صدر عن دار بيك الألمانية للنشر هذا العام 2019 الكتاب المَوسوم "الروليت الروسي" للباحث هورست تيلتشيك. والكتاب من الحجم المتوسط، يضم 233 صفحة بالإضافة إلى المُقدِّمة والخاتمة، وستة فصول، بالعناوين التالية: 1 . رؤية العالم كما هو: دروس الحرب الباردة. 2. ذوبان الجليد: فرص عام 1989 – 1990. 3 . عباءة التاريخ: لحظة تاريخية لم تنتهز. 4. فُرص ضائعة وخَيبة أمل: الاغتراب في عَهد يلتسين. 5. لم نتعلّم بعد، أن نثق في بعضنا البعض: فلاديمير بوتين المُبكِّر والغرب. 6 . دوامة عدم الثقَة: في الطريق إلى المُواجهَة. 7. ومَاذا بعد (الخاتمَة). يكتب تيلتشيك في المُقدِّمة: "لم يصبح العالم بعد الحرب الباردة، فَجأةً سلمياً، لقد كان هناك العديد من الصراعات العنيفة أيضاً في التسعينيات. يكفي أن نتذكّر العراق، يوغوسلافيا، الصومال أو رواندا. لكن الحرب الكُبرى بين القُوى النووية أصبحت مُستحيلة تقريباً بعد سُقُوط الستار الحديدي. اعتاد الناس على عدم العيش في ظل صراعٍ كبيرٍ، كما حدث في الثمانينات. لقد بدأ السلام بشكلٍ مُتزايدٍ أمراً طبيعياً، واليوم، وقد نسي عددٌ غير قَليلٍ منهم، على ما يبدو، أنّه ليس كذلك". يستعرض الكاتب تاريخ سياسة التّوتُّر الشديد وسياسة الانفراج، مُشيراً إلى مذكرة نيكيتا خروتشوف السكرتير العام للاتحاد السوفيتي في نوفمبر 1958 إلى القوى الغربية الثلاث وإلى وضع ومسؤولية القوى الأربع، عن برلينوألمانيا، ودَعَا في النهاية إلى تحويل برلين الغربية إلى ما يُسمى بالمدينة الحُرّة، وسحب قوات الحلفاء والسيطرة على طُرق المُواصلات. لقد هدّد بتكرار حصار برلين، حيث إنه سبق للمدينة تجربة في 1948 – 1949 ولم تنجُ إلا بمُساعدة هائلة من سلاح الجو الأمريكي والبريطاني. ثم بناء سُور برلين في 13 أغسطس 1961 وأزمة الصواريخ السوفيتية في كوبا خريف 1962، التي كادت أن تقود إلى شفا كارثة نووية. يكتب تيلتشيك في فقرة "تنازُلات الاتحاد السوفيتي في 1989 – 90": "عند ما تنهار الإمبراطوريات، فإنّها نادراً ما تفعل ذلك دون التسبُّب في اندلاع أعمال عُنفٍ عنيفةٍ. تُحاول الإمبراطورية الغارقة عادةً مقاومة تدهورها عسكرياً. أن تتخلى دولة عُظمى، مثل الاتحاد السوفيتي، عن جبهتها الأمامية وحتى أجزاء من أراضيها بهدوءٍ هي عمل فريد من نوعه تقريباً، ويجب على أولئك الذين يُريدون أن يفهموا روسيا اليوم أن يتذكروا ما كان يستوجب على موسكو قُبُوله بسلام في عام 1989 – 90 وبأيِّ تنازُلات كانت القيادة السوفيتية مُستعدة له في ذلك الوقت". – وافقت في عام 1989 على فتح حُدود شركائها في أوروبا الوسطى ولم تتدخّل عسكرياً. – حَافظ غورباتشوف على كلمته ولم يعد يتدخّل في عمليات التحرير والديمقراطية لحلفائه، كما فعل أسلافه في عام 1953 في جمهورية ألمانيا الديمقراطية، و1956 في المجر، و1968 في براغ، بقوة عسكريةٍ وحشية. – تمّت إعادة توحيد ألمانيا بسلام، بضم ألمانيا الشرقية، وهو الجزء الأكثر أهمية من "غنائم الحرب" التي حصل عليها ستالين. وبذلك تَمّ تجاوُز أكبر مصدر للصراع في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية: تقسيم ألمانياوبرلين. – ظَلّت ألمانيا المُوحّدة عضواً في الجماعة الأوروبية وحلف شمال الأطلسي بالاتّفاق مع القيادة السوفيتية. – تمّت إعادة 500000 جندي سوفيتي روسي مع جميع أسلحتهم، بما في ذلك الأسلحة النووية، بسلامٍ وبدون أيِّ حوادث من أوروبا الوُسطى والمجر وتشيكوسلوفاكيا وبولندا إلى روسيا بمُوجب فترة السنوات الأربع المُتّفق عليها، بما في ذلك 380000 رجل ألماني شرقي. – في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات، تمّ التّوصُّل إلى اتفاقات بعيدة المَدى لنزع السلاح وتحديد الأسلحة في كل من الأسلحة التقليدية والأنظمة النووية والكيميائية مع إجراءات مُراقبة شاملة. وفقاً لغورباتشوف، تم تدمير 80 في المئة من الأسلحة النووية على أساس هذه الاتفاقات. – تمّ في 1 يوليو 1991 حل حلف وارسو رسمياً بشكل سلمي