سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
كليات التربية بالجامعات السودانية ودورها في تربية المعلم ... الواقع التحديات وآفاق التطوير تعقيباً على بروفسير عبد الملك عن كليات التربية (الحلقة الثانية) :
مدخل: إلحاقاً لما سبق من حديث عن كليات التربية بالجامعات السودانية ورداً على ما ورد في مقال سابق للبروفسير عبد الملك محمد عبد الرحمن في حديثه عن كلية التربية ودعوته لإلغاء الشكل الحالي لكليات التربية بالجامعات السودانية، أحاول في هذا المقال أن أتناول بعضاً من المحاولات التي تسعى كليات التربية القيام بها لتطوير أدائها وتحسين مخرجاتها رغم معاناتها المتمثلة في ضعف بنياتها الأساسية. تُعد التربية إحدى الوسائل المهمة لصناعة التغيير المناسب في أي مجتمع، وأصبحت في هذا العصر وسيلة التحكم في المعرفة وإعداد الإنسان الباحث المفكر المبدع، خاصة وأن البحث والتفكير والإبداع ما زالت أبعاداً رئيسة وضرورة ملحة لتحسين وتعديل الكثير من الاتجاهات النشطة والمفاهيم وتوجيه مسيرتها الوجهة المناسبة لتحقيق آمال المجتمع وطموحاته . إن موضوع التعليم وأهميته وما يحدث في عملية إعداد معلمي المستقبل وتأهيلهم وقيامهم بوظائفهم يعتبر من الموضوعات الأساسية التي تلعب دورا هاما في حياة الفرد والمجتمع على المدى القريب والبعيد، وذلك لما للمعلم من مكانة وأهمية خاصة عندما يقوم بأداء الرسالة التي تعد من أسمى رسالات الإنسانية ، والتي يتوقف عليها مدى تقدم وازدهار الجنس البشري للوصول إلى حياة أفضل. إن نجاح عملية التربية يتوقف على العديد من العناصر والأبعاد التي تتكوّن منها كلٌّ من عمليتي التعليم والتعلم ، إلا أن المناهج الدراسية الملائمة ، والكتب المدرسية والوسائل الجيدة ، والمباني المدرسية جيدة التجهيز ، والإدارة المدرسية الحكيمة الناجحة إلى غير ذلك من الأبعاد المهمة ، رغم أهميتها، لا تعادل في رأي البعض دور المعلم الجيد المخلص القادر على القيام بوظيفته بطريقة فعالة ومتقنة . فهي لا تعطي ثمارها إذا لم تُوضع بين يدي معلم كفء وأمين .. ويكاد يتفق التربويون على أهمية المعلم في العملية التعليمية، إذ لا يمكن أن يتوافر تعليم جيد بدون معلم جيد. فالمعلم هو حجر الزاوية في العملية التربوية التعليمية ، إذ تصلح بصلاحه وتفسد بفساده . وإذا أردنا الوقوف على مدى نجاح أي نظام تربوي علينا أن نبدأ بالمعلم ، فهو العامل الأول في إيصال واقع هذا النظام إلى ما آل إليه . ومما يجعل المعلم بالغ الأثر في العملية التربوية أن النظام التربوي ، والمعلم عموده الفقري ،يُؤثِّر في مختلف الأنظمة الأخرى بالمجتمع، ويتأثر بها ، ومنها : النظام القِيمي والنظام السياسي والنظام الاجتماعي، والنظام الاقتصادي. إن عصر العولمة الذي نعيشه الآن مليء بالتحديات التي تواجه الإنسان في كل يوم . ففي كل يوم تظهر على مسرح الحياة معطيات جديدة تحتاج إلى خبرات جديدة وفكر متجدد وأساليب جديدة ومهارات جديدة وآليات جديدة للتعامل معها بنجاح ، أي تحتاج إلى إنسان مبدع ومبتكر، ذي بصيرة نافذة ، قادر على تكييف البيئة وفق القيم والأخلاق والأهداف المرغوبة ، وليس مجرد التكيّف معها. ولا يتحقق هذا دون تربية تُواكب متطلبات العصر وتستشرف آفاقه المستقبلية . إن من أهم التحديات التي تواجه إعداد المعلم في العصر الحالي هي كيفية إعداده ليكون قادرا على القيام بأدواره التي فرضتها تحديات العصر ، وهي : * أن المعلم لم يعد المصدر الوحيد للمعلومات ، ولكن تنافسه مصادر أكثر جاذبية للتعلم مثل التلفاز والحاسب الآلي والإنترنت . * إن مهمته تجاه المتعلمين لم تعد مجرد نقل المعرفة وتلقين المعلومات ولكن سوف تركّز على إثارة دوافع المتعلمين نحو التعلم ، وتحديد حاجاتهم من الخبرات ، ومتابعة نموّهم ، وتشخيص جوانب الضعف فيه، ورسم الخطط لعلاجها. * إن اكتساب المتعلم للتعلم الذاتي وحل المشكلات وأساليب التفكير الابتكاري وسرعة الإطلاع والاستيعاب ، ومتابعة مصادر المعلومات، وحُسن الاستفادة منها، والحرص على استثمار أوقات الفراغ، والقدرة على التكيّف للمواقف الجديدة ، والاستفادة بالتقنية ووسائلها في عملية التعلم، أصبحت في عصر العولمة