لعل المداعبة التي اطلقها وزير تنمية الموارد البشرية الاتحادي الاستاذ كمال عبد اللطيف اثناء اول نشاط رسمي للوزارة الوليدة والذي بدأه بالاعلاميين وسيعقبه بلقاءات مع رجال الدين الاسلامي والمسيحي واساتذة الجامعات واهل الطرق الصوفية وغيرهم. ودعابة كمال عبد اللطيف التي اطلقها في هذا اللقاء الاعلامي قال انه سيعين الاستاذ عبد الباقي الظافر مستشار تحرير الزميلة «التيار» مديراً لادارة الاعلام في الوزارة حتى يكف عن الانتقادات مثل ما فعل مع الشنبلي والي النيل الابيض مع الزميل الاستاذ عبد الماجد عبد الحميد مدير تحرير «الانتباهة» وعينه وزيراً للاعلام والثقافة في حكومته الجديدة وبالتالي ارتاح الشنبلي من «قلم» عبد الماجد، وسكتت شهر زاد عن الكلام المباح. ورغم ان هذه المداعبة نتجت عنها ضحكات وابتسامات داخل قاعة اللقاء الا ان الاستاذ كمال عبد اللطيف لم يدر انه اصاب نقطة مهمة في هذا اللقاء المعني بتنوير اجهزة الاعلام واصحاب الاقلام عن الوزارة الوليدة هي وزارة تنمية الموارد البشرية والتي جاءت مستقلة لاول مرة في تاريخ السودان منذ الاستقلال عام 6591م، وكانت دائماً اما ان تكون مكملة لوزارة العمل في الاسم وان هناك مجلسا مختصا بالتنمية البشرية لا يستطيع ان يؤدي مهامه بالشكل الذي يخرج النتائج المطلوبة لانه دائماً ما يكون محدود الامكانيات والصلاحيات والتي دائما ما تصطدم بجهات اخرى لا يستطيع رئيس المجلس الا ان يكتفي بالاجتماعات الرسمية ورفع التقارير وارتشاف الشاي مع زوار مكتبه. وكما اشرنا فإن الوزير بدعابته هذه قد اصاب نقطة مهمة فان كان يدري فإن مهمته ستكون غير معقدة وان كان لا يدري فان الامر يتطلب المزيد من الجهد والعمل حتى تحقق جهود الوزارة الجديدة مع نتائج العمل، خاصة ون البنية التحتية في السودان بدأت تأخذ اشكالاً يجعل من مهام الوزارة امرا ضرورياً وملحا وان كانت الوزارة جاءت «متأخرة» بعض الشيء «وهو ان تأتي متأخرا خير من ان لا تأتي» وهذا المثل او القول قد وجد تعليقاً من الوزير وهو بشكله المعروف قد يكون واحداً من مقومات الوزارة الجديدة. وتبقى دعابة الوزير هي المحك الحقيقي الذي يواجه الوزارة لان هناك امراضاً اعترضت «الخدمة المدنية» بشكل عام والخدمة المدنية بكل امتداداتها تعني مهام الوزارة الوليدة لان جهد الوزارة في تنمية الموارد البشرية ينعكس بشكل مباشر على اداء الخدمة المدنية وتقديم مستوى الخدمات فيها وبالتالي ينعكس كل هذا على التنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية في البلاد. ومن هنا يتضح الدور الكبير لهذه الوزارة التي يمكن ان نطلق عليها «ام الوزارات» باعتبار انها تدخل بشكل مباشر او غير مباشر في عمل تلك الوزارة ومن انتاجيتها بشكل مباشر لان الامداد بالكادر البشري المؤهل الذي يقوم باعمال كل الوزارات فهو مسؤولية الوزارة الجديدة، وبالتالي فإن هذه الوزارة معنية بنهضة السودان في هذا المجال الذي لم يجد حظه بالقدر الكبير او بالقدر الذي يساوي الانجازات الكبرى التي تحققت في مجال التنمية مثل الطرق والسدود، واستخراج