الحضور لم يكن حكراً على أهل السدود والمشاريع والشركات العاملة فيها أو كما يسميهم الرئيس البشير ب(جيش الرب)، فما أن أشرق صبح الأمس إلا وكانت الطائرات تهبط الواحدة تلو أخرى.. فكانت طائرة وفود الصناديق العربية الممولة للمشروع، تبعتهم طائرة النائب حسبو محمد عبد الرحمن، ثم طائرة رئيس البرلمان إبراهيم أحمد عمر قبل أن تتوالى الطائرات تحمل الوزراء ووزراء الدولة والمساعدين والإعلاميين من كل صوب وحدب.. طائرة الرئيس البشير استبق وصولها إشاعة ليلية قالت بوصول الرئيس وهبوط طائرته.. سيكون في كسلا، لكن واقع الأمر كذب ذلك فلم تكد عقارب الساعة تشير للتاسعة والثلث إلا وكانت طائرة الرئيس البشير في المطار تتوقف بالقرب من المنصة التي يقف عليها لعزف النشيد الوطني للسلام الجمهوري في أول سابقة من نوعها، ليبدي الجميع بعدها انبهارهم بالطيار.. ود زايد: مطار الشواك الذي كان مستقراً لطائرات الوفود القادمة للمشاركة في الاحتفال حمل لافتة بعنوان مختلف حيث سمي بمطار (ود زايد) الجميع ربط بين الاسم والراحل الشيخ زايد الذي يكن له السودانيون الكثير، إلا أن (السوداني) علمت من مواطني المنطقة أن الاسم الذي تم اختياره للمطار يرتبط بأقرب القرى للمطار وأن زايد صاحب الاسم أحد أبطال المنطقة وشيوخها المناضلين.. يوم مختلف: خطاب الرئيس البشير وتوقيت الاحتفال بدا استثنائياً للوهلة الأولى ومختلفاً عما سبقه، لجملة من العوامل طبقاً للكثيرين ممن استنطقتهم(السوداني) ، ولعل أبرز أسباب استثنائية يوم الأمس أن خطاب البشير يأتي بعد طول صيام فرضته الظروف الصحية وبرامج سفره إلى خارج البلاد، بيد أن قيادياً تنفيذياً بحكومة ولاية القضارف- فضل حجب اسمه- يذهب في حديثه ل(السوداني)مؤكداً أن الاستثنائية تأتي من أن الخطاب هو الأول من نوعه جماهيرياً منذ صدور القرار الأمريكي برفع العقوبات الاقتصادية عن السودان، قبل أن يردف (القضارف أو ولايات الشرق عموماً هي ولايات التعويض المعنوي للرئيس البشير ودوماً ما تعزز الحالة النفسية إيجابياً للشارع السوداني) وشرح الرجل حديثه بأن الولاية التي اختارها الرئيس ليطل على البلاد من منصتها يوم تغير مجرى النهر في أول خطاب بعد أحداث سبتمبر 2013م.. بيد أن عصام صالح من إعلام السدود أكد أن الاستثنائية أيضاً تأتي من المشروع نفسه لجهة أن المتوقع منه ليس بال(هين) حيث إنه المشروع الأول من نوعه الذي يشهد تمويلاً جزائرياً بالإضافة إلى مشاركة الصناديق العربية ذات التجارب السابقة في تمويل مشاريع السدود في السودان .. عصام تردد لبرهة قبل أن يستدرك : لعل أيضاً ما يجعل الخطاب والتوقيت استثنائياً أنه اكتمل بعد صمت طويل للوحدة تصدت فيه لتعثر التمويل قبل أن تستنفر الموارد الوطنية لإكماله. وفاجأ الرجل (السوداني) بالقول الافتتاح كان معلناً ومرتباً له في ال19 يناير الماضي لكن ربما لازدحام برنامج الرئيس تم ارجاؤه.. تحليلات أخرى: أبرز التحليلات التي سادت بين الضيوف ووزراء الدولة وربما الوزراء وهمهمات ما بين الخطابات الرسمية كانت تشي بأن الاحتفال يعد آخر فعالية للحكومة الحالية قبل أن تشهد قاعة الاجتماعات بالمدينة السكنية التي تشي بالفخامة بحسب تعليقات الحضور، آخر اجتماعات مجلس الوزراء، وأن الاحتفال بمثابة تمهيد لتجديد الثقة في معتز موسى وزير الكهرباء والموارد المائية لجهة الابقاء عليه في التشكيل القادم وخلو اسمه من كشف المغادرين، وعززت الترجيحات بقاء موسى في موقعه لارتباطه بجملة من الملفات العصية وتحقيقه لجملة من الاختراقات فيها، كملف سد النهضة أو الألفية المشترك المرتبط بأثيوبيا والسودان ومصر، بالإضافة إلى ملف الكهرباء الذي أضاف فيه خطوة متقدمة بافتتاح