ذات أهمية بالغة في عمليتي التعليم والتعلم . * إن تنظيم بيئة وخبرات التعلم وأساليبه وحداثتها، وحسن الاستفادة من التغذية العائدة من البحث العلمي والتقويم المتواصل لنمو المتعلم يتعاظم أثرها في عملية التعلم . إن دور المعلم التربوي ينبغي أن يحتل حيّزاً أكبر في مواجهة الغزو التربوي الذي تبثّه وسائل الاتصال الحديثة ، وما يكتنف عصر العولمة من اهتزاز خلقي وتكثيف للنهج الاستهلاكي ، و على المعلم أن يتعاون مع مؤسسات المجتمع لأداء هذا الدور بنجاح. تُعد برامج تربية المعلمين في كليات التربية بالجامعات، وعوامل التحاق الطلاب بها من بين الموضوعات التي حُظيت، وما زالت تحظى باهتمام الباحثين والمهتمين بشؤون المناهج والتدريس ، ذلك لأن الاعتناء بإعداد المعلمين وتأهيلهم قد يكون المدخل الحقيقي لتحسين نوعية التعليم ، والارتقاء بمستوى التعلم والتفكير لدى الناشئة . وتدل نتائج بعض الدراسات والتقارير في مناطق مختلفة من العالم على أن النوعيّة المتميزة من المعلمين قد تكون نادرة الوجود، وأن نظم تربية المعلم ما زالت في حاجة ماسة إلى الفحص والمراجعة بهدف تطوير برامج الإعداد المعمول بها حاليا، وإيجاد أنماط جديدة من البرامج تكون قادرة على تزويد المعلمين بالكفايات الأكاديمية والمهنية التي تمكنهم من التعامل مع المحتويات التعليمية، ومصادر المعرفة المتاحة بفاعلية واقتدار، ومساعدة الطلاب في الوقت ذاته على بلوغ نتاجات التعلم المستهدفة التي تتفق والاتجاهات الحديثة في التعليم. وهو أمر ينطبق في واقع الحال على كليات التربية بالجامعات السودانية، والتي ظلت تاريخياً تعمل على إعداد وتأهيل وتدريب معلم المرحلة الثانوية. وقد سجلت كليات التربية بالجامعات السودانية نجاحات مقدرة في هذا المجال. وقد أصبح أمر إعداد وتأهيل معلم مرحلة التعليم الأساسي كذلك من مسؤوليات كليات التربية بعد صدور القرار الجمهوري رقم (65) عام 1994م بعد أن ضمت جميع المعاهد المتوسطة التي كانت تتبع لمعهد بخت الرضا (سابقا) إلى الجامعات السودانية. وفي إطار التحديات التي تُواجه برامج تربية المعلمين تشير مصادر المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم إلى أن السنوات الأخيرة من القرن الماضي شهدت تطورات كثيرة في برامج تربية المعلمين المستخدمة في البلدان العربية، وأظهرت تحديات جديدة أمام برامج التكوين النظري، والممارسات العملية إلا أن الإعداد ما زال يعاني من انتفاء وجود قاعدة نظرية تفصيلية وشاملة يقوم عليها، وأن مشكلة وضع برنامج شامل للإعداد لم تنل إلا القليل من الاهتمام الجاد. وفي هذا الإطار فإن كليات التربية بالجامعات السودانية مطالبة بالسعي لتطوير برامجها الخاصة بإعداد وتدريب المعلمين بما يواكب التطورات الإقليمية والعالمية في هذا المجال. واستمراراً للجهد المتواصل الذي ظلت تقوم به لجنة الدراسات التربوية، وهي إحدى الأذرع العلمية للمجلس القومي للتعليم العالي والبحث العلمي، في جعل كليات التربية بالجامعات السودانية قادرة على مواكبة تلك التطورات، فإنها قامت بتنظيم ورشة عمل بعنوان « تطوير برامج كليات التربية لبكالوريوس التعليم الأساسي» وتأتي هذه الورشة تحت شعار « الإتقان والتميز في تربية المعلم». ويأتي تنظيم هذه الورشة انطلاقاً من دراسة تقويمية شاملة هدفت إلى تحسين وتطوير كليات التربية للتعليم الأساسي. وهي الكليات المعنية بأمر إعداد وتأهيل معلم مرحلة التعليم الأساسي. وقد نُظمت فعاليات هذه الورشة في الفترة من 11 - 13 مايو الماضي بقاعة المؤتمرات بمبنى العاملين بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي بالخرطوم ، وبرعاية كريمة من السيد وزير التعليم العالي والبحث العلمي. وشارك في فعاليات هذه الورشة عمداء كليات التربية بالجامعات السودانية ولفيف من خبراء التربية والتعليم. وقد تمخضت تلك الورشة عن مجموعة من التوصيات التي من شأنها أن تعمل على تطوير برامج تلك الكليات بما يضمن مخرجات جيدة تساهم في تطوير التعليم الأساسي في السودان. وللحديث بقية * الأستاذ بكلية التربية/ جامعة الخرطوم عضو لجنة الدراسات التربوية بالمجلس القومي للتعليم العالي والبحث العلمي