النفط وثورة التعليم العالي وغيرها من الانجازات، حيث نفذت هذه المشروعات الضخمة دون ان يصاحبها جهد موازٍ في التنمية البشرية. فاذا عدنا الى امراض الخدمة المدنية التي تشير بصورة كبيرة خاصة تلك الامراض التي افرزها الواقع الاقتصادي بالنسبة لجمهور الموظفين والعاملين ومن تلك الامراض التي كانت سارية في عهود خلت مثل «الزوغان» من اماكن العمل الى مواقع اخرى ليكسب المزيد من الاموال اذا كانت في مواقع خاصة او مواقع اخرى، ولكن هذه قد تعالج بعمليات «الضبط» ولكن الظواهر الجديدة المبنية على المصالح قد يصعب معالجتها بصورة جذرية وهي واحدة من المهددات لوزارة تنمية الموارد البشرية وتجعل جهودها الكبيرة في ايجاد كادر بشري مؤهل لقيادة الخدمة المدنية ورفع مستواها «هباء منثورا». ومن تلك الامراض التي اعترت الخدمة المدنية هي سياسة «شيلني وأشيلك» وهي سياسة تقوم على المصالح الشخصية اكثر من المصالح العامة بين الرؤساء والمرؤوسين في اتفاق غير مكتوب وهي الاستفادة من الموارد المتاحة للمؤسسة او الهيئة او الوزارة لصالحهم وتحويل اكبر جزء منها للمصلحة الشخصية و«بالقانون»، فهذه السياسة مثلت بالقدرات المالية للمؤسسات وارتفعت بالمنافقين وحارقي البخور وماسحي الاحذية الى مراتب عليا في تلك المؤسسات دون المعايير المعروفة في الارتقاء الى هذه المناصب، وبالتالي جاء هذا خصماً على اداء الخدمة المدنية وبالتالي سيكون هذا خصما على جهود الوزارة الجديدة. اذا لم يعالج هذا الامر فان الاخ كمال عبد اللطيف واخوه «هارون» السماني الوسيلة سيكونان اثرا بعد عين وتمسح الصورة الجميلة التي خلفها في وزارة مجلس الوزراء. اما العلة الثانية التي اصابت الخدمة المدنية هي ما يعرف ب «تكسير الثلج» وهي ان تنافق المرؤوسين بكلام حلو وجميل يطرب له المسؤول وقد يكون يعرف في قرارة نفسه ان هذا الكلام لا علاقة له بقريب او بعيد ولكن المسؤول يطرب لهذا «المديح» الزائف وبالتالي «يخرم» لسماع هذا الكلام عنه خاصة في الاجتماعات وامام مرؤوسيه الكبار وبالتالي وجدت مجموعات داخل المؤسسات من هذه «النوعية» عرفت باسم «تكسير الثلج» ولا ادري ما هي العلاقة بين الاسم والفعل. وهذه العلة صعدت بكثير من الافراد الى مواقع لم يكن يحلموا بها ذات يوم واستطاع هؤلاء ان يحولوا المؤسسة او الهيئة الى «بوق» ينفخ يوميا يشكر المسؤول الاول دون حياء. وبالتالي فإن جهود الوزارة الوليدة تصطدم بهؤلاء لانها تقف سداً منيعاً امام الكوادر المؤهلة التي تأخذ من مواقعها المناسبة او في الترقي الطبيعي الى تلك المواقع. وبالتالي فان علة «تكسير الثلج» يجب ان تكافح على الاقل في اختيار المسؤول الاول في الوزارة او المؤسسة او الهيئة او حتى على مستوى رؤساء الادارات والاقسام الذين لا يطربون لهذا المديح الزائف. فاذا استطاعت الوزارة الجديدة ان تزيل الامراض القديمة والحديثة للخدمة المدنية فانها تمهد الطريق لنجاحات كبيرة وهي غير مسبوقة في هذا المجال، وان تضع السودان في مصاف الدول الكبرى التي تعني بهذا الامر عناية كبيرة ويكف البكاء والعويل الذي