والي الخرطوم يدشن أعمال إعادة تأهيل مقار واجهزة الإدارة العامة للدفاع المدني    الإسبان يستعينون ب"الأقزام السبعة" للانتقام من يامال    مصطفى بركات: 3 ساعات على تيك توك تعادل مرتب أستاذ جامعي في 6 سنوات    تكية الفاشر تواصل تقديم خدماتها الإنسانية للنازحين بمراكز الايواء    مصالح الشعب السوداني.. يا لشقاء المصطلحات!    تايسون يصنف أعظم 5 ملاكمين في التاريخ    السودان.."الشبكة المتخصّصة" في قبضة السلطات    مقتل 68 مهاجرا أفريقيا وفقدان العشرات إثر غرق قارب    ريال مدريد لفينيسيوس: سنتخلى عنك مثل راموس.. والبرازيلي يرضخ    نقل طلاب الشهادة السودانية إلى ولاية الجزيرة يثير استنكار الأهالي    مسؤول سوداني يردّ على"شائعة" بشأن اتّفاقية سعودية    السودان..إحباط محاولة خطيرة والقبض على 3 متهمين    توّترات في إثيوبيا..ماذا يحدث؟    اللواء الركن (م(أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: موته وحياته سواء فلا تنشغلوا (بالتوافه)    دبابيس ودالشريف    منتخبنا المدرسي في مواجهة نظيره اليوغندي من أجل البرونزية    بعثة منتخبنا تشيد بالأشقاء الجزائرين    دقلو أبو بريص    هل محمد خير جدل التعين واحقاد الطامعين!!    اتحاد جدة يحسم قضية التعاقد مع فينيسيوس    حملة في السودان على تجار العملة    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشروع الجزيرة ضحية المشروع الحضاري ( 2-2)
نشر في الصحافة يوم 12 - 02 - 2010

اتفق مع نظرة التقليل - الى حد ما - في الوقت الراهن لطبيعة المشروع الجغرافية وبنيته الاجتماعية. وهذا لا يعني ان المشكلة لن تتفاقم إن لم يتم تداركها وحلها موضوعيا وعمليا عدلا ومصلحة للجميع، فمعظم النار من مستصغر الشرر.
ان كل يوم يمر يكشف عدم جدية الحكومة في ايقاف تدهور مشروع الجزيرة ويبدو ان هذا التجاهل المتعمد يؤكد ان هناك مقاصد لتصفية مشروع الجزيرة - وقبل الحديث عن هذه المقاصد، دعنا نقف مع فكرة الانقاذ تجاه مؤسسات دولة ما بعد الاستقلال والتي عمدت الانقاذ إلي تفكيكها ، وما هي المقاصد الحقيقية لسياسة التفكيك، حتى نصل للغاية التي من اجلها تتم عملية تصفية مشروع الجزيرة.
بعد عام او يزيد تخلت الانقاذ عن المداراة فأسفرت عن توجهها وقدمت مشروعها المعروف (بالمشروع الحضاري)، الذي يفتقر للتفسير المنضبط ووضوح الرؤية حتى يسهل استيعابه حين تنزله على الجماهير، ولكن دعنا نأخذه علي ا نه المشروع العقائدي والفكري الذي تستمد منه الانقاذ برنامجها السياسي.. في كتابه سقوط المشروع ا لحضاري، ومن خلال عرضه لاداء منظري المشروع الحضاري، يقول الدكتور حيدر ابراهيم (يرى منظرا - يقصد د. امين حسن عمر، د. التيجاني عبدالقادر، المشروع الاسلامي البديل (المشروع الحضاري) ان مبدأ الثورة هو اهم ما يميز المشروع ويقصد بها :
أ/ فك علاقة التبعية للامبريالية الغربية سواء كانت اشكالا مؤسسية او انماطا استهلاكية .
ب/ تفكيك العلاقات الطائفية سواء كانت علاقات استراتيجية كالتي بينها وبين اتباعها في الريف او علاقات تكتيكية كالتي بينها وبين العلمانيين في المدن.
ج/ النفاذ الى العمق الجماهيري المسلم واخراجه من هوامش الحياة واعداده ليخوض معاركه المصيرية بنفسه.
د. حيدر ابرهيم علي - سقوط المشروع الحضاري - مركز الدراسات السودانية ص 30)...
