مشيراً إلى أن وكيل وزارة الخارجية السفير عبد الغني النعيم أبدى احتجاجا ولكنه لم يكن قويا وجاء عقب تأكيد على رغبة السودان وحرصه على مواصلة الحوار والتعاون مع الجانب الأمريكي على كافة المستويات. وترى الصحيفة أن الاستجابة الخافتة من الحكومة - على الرغم من أنها تعتبر أن قرار فرض الحظر مزعجا – تبعث رسالة في بريد الإدارة الأمريكية بأن الخرطوم لا ترغب في تعريض التقدم الذي أحرز مؤخرا نحو تطبيع العلاقات مع الولاياتالمتحدة إلى الخطر، عقب عقدين من البرود؛ فالحكومة السودانية عازمة على إنهاء العزلة، لذا فقد اضطر الطلاب السودانيون وحاملو البطاقة الخضراء الذين تقطعت بهم السبل في المطارات الأمريكية للنظر إلى الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية للحصول على المساعدة. فالخرطوم غير مستعدة لأحداث ضجة نيابة عنهم. وذكرت الصحيفة أن الأمور بدأت في التغيُّر مؤخرا، فقد وقع الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته باراك أوباما أمرا تنفيذيا برفع العقوبات الاقتصادية المعمول بها منذ العام 1997 عن السودان عندما تعارض توجه السودان مع الولاياتالمتحدة من خلال استضافته لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن. وأشارت الصحيفة إلى أن الأمر التنفيذي الذي أصدره أوباما يرفع القيود المفروضة على صناعة النفط والغاز في السودان، ويلغي تجميد بعض الأصول السودانية بالولاياتالمتحدة، وسمح باستيراد وتصدير بعض السلع والخدمات المعتمدة، لكنها جاءت مع فترة اختبار لمدة ستة أشهر يجب على السودان خلالها تحسين وصول منظمات الإغاثة، وإيقاف قصف المناطق التي يسيطر عليها المتمردون في دارفور وجبال النوبة، وإيقاف دعم المتمردين في دولة جنوب السودان، والتعاون مع وكالات الاستخبارات الأمريكية. وبعبارة أخرى فإن إدارة ترامب لديها القدرة على وضع السودان مرة أخرى في المربع الأول إذا لم تكن راضية عن سلوك الحكومة في أي من هذه المجالات. وترى الصحيفة أن تخفيف العقوبات يعتبر أخبارا سارة دون شك لاقتصاد منهك – في إشارة للإقتصاد السوداني - لافتة إلى أن المكتب المركزي للإحصاء بالسودان قال في يناير الماضي إن التضخم ارتفع للشهر الثامن على التوالي بنسبة 32.86%. فاقتصاد السودان قد تعثر منذ انفصال الجنوب في العام 2011، حيث أخذ معه نصيب الأسد من العائدات النفطية، وتضاءلت الإيرادات الحكومية والدخل الأجنبي بشكل كبير وغير متوقع عقب انهيار اتفاقية اقتسام العائدات مع دولة جنوب السودان، وسط الاضطرابات السياسية. هذا إلى جانب عدم الوصول إلى النظام المالي الدولي، وأدى كل ذلك إلى نقص كبير في العملات الصعبة، حاولت الحكومة التخفيف منه من خلال حظر بعض الواردات وفرض رسوم جمركية مرتفعة على الأخرى، مما أدى في نهاية المطاف إلى زيادة التضخم. وأشارت الصحيفة إلى أنه حتى في العاصمة حيث يعتبر أن هنالك ثراءً نسبياً، فالناس يشترون سلعهم اليومية لإطعام أسرهم بصورة محسوبة، في الوقت الذي يشعر فيه التجار في أنحاء الخرطوم بالقلق من نفاد بضائعهم قبل أن يتم بيعها، باستثناء بعض النخب السياسية والتجار الذين تربطهم علاقة وثيقة بالنظام، فالجميع يتألم. ويرى التقرير أنه من الصعوبة تحديد إلى أي حد يرجع هذا الوضع إلى العقوبات الأمريكية أو إلى سوء إدارة الحكومة، إلا أنه يمكن القول إنه كان للعامِلَين دور في وصول الاقتصاد إلى هذا الوضع، ولكن الأمر التنفيذي الذي أصدره أوباما في 13 من يناير الماضي، من المتوقع أن يكون له تأثيره الإيجابي على القطاعات الصناعية والزراعية والرعاية الصحية، حيث يعاني السودان من نقص حاد في المعدات والتكنولوجيا والاستثمار. ونقلت الصحيفة عن المستشار المالي والاقتصادي أمين سيد أحمد الذي كتب كثيرا عن العقوبات "أن تأثير العقوبات الأمريكية كان مدمراً للاقتصاد السوداني، فالبنوك ترفض التعامل مع السودانيين المقيمين والشركات الخاصة لا يمكنها إجراء تحويلات مالية دولية"، وقال متسائلاً: "كيف يمكن شراء المدخلات الزراعية الأساسية على سبيل المثال؟ وكيف يمكن شراء الأدوية المنقذة للحياة؟"، معتبراً أن المواطن العادي الذي ليس لديه أي انتماء سياسي عانى أكثر من غيره من هذه العقوبات. وأشارت الصحيفة إلى أن القرار الذي أصدره أوباما وجد ترحيبا في أوساط رجال الأعمال، على الرغم من مقابلة المواطنين العاديين للأمر بلا مبالاة، وضجر من الوعود المتكررة من قبل الحكومة بتحسين الاقتصاد. من جانبه قال محمد عبد الرحمن مدير "Newtech Consulting Group" وهي شركة هندسية مقرها الخرطوم ولديها مشاريع ب16 دولة أفريقية ودول بالشرق الأوسط إنه على الرغم من الرفع الجزئي للعقوباتا إلا أن تغيير أنظمة البنوك يتم ببطء. وترى الصحيفة أن العقوبات التي فرضت على بنك بي إن بي باريبا بقيمة 8.9 مليار دولار، لانتهاكه العقوبات المفروضة على السودان وكوبا وإيران، تثير مخاوف القطاع المصرفي والمالي. فالعديد من البنوك تتجنب العمل في السودان، رغم أن القرار التنفيذي يجعل من الاستثمار في السودان قانونياً من الناحية الفنية. ولفتت الصحيفة إلى أن حظر السفر الأخير الذي فرضه الرئيس ترامب عقب اعتراض القرار الأول من قبل قاضٍ اتحاديٍّ لا يُعيق تنفيذ قرار تخفيف العقوبات ولكنه يمنع السودانيين من القيام بأعمال تجارية في الولاياتالمتحدة. من جانبه قال مدير (أفريكا سانتر)، التابع لمجموعة التفكير الأمريكية (أطلانتيك كاونسيل) بيتر فام إنه من الصعب مزاولة الأعمال التجارية المشروعة، والمسموح بها بموجب قرار أوباما في 13 يناير، إذا كان من الصعب على حاملي التأشيرات سارية المفعول القدوم إلى الولاياتالمتحدة لمزاولة هذه الأعمال، معتبرا أن تأثير تخفيف العقوبات سيعتمد يشكل جزئي على طريقة تطبيق قيود السفر الأمريكية.