يطلقه البعض على تدهور الخدمة المدنية وينتهي التحسير على ايامها في زمن الاستعمار. الامر الثاني هو ان هذه الوزارة ترتبط ارتباطاً وثيقا بكل الوزارات وهذه مهمة صعبة جداً وسهلة جداً اذا كان يقف في هذا الامر الاخ كمال عبد اللطيف بنفس الهمة التي عمل بها في رئاسة مجلس الوزراء. وتأتي اهمية هذه الوزارة في ارتباط سياسات تلك الوزارة بعمل الوزارة الوليدة فيجب ان لا تخرج سياسات اي وزارة الى العلن قبل ان يكون لوزارة التنمية البشرية رأي واضح في تلك السياسات حتى لا ندخل في «دوامة» جديدة وقد يقول قائل لماذا هذا الحديث ولماذا اعطاء هذه الوزارة الوليدة اكبر من حجمها. وحتى لا نطلق القول على عواهنه فلا بد من دليل على اهمية ربط هذه الوزارة بسياسات الوزارة الاخرى. فلنأخذ مثلا سياسة تجفيف الداخليات في المدارس، فاذا كانت وزارة تنمية الموارد البشرية موجودة لاعترضت على هذا الامر لان هذه السياسة زادت من الفاقد التربوي خاصة في ولايات السودان فرغم الحديث عن كثرة المدارس وزيادة عددها في عهد الانقاذ مقارنة بالعهود السياسية السابقة فلا زال الكثير من الطلاب يعانون من سياسة تجفيف الداخليات في المدارس الثانوية والاساس. وسياسة تجفيف الداخليات خلقت مشكلة كبيرة لا يزال السودان يعاني منها وهي قضية «النهب المسلح» في دارفور فتجفيف الداخليات جعلت كثيراً من الطلاب للخروج من المدارس وادى هذا الى زيادة الفاقد التربوي والذي ذهب يبحث عن العمل واتجه كثير من الطلاب مع آخرين الى سياسة النهب المسلح في دارفور والتي اصبحت مشكلة تعاني منها البلاد، واصبحت هي مصدر دخل سريع وكبير لهؤلاء الذين خرجوا من فصول المدارس بسبب سياسة تجفيف الداخليات في المدارس الثانوية والاساس واصبح شعار هؤلاء «نهب ساعتين ولا ليبيا سنتين». وهذا يعني انه ما يجنيه هؤلاء في ساعتين نهب افضل من الاغتراب الى ليبيا سنتين وليبيا كانت تمثل ارض الاحلام لشباب دارفور. وبالتالي نجد ان مسألة تجفيف الداخليات خاصة في دارفور ادى الى ظهور مشكلة النهب المسلح والتي انتشرت في ولايات دارفور واصبحت هذه المجموعات «نواة» لكل حركات التمرد في دارفور. فاذا كانت وزارة تنمية الموارد البشرية موجودة لاعترضت على تلك السياسة وبالتالي تكون قد قفلت هذا الباب الذي كلف السودان كثيراً. وهذا نموذج لكثير من السياسات التي تصدر من الوزارات دون نظرة بعيدة لتلك السياسات فمثل ما تراجع وزارة العدل كل القوانين الصادرة من الجهات التنفيذية قبل رفعها لمجلس الوزراء ثم المجلس الوطني لاجازتها، فبهذا القدر يجب ان يكون لوزارة تنمية الموارد البشرية دور مثل هذا في كل السياسات التي تصدر من الوزارات الاخرى لان هذا بالتأكيد يعني الدور المرسوم لهذه الوزارة الوليدة. وقد يتضح تدريجياً اهمية دور هذه الوزارة وترتفع قيمتها على كثير من الوزارات. وهي لم تأتِ تفصيلاً للاخ كمال عبد اللطيف ورغم اهمية الوزارة الا انها جاءت متأخرة بعض الشيء ونقول للاخ عبد اللطيف رغم انه له رأي في هذا القول هو ان تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي.