرعوية تحسباً لاي احتكاكات. وفي الندوة التي نظمها مركز السودان للبحوث والدراسات الإستراتيجية بالتعاون مع جامعة افريقيا العالمية بقاعة الصداقة والتي حملت عنوان «تقريرالمصيرالحق والواجب» شدد وزير الخارجية، علي كرتي على أهمية الإلتفات الى القضايا الأساسية والحقيقة المتعلقة بترتيبات الإستفتاء خاصة ترسيم الحدود، والإستعدادات الإدارية واللوجستية، واعداد المراكز، وتوفير الأمن، مشيراً الى ان الحديث عن جاذبية الوحدة والتحليلات بشأن ضيق الفترة لايخدم القضية لافتاً الى التعامل بواقعية مع الإستفتاء والذي تبقت منه ستة أشهر، منوهاً الى العمل لإكمال الترتيبات اللازمة لإقامته في وقته. وأكد كرتي أن الإستفتاء سيجري في موعده، مؤكداً إصرار الطرفين الحركة الشعبية، والمؤتمر الوطني، بجانب المجتمع الدولي على قيام الإستفتاء في زمنه المحدد، داعياً الى التعامل مع حقيقة ان الإستفتاء أمر واقع، وقال «مضى الوقت عن الحديث حول البحث عن معجزات خلال هذه الفترة لجذب الوحدة»، منوهاً الى التعامل بشكل علمي وعملي والإتفاق على القضايا المتعلقة بالإستفتاء عاجلاً قبل فترة الستة أشهر المتبقية، ومن ثم وضع إحتمالات الوحدة والإنفصال، حتى لانعود الى مربع الحرب من جديد. وشدد كرتي على ترسيم الحدود قبل الإستفتاء، والإتفاق على حراستها من قبل الطرفين او من قبل قوات الاممالمتحدة لمراقبة عملية الحراك السكاني وهجرة القبائل الرعوية تحسباً لاي إحتكاكات، وقال « لايوجد معنى لترسيم الحدود بعد الإستفتاء خاصه اذا ادت نتائجه للإنفصال» منوهاً الى أن الإستفتاء نفسه يحتاج الى ترتيبات من حيث التأمين، وتسجيل المعنيين بالأمر في الشمال والجنوب. وحذر كرتي من ردود أفعال عكسية نتيجة للضغط والشحن الإعلامي من أجل الوحدة، برفع توقعات المواطنين عالياً في الوقت الذي لم يتم فيه العمل بصورة مرضية، ووجه اجهزة الإعلام بتوجيه خطابها الى الجهات التي تؤثر في الإستفتاء بصورة مباشرة، منوهاً الى ان توجيه الإعلام لغير المشاركين في عملية الإستفتاء قد يؤدي الى نتائج عكسية. وأشار كرتي الى ضعف الدور المصري في قضايا البلاد، وضعف معلوماتها عن تفاصيل الحياة السياسية في السودان وتعقيداتها، لافتاً الى ان السودان ليست الدولة التي تلتفت اليها مصر فجأة لحل قضاياها لان السودان يمثل عمقاً استراتيجياً مهماً لمصر، مشيراً الى ان امريكا في حيرة من أمرها بسبب موقفها من الوحدة والإنفصال بسبب جماعات الضغط التي تؤيد وتشجع الإنفصال مما يؤثر على سياساتها الخارجية، منوهاً الى ان عدداً من الدول الأفريقية كانت تدعم خط الإنفصال، ولكنها تراجعت عن مواقفها خوفاً على مصير صراعاتها الداخلية، ولكن مازال بعضها يدعم الإنفصال ويشجعه لأطماعه الخاصة، متهماً يوغندا انها ليست بعيدة من هذا الباب. وقال الباحث بمركز الإهرام بالقاهرة، والإعلامي العربي، الدكتور هاني رسلان، ان مصر متهمه بأنها لم تستوعب التفاصيل الدقيقة لحركة المجتمع السوداني في هذا الوقت الحرج بالتحديد، مشيراً الى أن قضية تقرير المصير قضية شائكة ومعقدة، وبها كثير ماهو معلن وماهو غير معلن، يمكن قراءته من بين السطور، والتصرفات وردود الأفعال خاصة لقادة الحركة الشعبية، وما يحدث الآن هوثمار لعدم نجاح آفاق الدولة الوطنية منذ الإستقلال والى الآن، وهو ليس مسؤولية حكومة بعينها بل جميع الحكومات التي تعاقبت على سدة الحكم في السودان فلم تكن لها إستراتيجية مستقبلية واضحة، فكان الهم في كيفية تثبيت دعائم الحكم والنظرة القاصرة لتسير الأمور الحالية، والسبب يرجع الى عدم تكتل قوى سياسية موحدة تقود العمل الوطني للإستقرار والتنمية الدائمة، حيث كانت القوى الرئيسية آنذاك الأمة والإتحادي مبنية على الطائفية، مما أدى إلى عدم توحد الرؤى الى الإنشقاقات ومن ثم الإنغماس في صراعات دائرية وتقليدية حول السلطة «إئتلاف وإنفضاض ومن ثم حلف عسكري يرفع رايات التنمية، ثم إنتفاضة، وديموقراطية مؤقتة، ثم عودة النظم العسكرية وهكذا»، ولكن عندما اتى العام 1989 اصبح هناك مشروع له رؤية وأهداف واضحة تمثل في المشروع الحضاري الإسلامي والذي جاءت