مشروع الأمس عبر إكمال الإنشاءات المدنية في سد أعلي عطبرة وسيتيت، قبل أن تكون المفاجأة الأخيرة والصاعقة بكل المقاييس وفقاً لمعلومات تحصلت عليها (السوداني) باكتمال الخطوات الأولى لمشروع التوليد النووي السوداني بإشراف ومتابعة مباشرة من الرجل.. كل ذلك يرجح ببقاء معتز في موقعه الفترة القادمة بعد أن رشح طيلة الفترة الماضية توجهه إلى الخارجية.. التوطين بالرضا: يوم الأمس كان شهادة أخرى بالاختلاف في طبيعة عمل السدود، وبالرغم من التاريخ المصادم مع أهالي المدن التي تمت فيها مشاريع للسدود، إلا أن تجربة التوطين هذه المرة كانت مختلفة لجهة بروز توجهات صارمة ومعلنة بارتباط قيام السدود وإعادة توطين الأهالي بموافقة الأهالي أنفسهم ليكون مشروع أعالي عطبرة في ملف التوطين مؤشراً لتغيير العقلية التي تدير الملف، وهو ما تؤيده تسريبات عن أن مشاريع سدود كجبار والشريك ودال، ربطها معتز برضا الأهالي، وبحسب معلومات(السوداني) فإن عمليات التفاوض بين الأهالي والسدود بلغت مراحل متقدمة في ملف كجبار خصوصاً، وأن المعلومات تشي بأن الإشراف يتم بشكل مباشر عبر النائب الأول لرئيس الجمهورية، بالإضافة إلى إرهاصات بانطلاق الإحصاء في 21 فبراير القادم في وقت نفت فيه لجنة مناهضة قياد سد كجبار في بيان لها اطلعت عليه (السوداني) تلك المعلومات واضافت إلا على أجساد النوبيين.. من المنصة: الرئيس البشير اعتلى المنصة كعادته مجاملاً الجماهير على أنغام(قيقم) الذي ظهر بعد طول غياب، وابتدر الرئيس البشير خطابه بالإشادة بدعم الصناديق العربية للمشاريع التنموية بالبلاد، وقال خلال مخاطبته الحشد الجماهيري بموقع مشروع مجمع سدي أعالي عطبرة وسيتيت بمناسبة إنتاج الكهرباء من الوحدة الأولى أو التوربينة الأولى بالمشروع: أن الصناديق العربية ظلت تساند السودان أوقات الشدة بعد أن فشلت محاولات (التركيع والتجويع)في إشارة إلى الحصار الاقتصادي المفروض على البلاد لأكثر من (21) عاماً وأردف، قائلاً (حاولوا يقلبونا كدا وكدا ويلووا يدنا لكن اليد الما بتقدر تلويها صافحها). وأضاف(وصافحونا) وقلنا أهلاً.. البشير وصف الصناديق العربية بأنها رفعت رأس السودان عالياً رغم محاولات التضييق، ووصف رئيس الجمهورية علاقات السودان الخارجية بالممتازة مستشهداً بفوز السودان في الأمانة الاجتماعية بالاتحاد الإفريقي . وحيا البشير المملكة العربية السعودية حكومة وشعباً ودولة الكويت والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان ودولة الجزائر وجمهورية الصين الشعبية كما أشاد بجهود دولة قطر في تحقيق السلام والتنمية بإقليم دارفور كما حيا الوزير السابق أسامه عبد الله في تنفيذ سد مروي وتعلية سد الروصيرص ومساهمات شباب السدود في إنفاذ مشروع زيرو عطش مبشراً بتنفيذ المزيد من المشاريع التنموية على يد الوحدة خلال الفترة المقبلة، وقال إن أعالي عطبرة وسيتيت يمثل طفرة تنموية للنهوض بالقطاعات الإنتاجية على مستوى الزراعة والصناعة فضلاً عن إنتاج الكهرباء وتوفير مياه الشرب لولاية القضارف إلى جانب مشاريع التوطين التي وفرت بنية تحتية في مجال خدمات الصحة والتعليم والمياه والكهرباء، وأضاف الرئيس أن السدود ستتواصل. ووجه البشير بإكمال الطريق إلى محلية ود الحليو لربط مناطق الإنتاج ببعضها البعض وصولاً إلى الحدود مع الجارة إثيوبيا بغية تبادل المنافع بين الدولتين وكشف بأن مشروع زيرو عطش والرعاية الصحية الأولية سيتصدران أولويات الدولة خلال الفترة المقبلة. موسى في المشهد: قال الأستاذ موسى محمد أحمد مساعد رئيس الجمهورية إن وحدة السدود حققت حلم أهالي الشرق بتنفيذ مجمع سدي اعالي عطبرة وسيتيت بعد أن كان مدرجاً تنفيذه في