وبالنظر الى واقع تطبيق المقاصد اعلاه - مقاصد مبدأ الثورة - نجد ان المقصد (أ) لم يأتِ بجديد متميز، بل كل ما تم في تطبيقه هو: اولا: الهيمنة على مؤسسات الدولة من خلال سياسة (الخصخصة)،حيث يتم بيع جزء مقدر من مؤسسات القطاع العام (ممتلكات الشعب) او من خلال تنفيذ سياسة (الاحلال والابدال) والتي تعني ابعاد العناصر المختلفة سياسيا مع الانقاذ وابدالها بعناصر الولاء.
ثانيا: تنفيذ سياسة التعريب في مؤسسات التعليم العالي دون دراسات مستفيضة،ومما يؤكد انا وضعت على عجل عودة الدراسة باللغة الانجليزية في بعض الكليات العلمية وبعض الجامعات الخاصة فهل ما تم في هذه المؤسسات هو ما يقصد به فك علاقة التبعية للغرب؟
اما المقصد (ب) فإن الانقاذ لم تعمل على تنمية الريف وتحسين اوضاع القاطنين فيه - حيث غالبهم من اتباع الطائفية - ولم تعمد لكسب العقول والقلوب، بل عمدت لكسب الولاء بشتى السبل، كما يحدث في مشروع الجزيرة - ولم تسع لاستيعابهم في المشاركة السياسية (فعلا) وفشلت، في ابعادهم عن (المباركة الطائفية) ، والطائفية تعود اليوم وبحجم معتبر وما زالت موجودة، وهذا لا يعني ان الطائفية هي الافضل لحكم السودان، بل يعني ان الانقاذ لم تكن مقنعة لجزء كبير من اتباع الطائفية.
فيما يخص المقصد (ج) والذي يفهم منه نزول الانقاذ - عبر المشروع الحضاري - للجماهير وتمليكها مشروع (الثورة) لتخوض معاركها المصيرية بنفسها، الا ان واقع الحال يقول ان هذه الجماهير اصبحت منهوكة القوى بحيث لا تستطيع خوض معاركها المعيشية دعك عن المصيرية..
مما سبق يمكن القول وبعد اكثر من عشرين عاما من تطبيق المشروع الحضاري، اصبح الحال لا يخفى على احد، وثبت انفصام النظرية عن التطبيق، مما يعني فشل المشروع الحضاري، والدليل على ذلك ابتعاد بعض منظري المشروع الحضاري بعد سنوات قليلة من عمر الانقاذ ومنهم د. التيجاني عبدالقادر حامد، د. الطيب زين العابدين، د. عبدالوهاب الافندي، د. محمد محجوب هارون (راجع د. حيدر ابراهيم نفس المصدر السابق ص 26). ومع اصرار الانقاذ على الاستمرارية لتطبيق المشروع انكشفت المقاصد الحقيقية وهي سياسة التمكين الشاملة، لذلك كانت الانقاذ (شرسة) في ما يمكن تسميته سياسة التفكيك التمكينية والمعتمدة على تنفيذ سياسة (الخصخصة) لمؤسسات الدولة وتنفيذ سياسة (الاحلال والابدال) والتي تعني ابعاد العناصر المختلفة سياسيا مع الانقاذ وغير المرغوب فيها وابدالها بعناصر الولاء.
لم يسلم مشروع الجزيرة من سياسة التفكيك التمكينية ، فقد اصابته يد الانقاذ، فشرعت في تنفيذ (خصخصة) مشروع الجزيرة اي تصفيته فما هي مقاصد الانقاذ من تصفية مشروع الجزيرة في مقال بعنوان مشروع الجزيرة خارطة جديدة... من وراءها ؟! للدكتور ابراهيم يوسف ابراهيم يقول فيه: (يمكن القول ان ولاية الجزيرة تمر هذه الايام بمرحلة تاريخية فاصلة يتحدد خلالها الشكل المرسوم لمستقبل هذه الولاية وهذا يعني خارطة تغيير اجتماعي وتهجير وضغط اقتصادي يهدد حياة اكثر من سبعة ملايين نسمة يقطنون هذه الولاية وهذا بدوره يهدد الكيان الاجتماعي المترابط طيلة هذه الفترة من عمر المشروع... صحيفة الاخبار 23 أكتوبر 2009م)..
