عهداً قطعناه بأن نظاهر حق اولئك التلاميذ الصغار في وجبة فطور مجانية تحفظهم من الجوع وتحافظ على كرامتهم وتحفظ لنا آدميتنا وانسانيتنا حتى يظهر الله هذا الحق أو يملنا القراء من كثرة الطرق عليه والكتابة عنه ولهذا لن نتردد في ترك أي امر وتأجيل نشره إذا وردنا اي مكتوب حول معاناة هؤلاء الايفاع الصغار لنمنحه الاولوية ونخلي له المساحة وهذا ما نفعله اليوم مع رسالة الاخ مزمل شلالي الذي كاتبنا حول هذا الغم قائلا: الاستاذ المكاشفي: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اشقاني وشقّ عليّ والله ما خطه قلمك بشأن التلاميذ الجوعى في مدارسنا وذكرني بحدث مرّ بي قبل بضعة سنين، أحببت ان انقله عبرك للقراء والمسؤولين عله يكون لي سهما أمام الله يدفع عني شيئاً من التقصير في التداعي مع سائر جسد الامة ذاك الذي من المفترض اذا اصاب مكروه عضو فيه كان لزاماً ان يتداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى باعتباري واحدا من امة محمد مسؤول عنها بقدر ما اعطاني الله ويسّرني له. يا إلهي يا إلهي يا مجيب الدعوات اجعل اليوم سعيدا وكثير البركات، كان يردد هذه الابيات وهو يسير امامي ذات صباح ممسكاً بكتاب الاناشيد والمحفوظات وهو في طريقه لمدرسة الحي، الكتاب قديم ومجلد بجلاد بني مكتوب عليه بخط كبير عثمان آدم، يبدو جلباب الدمورية الذي يرتديه نظيفا وانيقا رغم الثقوب المخاطة جيدا لتقاوم الاهتراء الذي عادة ما يعتري الملابس القديمة التي أكل عليها الدهر وشرب. اثار فيّ النشيد الذي كان يردده عثمان شجونا قديمة فاستوقفته وابتسمت في وجهه ثم قلت له: انت ما تحفظ النشيد دا بعدين لما ترجع البيت»، اجاب بكل براءة وتلقائية «الكتاب مشتركين معاي فيهو ستة وحسن براهو بياخد فيهو يومين عشان هو الألفة».. ستة تلاميذ في كتاب هكذا همست ثم تحوقلت ومددت يدي مشيرا إلى حقيبته القماشية المهترئة «طيب والشنطة دي ما ليها كدا بي شنو» ثم حشرت يدي ابحث ما بداخلها واتحسسه اذا بي أعثر على كيس نايلون ملفوف بعناية وبداخله ما يساوي مقدار ملعقتين أرز بايت، قلت ما هذا، قال «دا فطوري» ثم جذب من يدي كيس النايلون الذي يحتوي بداخله على مقدار ملعقتين ارز بايت وهرول مسرعا إلى المدرسة التي كانت على مرمى حجر ليختفي وسط زحام الاطفال وتدافعهم امام باب المدرسة. حبست دمعي وقاومته وأطلقت لسيل الاسئلة العنان، كم تلميذاً يا ترى مثل عثمان يقضون يومهم في المدرسة ولا يجدون ما يقيم أودهم خلال هذا الزمن الطويل سوى ملعقتين من الارز البايت، بل كم تلميذاً هم الاسوأ من حاله الذين لا يجدون حتى ملعقتي الارز البايت وربما استعانوا على القضاء على الجوع بقضم الاظافر خجلا من حالهم وحسرة عليه، وكم أماً مثل أم عثمان تقضي ليلها وهي مهمومة بما يمكن أن تزوّد به صغيرها من زاد يعينه على قضاء يومه الدراسي ولا يكسر عينه أمام زملائه فلا تجد غير هذا القدر الضئيل من الأرز البايت، وكم أماً لا تجد حتى ذلك «لا ملعقتي أرز بايت ولا ربع عيشة جافة فيذهب ابنها بلا فطور وهو جائع ومكسور وقلبها يتفطر حزنا وحسرة. انه والله عار علينا وفضيحة لمسؤولينا، والعار الذي لا بعده عار والفضيحة التي لا بعدها فضيحة على حكومتنا هذه أم «77» وزيراً ومن سبقنها من حكومات علمن بحال هؤلاء الايفاع ولكن يبدو أن هذا الحال قد أعجبها فأبقت عليه ولم تحرك ساكناً رغم انه يفجر الصخر الصلد ويستمطر الدمع العصيا، ولكنها للأسف وكأنها ما أبصرت شيئا. واللهم إنا لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه فالطف بهؤلاء الصغار وهيئ لهم من يسد جوعتهم إنك الرحمن الرحيم. مزمل شلالي