العام 2019 وأضاف خلال كلمته بمناسبة تدشين الوحدة الأولى بالسد أن المشروع يعد من ثمار اتفاقية سلام شرق السودان التي تحقق بموجبها الأمن والاستقرار مبيناً أن أعالي عطبرة وسيتيت يمثل نقلة نوعية من خلال تنشيط حركة الإنتاج على المستويين الزراعي والصناعي . من جهته أوضح المهندس خضر قسم السيد وزير الدولة المدير العام لوحدة تنفيذ السدود أن مشروع مجمع سدي أعالي عطبرة وسيتيت أسهم في رفع الوضع الاقتصادي بالمنطقة بعد أن تم تنفيذ 30 ألف وحدة سكنية بكافة الخدمات منوهاً إلى أن المشروع يعمل على ري مساحة مليون فدان عبر مشروع أعالي عطبرة الزراعي فضلاً عن إنتاج 320 ميقاواط من الكهرباء وتغطية العجز المائي في مشروع حلفا الزراعي بسبب تراكم الإطماء في خشم القربة مبيناً أن العمل في مياه القضارف يمضي بوتيرة متسارعة لتوفير مياه الشرب لتغطية احتياجات المدينة وأريافها مشيداً بدعم مؤسسات التمويل العربي ووزارة المالية وبنك السودان المركزي في دعم مشاريع الوحدة. في السياق أشاد والي القضارف ميرغني صالح بجهود وزارة الموارد المائية والري والكهرباء في تنفيذ مشروع مياه القضارف كما ثمن مجاهدات صندوق الشرق في تحقيق عدد من مشاريع التنمية بولايته. من جانبه وصف آدم جماع والي كسلا مشروع السد بمفتاح التنمية لولايات الشرق كاشفاً عن اكتمال الترتيبات اللازمة لدخول المساحات الزراعية دائرة الإنتاج بولايته والتي تعد من إحدى ثمار مشروع مجمع سدي أعالي عطبرة وسيتيت. . العرب يتحدثون: أعلنت صناديق التنمية بالسعودية والإمارات والكويت بمواصلة دعمها لمشاريع التنمية في السودان . وقطع نائب رئيس الصندوق السعودي للتنمية يوسف بن إبراهيم البسام بتنفيذ توجيهات الملك سلمان الخاصة بدعم وتمويل مشاريع التنمية بالسودان التزاماً بالشراكة القائمة بين البلدين في العديد من المجالات. وأكد البسام في كلمته التي ألقاها في الاحتفال بتدشين التوربين الأول بمجمع أعالي عطبرة وسيتيت أكد مساهمتهم في المشروع بمبلغ 180 مليون دولار كاشفا عن دعم مشروع كهرباء قري 3 بمبلغ مليون ومائتي ألف دولار. وأشار إلى توقيع مذكرة تفاهم مع الحكومة السودانية لتوفير مياه الشرب في الريف بمبلغ مليون دولار وقال إن مشاريع السدود تساهم في دعم الناتج القومي المحلي بما يحقق الرفاهية لشعب السوداني فضلاً عن مساهمتها في تحقيق الأمن الغذائي العربي. من جانبه قال نائب مدير الصندوق الكويتي للتنمية حمد سلمان إن مشروع السد من شأنه المساهمة في تنمية شرق السودان من خلال زيادة الإنتاج الزراعي وتوليد الطاقة الكهربائية إلى جانب توفير مياه الشرب بولايات القضارف والبحر الأحمر فضلاً عن المساعدة في تطوير استغلال الموارد المائية المتوفرة في المنطقة لتكثيف الإنتاج الزراعي في الأراضي المجهزة حالياً كما سيساهم في تنظيم تدفق المياه في فترة انحسار النهر وحماية المنطقة من الفيضانات. ونوه إلى أن الصندوق الكويتي ساهم في مشروع مجمع أعالي عطبرة وسيتيت بمبلغ 168 مليون دولار إضافة إلى مساهمات الصندوق في عدد من القطاعات في السودان خلال الفترة السابقة . في السياق أبدى مدير صندوق أبوظبي للتنمية محمد سيف السويدي أمله في تحقيق مستوى أفضل وشراكة حقيقة مع السودان تتويجاً للعلاقة التي وصفها بالطيبة بين البلدين. وأشار إلى أن الشراكة التي تربط الصندوق بالسودان تمثل نموذجاً يحتذى في البناء ولفت إلى أن الصندوق يركز في تمويله على المشاريع الحيوية التي تساهم في التنمية وتوظيف البطالة وأعلن الالتزام بالشراكة مع الحكومة السودانية ودعم برامج التنمية بتنفيذ مزيد من المشاريع التي تساهم في رفعة الاقتصاد السوداني مؤكداً دعم جميع مشاريع التنمية في البلاد.