اتفق مع الدكتور ابراهيم يوسف فيما ذهب اليه ، ونسبة لتداخل الواقع الاجتماعي مع الواقع الاقتصادي والسياسي، يمكن ان نضيف لهذه الخارطة عملية التغيير السياسي اي تغيير تبعية الولاء وبالتالي تكون هناك خارطة تغيير اجتماعي وسياسي واقتصادي على المستوى الاجتماعي عُرفت منطقة الجزيرة باستيعابها لكافة قبائل واعراق السودان، كذلك تعتبر من اكبر مراكز التواجد الصوفي والطائفية السياسية، الامر الذي مهد للاحزاب التقليدية (الامة، الاتحادي) بالحضور الكثيف مما جعلها تهيمن على الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وتحظى الطائفية السياسية بتأييد وشد من الصوفية المتمددة بكثرة في ارجاء الجزيرة، وهذه البنية الاجتماعية في تشابكها المعقد مع البنية السياسية تقف عقبة امام الانقاذ في التمدد سياسيا في الجزيرة وتقوية تمكينها، فأستهدفت الانقاذ هذه البنية الاجتماعية عن طريق تصفية مشروع الجزيرة، خاصة وان البنية الاجتماعية لا تنفك عن مشروع الجزيرة حيث يعمل فيه غالب اتباع الصوفية والطائفية.
فيما يتعلق بالمستوى السياسي يبدو ان الجزيرة ظلت عصية على الانقاذ والحركة الاسلامية من قبلها، لذا عمدت الانقاذ إلى تصفية المشروع لتغيير البنية الاجتماعية المرتبطة بالمشروع اقتصاديا حتى تستقيم عملية التغيير السياسي في الجزيرة لضمان تغيير تبعية الولاء السياسي.
في يوليو 1987كانت نتيجة انتخابات اتحاد مزارعي الجزيرة والمناقل على النحو التالي (حصل الحزب الاتحادي الديمقراطي على مائة وسبعين) مقعدا (170) باللجنة المركزية، وحصل حزب الامة على مائة وعشرين مقعدا (120) وحصلت الجبهة الاسلامية على ثمانية عشر مقعدا (18) وحصل الشيوعيون والمنتمون للجبهة الديمقراطية على ستة مقاعد (6) بالاضافة لقلة من المستقلين، الاستاذ صديق البادي، ملتقى طيبة ومشروع الجزيرة والاجندات المتقاطعة صحيفة الصحافة 1 نوفمبر 2009م)..
رغم ان هذه الانتخابات اجريت قبل عامين من استيلاء الانقاذ على السلطة الا انها تقر بأن طبيعة الواقع الاجتماعي والسياسي لم تكن في صالح الانقاذ مما جعلها تستهدف المشروع، فكانت الهجمة، عليه بطيئة في بداية الامر الا ان وتيرتها ازدادت شراسة في السنوات الاخيرة حتى وصل المشروع الي ما هو عليه.
يدار مشروع الجزيرة البالغة مساحته اكثر من مليوني فدان بإدارة واحدة متمثلة في مجلس ادارة مشروع الجزيرة، ويتمتع بوجود نقابي مركب، حيث نقابة مشروع الجزيرة والتي تضم بداخلها ثلاث عشرة هيئة نقابية تمثل القوى العاملة داخل مشروع الجزيرة، اضافة الى اتحاد مزارعي الجزيرة والمناقل، وفي مثل هذا الوضع النقابي المركب والمتعدد تحت ظل ادارة واحدة، من البديهي ان تصطدم به الانقاذ في تنفيذ سياسة التمكين، سواء من خلال مطلوبات وحقوق النقابات المهنية ، او ان تشكل هذه النقابات قنوات مرنة لتمدد المعارضة، خاصة الاحزاب التقليدية ذات القواعد الراسخة في المشروع - لذلك كان مصير هذه النقابات مثل بقية اخواتها من بقية نقابات السودان، حيث لحقتها يد (الاحلال والابدال بحشد عناصر الولاء داخلها وقبل ذلك احتلت عناصر الانقاذ مواقعها في مجلس ادارة مشروع الجزيرة حتى تتم عملية التصفية بسلاسة ويسر...