به حكومة الإنقاذ، وفي المقابل ايضاً مشروع السودان الجديد الذي تتبناه الحركة الشعبية لتحرير السودان، الى ان تكامل المشروعان واخرجا اتفاقية السلام الشامل، والتي يمكن ان نطلق عليها المساومة التاريخية، والحلول الوسطية بما شملته من نصوص وبروتوكولات، كفلت بحكم ذاتي واسع النطاق ونظام اشبه بالعلماني في الجنوب، بجانب الشريعة في الشمال، فالإتفاقية كانت بمثابة السعي لحل وسط ومسار جديد في تاريخ السودان بني على التحول الديموقراطي لحقن الدماء وإنهاء النزاع الطويل في الجنوب، وبناء سودان جديد عبر التنمية. وأوضح رسلان، ان السودان اذا قدر له ان يكون مستقراً وموحداً، سيظل الرابط والجسر مابين الدول العربية والإفريقية، وهو قادر على دعم العرب والافارقة على حد سواء لإمكانياته الكبيرة، التي لم تستغل بصورة جيدة، ولكن تأتي الرياح بما لاتشتهي السفن، فما زالت الإنقاسامات والإنشقاقات تمزق جسد الحياة السياسية في السودان، بجانب التدخلات الخارجية. واشار رسلان الى ان الراحل جون قرنق قال ان الإتفاق يعبر عن السودان الجديد، أي انه كان راضياً عنه، وأيضاً حكومة السودان التي دافعت عن المشروع، نجدها تنازلت طواعية من أجل وحدة السودان. وأضاف رسلان ان الراحل جون قرنق كان همه الوحدة ولكن في ذلك الوقت كان في الحركة من ينادون بالإنفصال ولكن بصورة غير معلنة، ولكن بعد رحيله سيطرت الحركة على الجنوب، وتريد ان تعيد التفاوض من جديد مع حكومة الشمال حول بعض النقاط التي لا ترضيها، وهو حديث غير عملي وغير منطقي، وهناك قانون وضع يحكم الإستفتاء، ولكن هناك شريحة من الجنوبيين تريد ان تثير الرأي العام الجنوبي نحو الإنفصال، والخطاب الذي تقوده غير موضوعي ومتناقض، لانه يتحدث عن سودان جديد بنبرة إنفصالية ناسين أو متناسين ان فكرة السودان الجديد تقوم على الوحدة اصلاً. وقال رسلان استغرب كثيراً ونحن نستمع في الفترات السابقة الى احاديث من بعض قادة الحركة الشعبية عن الديموقراطية والحرية كمدخل للمحاجاة السياسية، في الوقت الذي نشاهد فيه سلوكاً آخر من قبل الحركة بعيداً عن الديموقراطية، من عنف وتزايد لأعداد النازحين. ودعا رسلان الى تكثيف الجهود الإقليمية والدولية والعربية والإفريقية وتعليقها على اجندة العمل الداخلي، مشيراً الى ان خطاب بعض الدول والمنظمات الأفريقية تغير عن سابقه خاصة الإيقاد التي كانت راعية للإتفاقية مشدداً في الوقت ذاته على التمسك بإجراءات مشددة لضمان نزاهة الإستفتاء من التلاعب بأية وسيلة من الوسائل، مشيراً الى ان الجنوب يفتقد الى البنيات التحتية، بجانب الصعوبات المتوقعة في مصداقية الإجراءات، مطالباً بعدم السماح لمجموعة معينة بفرض آرائها على الجنوب في الوقت الذي تدعي فيه بأنها تمثل رأي الجنوبيين. ودعا رسلان ايضاً الطرفين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني بإعلان الاستعداد لتقديم عدد من التنازلات من اجل الوحدة من باب المحفزات مثلاً ان يحصل اهل المنطقة المعينة على (50%) من نصيب البترول. وقال رسلان في حالة الإنفصال فإن البترول سيخلق مشاكل كثيرة في الجنوب نفسه كمطالبة بعض القبائل والمجموعات بنصيبها مما يقود الى حرب اهلية بين القبائل الجنوبية، مضيفاً ان جنوب السودان في حال انفصال غير مستقر يصبح بمثابة قنبلة إنشطارية تخلف تداعيات على دول الجوار وإخلال للتوازن يمتد الى منطقة البحيرات وغرب افريقيا وساحل البحر الأحمر. وأوضح رسلان، ان التقيدات طالت الإطار الإقليمي والدولي، فالولايات المتحدةالأمريكية، منذ دانفورث وماقبلها كانت حريصة على الحفاظ علي السودان دولة موحدة بنظامين، مشيراً الى ان حق تقرير المصير كان موجوداً في مبادرة الإيقاد، وهو الفارق بينها وبين المبادرة المصرية التي لم تنادِ بحق تقرير، ولكن حدث تبادل في الأدوار والمواقع في الإطار الدولي والإقليمي، وذلك بتقديم حوافز غير مباشرة للإنفصال من أمريكا، وبريطانيا وفرنسا، وفي المقابل دول الجوار التي كانت تدعم الإنفصال تراجعت عن مواقفها الداعمة للإنفصال خوفاً ان تمدد المطالب الى حدودها وهي غير مستقرة وتشهد نزاعات أيضاً.