التحركات التي تقودها الحركة الشعبية في الداخل والخارج وهي ترفع من صوت الانفصال بشكل صارخ والتصريحات التي يطلقها السيد باقان اموم بان الحركة تلقت تأكيدات قاطعة من أمريكا وفرنسا وبريطانيا لدعم دولة الجنوب الوليدة، والترتيبات التي تجري من اجل زيادة مهام القنصلية الأمريكية في الجنوب لتقوم مقام السفارة أو لتكون أول سفارة في أحدث دولة في العالم وبالتالي يأتي دور مصر بعد الولاياتالمتحدة لترفع من قدر قنصليتها لتكون ثاني سفارة في الجنوب ثم من بعد ذلك تأتي فرنسا وبريطانيا وبقية دول الجوار مثل أوغندا كينيا فقبل إعلان نتائج الاستفتاء يجد الجنوب نفسه دولة معترف بها بالتمثيل الدبلوماسي وبعد ذلك لا هجرة بعد الفتح . ففي الوقت الذي يناقش فيه الشريكان ترتيبات ما بعد الانفصال حتى يكون سلسا بالفصل في القضايا المشتركة مثل العملة والجنسية والأجهزة والمؤسسات القومية والاتفاقيات الدولية نجد أن فريقا آخر من الحركة الشعبية يقود تحركاتٍ في اتجاهات أخرى بإقناع الرأي العام العالمي والمحلي بان المؤتمر الوطني يعمل من اجل تعطيل موعد الاستفتاء وتعمل الحركة الشعبية إلى تعزيز هذه التوجسات لكسب المزيد من التأييد المحلي والدولي. وفي المحيط الدولي فإن زيارة نائب الرئيس الأمريكي بإيدن إلى كينيا مؤخرا ولقائه بر ئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان والنائب الأول لرئيس الجمهورية الفريق سلفا كير ميارديت في نيروبي جاء هذا اللقاء ليضع إطارا عاما حول ترتيبات الاستفتاء وما يضمن تنفيذه بالشكل الذي يحقق الأهداف الأمريكية في السودان وفي المنطقة وتهيئة دول الجوار في قيام جارة جديدة لهم تفصلهم عن السودان الشمالي،وبالتالي لابد من رعاية هذه الدولة الحديثة حتى تنهض بالسرعة المطلوبة خاصة وأنها تتمتع بإمكانيات وموارد تجعل نهضتها مسألة وقت ليس إلا ولكن بإيدن لم ينظر إلى أشياء أخرى يمكن أن تشكل خميرة عكننة للذين يخططون لقيام هذه الدولة الحديثة في جنوب السودان. وإذا تجاوزنا بإيدن في دول الجوار الجنوبي فنجد المبعوث الأمريكي غرايشون قد زار القاهرة لذات السبب وهو إطلاع القيادة المصرية على التوجهات الأمريكية تجاه موضوع الاستفتاء وحق تقرير المصير لجنوب السودان ، وذلك لإدراك واشنطون إلى أهمية القاهرة في هذا الموضوع وأيضا لأهمية التحالف الاستراتيجي الذي يجمع البلدين خاصة في قضايا الشرق الأوسط بصفة خاصة وقضايا السودان بصفة اخص رغم علم أمريكا أن مصر تبني خططها على أساس احتمال كل النتائج (وحدة) أم (انفصال) فلهذا تتيح لها بعض المساحات للتحرك بما يحفظ لها دورها الأول في المنطقة والذي شعرت انه بدا يتسرب من بين أيديها خاصة فيما يتعلق بقضايا السودان وبروز الدور القطري في كثير من القضايا العربية، فلهذا فان مصر تريد العودة مجددا إلى الساحة العربية بالشكل الذي يحفظ لها دورها التاريخي في المنطقة وفي السودان على وجه الخصوص رغم الحملة الإعلامية التي تتعرض لها مصر من بعض الأقلام الصحفية في السودان والانتقادات التي تعرضت لها من بعض المسئولين مثل تصريحات وزير الخارجية علي كرتي حول ضعف الدور المصري تجاه قضايا السودان والتي لم تتعامل معها مصر بالحكمة المطلوبة، بل صبت زيتا على نار هذه التصريحات فتحولت لهبا اضطرت مصر لإرسال وفود علنية ووفود سرية لإزالة ما علق من سوء فهم ولإخماد ذلك اللهب الذي أشعله غياب الحكمة المصرية لبعض الوقت في فهم التعاطي مع التصريحات السودانية وواضح أن التفاعلات مع قضية الاستفتاء تأخذ اهتماما كبيرا في البعدين الدولي والإقليمي والمحلي بما يمثله من تحولات جذرية في المنطقة ، فلهذا إن الجهد السياسي المبذول والذي سيبذل خلال الأيام القادمة يمثل كشفا لتلك السياسات في المنطقة بالقدر الذي يسمح بتنفيذ الخطط الدولية والإقليمية ذات الأبعاد الآيديولوجية والأبعاد السياسية فيما يتعلق بالجيران مباشرة مثل يوغندا التي تعتبر الجنوب عمقا استراتيجيا لها فهي تبني خططا ذات أبعاد اقتصادية بما يحقق الرفاهية للشعب اليوغندي وأيضا تطمح يوغندا لقيام دولة البحيرات العظمى بقيادة موسيفيني ومصر أيضا تطمح إلى رفاهية الشعب المصري باعتبار السودان يمثل عمقا استراتيجيا لها من ناحية أمنية. أما أمريكا وإسرائيل فهؤلاء ينظرون إلى المستقبل البعيد ولا يستعجلون لتحقيق الأهداف مثل مصر ويوغندا وهم يخططون على (نار هادئة)، ويبقى التحدي الأكبر على الحكومة السودانية فهي المسئولة الأولى عن الحفاظ على السودان وتحقيق الرفاهية لشعبه بدلا من ترك الآخرين يبحثون عن الرفاهية لشعوبهم في السودان ، واحسب أن التحديات التي واجهت السودان خلال العشرين عاما التي مضت قد أعطت القيادة الخبرة الكافية للتعامل مع مثل هذه التطورات.