من البديهي بعد مرور ما يربو على العشرين عاما من عمر الانقاذ ان تمددت سياسيا داخل مشروع الجزيرة ، وكما جاء في الاخبار ان المؤتمر الوطني في ولاية الجزيرة يحظى بحضور كثيف داخل قرى ومدن الجزيرة، وهو امر طبيعي لحزب السلطة بين يديه ويسيطر على موارد الدولة، وقد (يفوز) بالانتخابات - بنسبة كبيرة - في الجزيرة ، ولكن هل هذا التمدد يستند على ولاء راسخ ام انها المصالح؟ ارى ان هذا التمدد لم يكسب العقول والقلوب بالدرجة التي تجعل من المؤتمر الوطني الحزب الجماهيري الاكبر دون منازع داخل الجزيرة (ارض المشروع) وذلك لسياسة الحكومة في مشروع الجزيرة على المستوى الاقتصادي ترى الانقاذ ان وضع مشروع الجزيرة - كما ورثته - لا يستقيم مع سياستها الاقتصادية المتمثلة في التحرير الاقتصادي، اذ انها انحرفت عن مفهوم سياسة التحرير الاقتصادي والتي تقوم على عدالة المنافسة في السوق، بل كانت اداة الانقاذ الفاعلة في السيطرة على مفاصل الاقتصاد، وقدمت الانقاذ البرنامج الثلاثي المفتقر للبعد الاجتماعي بشهادة كثيرين، والذي كان ضربة البداية لتدهور المشروع حيث انسحبت الدولة من تمويل مشروع الجزيرة ، ثم صدر قانون مشروع الجزيرة 2005م، سيئ الذكر ، ليعجل بنهاية المشروع.
وصف وزير الزراعة الاتحادي د. عبدالحليم المتعافي مشروع الجزيرة بالعاجز وغير المربح والفاشل (صحيفة السوداني 5 نوفمبر 2009)م، وهذه الاوصاف تجد لها حيزا في تفكير الانقاذ، حتى يكون هنالك تبرير لتصفية مشروع الجزيرة بحجة عجزه وخسارته وفشله، ثم طرح مشروع الانقاذ البديل...!!
يقول الدكتور عبداللطيف البوني في عموده المقروء، حاطب ليل، عن الشيخ الترابي (انني سمعته في ما تم في مشروع الجزيرة ايام كان ممسكا بالسلطة يهاجم المزارعين ويصفهم بالكسل والتبطل، وانهم تركوا حواشاتهم للاغراب.. وفي نفس العمود يرد عليه البوني قائلا: لم يجرؤ احد ان يقول له ان المزارعين زهدوا في الحواشات لأنه لا عائد منها لأنهم ظلموا ظلم الحسن والحسين، وان انقاذ الشيخ حسن الاكثر ظلما واضطهادا للمزارعين (صحيفة التيار 29 أكتوبر 2009م).
اتفق مع الدكتور البوني بأن المزارعين ظلموا والى يومنا هذا فمنذ الاستقلال لم يحدث تطوير وتأهيل للمزارعين ، ودعمهم لحماية انتاجهم، وحتى الابحاث والدراسات العلمية التي اعدت لتطوير وتحديث مشروع الجزيرة وتأهيل المزارعين ، تظل حبيسة ادراجها اوتعرض عنها وجوه المسؤولين الى هذه اللحظة . اتركوا المزارعين وشأنهم فهم ولعقود مضت ظل انتاجهم يدر دخلا وفيرا لخزانة الدولة وانتفع منه اهل السودان.
تعتبر الانقاذ ان عناصر العملية الانتاجية في المشروع - موظفين ومزارعين وغيرهم لا جدوى لهم في بسط (المشروع الحضاري) اي تنفيذ مقاصد التمكين، من خلال وصف المشروع بالعاجز والفاشل واتهام المزارعين بالكسل والتبطل، وفوق كل ذلك تظهر عدم جدوى العناصر الانتاجية من خلال تعامل الانقاذ مع إدارة المشروع. وقد يكون استهداف العاملين بالمشروع - العناصر الانتاجية - يصب في مصلحة عملية تغيير الخارطة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ثم ترسيم خارطة الانقاذ الجديدة في الجزيرة المحشودة بعناصر الولاء، وكذلك قد يكون الغرض من استهداف العاملين، التمهيد لاقناع الشركات الرأسمالية الاجنبية بالاستثمار في ارض المشروع والتي قد يكون من شروطها الاستغناء عن القوى العاملة في المشروع.
