كلنا، بالضرورة، مررنا بالموقف أعلاه في إحدى مراحل عمره السنية، التي تبدأ بمرحلة الطفولة والوعي بما يدور حوله، ولا تنتهي إلا بدخولنا القبر بعد مرحلة الخرف بأنواعه.. الطفل بعد أن يكون قد أدرك نوعا من لغة التواصل بينه وبين الآخرين- تختلف هذه اللغة، حسب العمر، من نظرة توسلية أو (بكاء) أو كلمة (تحنيسية) أو مد يد (شحدة عدييييل) أو عبارة تهديدية ووعيد (يفعلها بعض الشحاتين بقوة عين قد تخيفك فعلاً)- يبدأ في الدخول لمرحلة الأخذ حسب طلبه، فيبدأ في طلب ما يراه (في يد المحيطين به)، وقد يمد يده- بالغريزة- ليحوز عليه.. ثم عندما يكبر قليلاً تتغير طريقة الطلب، كما أسلفنا.. في المدارس كنا نطلب ويطلب منا، جغمة من سائل في زجاجة او عصير مجلوب من البيت وقد يكون الطلب قضمة لساندوتش متميز أو لحسة من (الدندرمة) أو نفس من سيجارة (حمراء)، بعض المدركين للأمور يقرون بأن سجائر الجامعات قد (إخضر لونها) وكثر شُفاطها.. وأصحاب العجلات كانوا يمنحون البعض (سحبة)، أكيد التلاميذ أصحاب الحمير بالقرى كانوا أكثر كرماً بحميرهم لكنني لا أعرف التسمية المقابلة لسحبة العجلة عندهم.. ما ساقني لهذه الذكريات (العجيبة) هو تطابقها مع (واقع) الحال السياسي عندنا، حيث يبدو (أبناء) أحزاب الفكة كأولاد المساكين ومحدودي الدخل والفقراء الذي جمعتهم الحياة (قدراً) بأبناء المصارين البيضاء، وأقصد طبعاً (أولاد) الحزب الحاكم.. فما نراه يجمعهم هو فقط كيكة الحكم.. ببيضها وسمنها وسكرها ودقيقها وما تحتويه من مكسرات وفواكه وما تتزين به من (كريم شانتيه) وخلافه.. فواقعنا السياسي يقول بأن معظم (الوظائف السياسية) الممنوحة من قبل حزب المؤتمر الوطني القابض على ثروة وسلطة البلاد والعباد بالسودان والذي يمثل الطرف الأقوى وصاحب اليد العليا التي تعطي وتمنح وبالضرورة لها ذات القدرة على أن تمنع.. ومجموع الأحزاب الكسيحة والعاجزة والموالية والجعانة والدنيئة، تمثل الطرف الأضعف والذي يقبل بالفتات والإهانة والزجر والركل بالإضافة لمجموعة إتهامات (موقوتة) من مختلف (المقامات)، تصرف عند اللزوم.. وواقعنا السياسي يؤكد أنه ما من مشارك من خارج (المؤتمر الوطني) في الحكومة المركزية أو الحكومات (الطرفية) سمح له، أو أضاف هو بمقدراته أو مقدرات حزبه، شيئاً مفيداً لهذا الوطن، أو لحزبه على الأقل.. شفت كيف!!.. الوزير الإتحادي (وهو أيضاً إتحادي) الذي يحلم بتسعيرة موحدة للخبز بأنحاء ما تبقى من السودان، بينما هو بذات الوقت (يجهل) أن سعر الدقيق بودمدني القريبة من الخرطوم (حيث الكيكة إياها)، زاد عدة مرات منذ أزمة الدقيق الأخيرة التي صاحبت (اللعب) بأسعار الدولار.. يا عمي خليك مع الكيكة.. والله يخللي لينا رغيفنا والكسرة والقراصة.. واللقمة..