وصامت تقريباً. ويتعرّض الكاتب لاستراتيجية رونالد ريجان الجديدة للتعامُل مع السوفيت، حيث استخدم سياسة الترهيب والقوة، وشرع في استنزاف قُدراتهم الاقتصادية في سباق التسلُّح، وإطلاق مبدأ عسكرة الفضاء، أو مُبادرة الدفاع الاستراتيجي. ويشير إلى العديد من المُعاهدات التي بدأت بنزع السلاح في نهاية الحرب الباردة والتي خَلَقَت بعض الشفافية، التي لم تعد سارية بعد. فقد ألغت حكومة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش في عام 2001 معاهدة الصواريخ المُضادة للقذائف التسيارية بشأن أنظمة الدفاع الصاروخي، وعلّقت روسيا في عام 2007 معاهدة القوات المُسلحة التقليدية في أوروبا. وأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، في خريف عام 2018 عزمه على الانسحاب من مُعاهدة الوقود النووي المُشع، والتي تحظر على الولاياتالمتحدةوروسيا امتلاك الصواريخ مُتوسِّطة المَدَى النووية الأرضية وصواريخ كروز، وهي تمثل أهمية خَاصّة بالنسبة لأوروبا. كما يشرح بإسهابٍ تفكُّك الاتحاد السوفيتي إلى 15 جمهورية وفرض عُقُوبات على روسيا، نظراً لعدوانها على أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم. وانتشار التّوجُّهات الانفصالية وتفكُّك الاتحاد اليوغسلافي في عام 1991 بإعلان كل من كرواتيا، وسلوفينيا، ومقدونيا استقلالها عن يوغسلافيا وانفصال البوسنة والهرسك، وتفجير الحرب الأهلية فيها والحرب الأهلية في إقليم كوسوفو بين الصرب والألبان، وهو ما أدّى لانفصال الإقليم في عام 2008، برغم الاعتراضات الروسية. والمُواجهة العسكرية بين روسيا وجورجيا حول إقليم أوسيتيا الجنوبية عام 2008 وتداعياتها على العلاقات بين روسيا والغرب. وانتقاد فلاديمير بوتين للقطب الأحادي الأمريكي، وبتجميد روسيا لمُعاهدة الحد من الأسلحة التقليدية في أوروبا من طرفٍ واحدٍ في ديسمبر 2007 احتجاجاً على توسُّعات حلف الناتو مِمّا يعني إذلال روسيا. وجد خطاب بوتين في البوندستاغ (البرلمان) الألماني بتاريخ 25 سبتمبر 2001، قبولاً واسعاً من النُّوّاب ونجاحاً شخصيّاً كبيراً له. احتوى الخطاب على رسائل رئيسية مُهمّة ينبغي على كل حكومة اتحادية أن تُفكِّر فيها وتعود إليها، نقتطف منه: – ذكّر بوتين بأنّ "روسيا كانت دائماً لديها مشاعر خَاصّة تجاه ألمانيا… كمركز مُهمٍ للثقافة الأوروبية والعالمية… لم تعرف الثقافة حُدُوداً على الإطلاق. كانت الثقافة دائماً مصلحتنا المشتركة وقد وحّدت الشعوب". – "لم تعد الأيديولوجية الستالينية الشمولية في مجتمع المعلومات، أن ترقى إلى مُستوى أفكار الديمقراطية والحرية". – "فيما يتعلّق بالتكامل الأوروبي، فنحن لا ندعم هذه العمليات فحسب، بل ننظر اليها بأملٍ". – "سوف تُعزِّز أوروبا على المَدَى الطَويل سُمعتها كمركز قوى ومستقل للسياسة العالمية إذا وحّدت قُدراتها مع الموارد البشرية والإقليمية والطبيعية لروسيا، وكذلك مع القُدرات الاقتصاديّة والثقافيّة والدفاعيّة لروسيا". – "روسيا بلدٌ أوروبيٌّ صديقٌ… السَّلام المُستقر في القارة هو هدفنا الرئيسي". -"في كارثة 11 سبتمبر في الولاياتالمتحدة، "نحن جميعاً مُذنبون، خاصّةً نحن السِّياسيون الذين عهد المُواطنون العاديون في دولنا إلينا بأمنهم". – "نحن نتحدّث عن الشراكة، لكن ما زلنا في الواقع، لم نتعلّم أن نثق في بعضنا البعض… في بعض الأحيان نُطالب بالولاء لحلف الناتو، وأحيانًا نُجادل حول جدوى توسعه. ما زلنا لا نستطيع الاتّفاق على القضايا المُحيطة بنظام الدفاع الصاروخي". – "الهدف الرئيسي لسياسة روسيا الداخلية هو قبل كل شيءٍ ضمان الحُقُوق والحُريات الديمقراطية، وتحسين مُستوى المعيشة وأمن الشعب… لقد قطعت روسيا طريق الإصلاحات المُؤلم. لا يُوجد في التاريخ أيِّ تشابُه للمعايير والمهام التي كان علينا حلها… نحن، بالطبع، في بداية بناء مُجتمع ديمقراطي واقتصاد سُوق. وعلى هذا الطريق لدينا العديد من العقبات والعقبات التي يتعيّن التّغلُّب عليها". برلين في 15 يونيو 2019