ان تحقيق المصلحة الاقتصادية للانقاذ في مشروع الجزيرة يكون في تصفيته وعلى انقاضه تؤسس شركاتها ومؤسساتها الضخمة المصبوغة بصبغة ونكهة (المشروع الحضاري)، لضمان الولاء والكسب المادي الوفير الذي يعين على التمكين واستمرارية الانقاذ في تطبيق (المشروع الحضاري)... لا ادري لمن جاء هذا المشروع الحضاري...؟! وهل سيكون شعار (الوريث الجديد) لمشروع الجزيرة ، نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع..؟! بالمناسبة اين الاستاذ الشاعر محمد عبد الحليم متعه الله بالصحة والعافية..؟!!
ان الانقاذ ترمي بسياساتها في تصفية مشروع الجزيرة لتحقيق :
/1 تفكيك (انهاء) او تجفيف الطائفية السياسية والاجتماعية في الجزيرة ، اي تغيير تبعية الولاء الطائفي السياسي - الامة، الاتحادي، والولاء الصوفي الى حد ما الى تبعية الولاء للمؤتمر الوطني.
/2 السيطرة على مفاصل الاقتصاد في مشروع الجزيرة حيث اهليته لخلق استثمار اقتصادي ضخم.
ان العمل على كسب قواعد جديدة للاحزاب السياسية، وتحقيق مصالح اجتماعية واقتصادية امور مشروعة في السياسة ولكن ليس على حساب المصلحة العامة واضاعة الحقوق، وعدم الاستماع الى اصحابها لردها لهم.
على من تقع المسؤولية في حال تصفية مشروع الجزيرة وعدم نجاح السياسات الجديدة للحكومة ، والتي نسبة نجاحها في علم الغيب وتشير الوقائع الى فشلها ؟، ان المسؤولية تقع على عاتق الحكومة التي تصر على سياساتها بالتصرف في املاك الشعب دون مشاورته، وكذلك تقع المسؤولية على عاتق المعارضة التي اخلت الساحة للحكومة تفعل فيها ما تشاء. ان المعارضة بمداراة نفسها عن مشكلة مشرع الجزيرة وقضايا المواطنين الاخرى تجعله يحس بأنها تفتقر لأهلية التصدي لمواجهة الحكومة لتبني قضاياه، الامر الذي يؤدي للشك حول اهلية ومصداقية برامجها السياسية البديلة لبرنامج الحكومة. بالمناسبة اين برامج الاحزاب السياسية..؟!!
وحتى الحركة الشعبية - شريك الحكم - والتي غالبا ما تبدو متراخية في القضايا القومية بالشمال، لذلك لم تشكل مشكلة مشروع الجزيرة اية اهمية لها، والغريب ان يقول السيد جيمس واني نائب رئيس الحركة الشعبية في مؤتمر تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل بطيبة الشيخ عبدالباقي (لا يكون الحديث عن السودان بدون مشروع الجزيرة)، فهل كلام نائب رئيس الحركة هو ما يدور في عقل الحركة ام انه كلام اقتضاه واقع الحدث ويذهب للمجاملة والعلاقات العامة؟. ان الحركة كشريك في الحكم يمكنها الضغط والتأثير مثل ما فعلت في الضغط لاجازة تلك القوانين (قوانين التحول الديمقراطي) ، الا انها لا تهتم بالشمال، ويبدو ان خيار الانفصال هو الراجح..
دعنا نلجأ الى سياسة الامر الواقع ونلجأ الى من بيده الامر هل تستطيع الحكومة التخلي عن سياساتها في مشروع الجزيرة وتفتح الباب للمشاركة في حل المشكلة؟ هي يمكن للحكومة وضع برنامج اسعافي حتى تعود الحياة للمشروع؟ هل تستطيع الحكومة تكوين لجنة (قومية) و(مستقلة) تحت اشراف رئاسة الجمهورية تتكون من الخبراء والعلماء المختصين، كليات الزراعة والبيطرة، ممثلين لاتحاد مزارعين (هجين) يتكون من اتحاد مزارعي الجزيرة والمناقل (حكومة) وتحالف مزارعي الجزيرة والمناقل (معارضة) ، ممثلين من لجنة ملاك الاراضي بالمشروع ، ممثلين للاحزاب السياسية (طبعا ما ممكن مشاركة ، السبعين حزبا) ، حتى تستطيع (انقاذ) ما يمكن (انقاذه) ووضع سياسة جديدة لتطوير وتحديث مشروع الجزيرة تجعلنا جميعا نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع، ولعلي احلم، والفاتحة على روح مشروع الجزيرة ولا حول ولا قوة إلا بالله..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.