من الأناشيد الجهادية كافتتاحيةٍ للمؤتمر العام إلى فيلمٍ وثائقي قصير عن بداية الحركة الإسلامية لم تتعد مدتهُ العشر دقائق، وما إن تبرز بين ثناياه صورةٌ للراحل الترابي حتى تعلو تكبيرات الحضور.. وحين كان الحديث عن المفاصلة أجهش العديد من أعضاء الشعبي في البكاء، كما تخلل الحديث عن الأمين العام للمؤتمر الشعبي إبراهيم السنوسي قبل تقديم كلمته تكبير وتهليل، ليذرف السنوسي دموعه قبل اعتلاء المنصة.. أما حضور زوجة الراحل الترابي وصال المهدي فتابعتهُ عيون الشعبيين بمزيج من الحزن والتقدير، فيما قبلت إحدى النساء يدها قبل أن تجلس بقرب القيادية بالمؤتمر الوطني سعاد الفاتح. كان الثناء على انعقاد المؤتمر العام للشعبي لم يكن الحديث الوحيد المكرر وسبق ذلك اشتراك معظم المتحدثين في مفردة الحريات كمطلب.. فيما أشار الأمين العام لمجلس الأحزاب السفير عبد الرحمن ضرار إلى أن من لا يمارس الديمقراطية في حزبه لن يلتزم بها حين يصل إلى السلطة، مؤكدًا أن التعددية السياسية ممثلة في الأحزاب كأحد أهم مؤسسات المجتمع المدني. وأشاد ضرار لدى حديثه في المؤتمر أمس بانعقاد المؤتمر العام للشعبي داعيًا الأحزاب الأخرى لأن تحذو حذوه. حضورٌ متنوع: بعضُ المتداخلين عد المؤتمر العام أكبر تظاهرة سياسية، حيث ضم المؤتمر حضورًا متنوعًا سواء من الداخل أو خارج البلاد، فكانت روسيا ومن بعدها السنغال عبر ممثلها رئيس التحالف الإسلامي السنغالي مختار كبي، ومن نيجيريا، ويوغندا، وموريتانيا، ومن الأردن الأمين العام لحزب الجبهة الإسلامي حمزة منصور، وباكستان، وماليزيا، وكينيا، واليمن، وهولندا بالإضافة إلى ممثل جنوب السودان السفير ميان دوت، والسفير الأريتري، وسفير دولة اليابان. فيما كان أبرز الحضور من داخل السودان مساعد رئيس الجمهورية نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني م.إبراهيم محمود، بالإضافة إلى الأمين العام للحركة الإسلامية الزبير أحمد الحسن، ثم رئيس البرلمان أبراهيم أحمد عمر، والأمين السياسي للمؤتمر الوطني حامد ممتاز، والقيادي بالمؤتمر الوطني نافع علي نافع، كذلك الأمين العام للإخوان المسلمين الحبر يوسف نور الدائم، ورئيس حركة الإصلاح الآن غازي صلاح الدين.. بعيداً عن الإسلاميين قريباً من الأحزاب الأخرى كان نجل الإمام الصادق المهدي مساعد رئيس الجمهورية عبد الرحمن الصادق حاضراً بالإضافة إلى والده زعيم حزب الأمة الصادق المهدي، ثم القيادي بالحزب الشيوعي صديق يوسف، كذلك رئيسة الحزب الديمقراطي الليبرالي ميادة سوار الذهب.. ومن الاتحادي الأصل القيادي عمار ميرغني. وفي الوقت الذي لعن فيه الكثيرون الظروف وموازنات السياسي بعدم مشاركة رئيس حزب مصر القوية د.عبد المنعم أبو الفتوح، كان لسوء الحظ موعد آخر في خذلان الشعبيين بتغيّب رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي في ظل استمرار الأمل في مشاركته، بالإضافة إلى عدم مشاركة رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل الذي وُجِّهَتْ له الدعوة في وقت سابق. مسيرة قوية: الأمين العام المكلف للشعبي إبراهيم السنوسي اعتبر في حديثه أمام المؤتمر أمس، أن حزبه يعد آخر تجليات الحركة الإسلامية في السودان مشيرًا إلى انحياز الشعبي لقضايا الحرية، داعيًا إلى عدم انتهاك الخصوصية، وترسيخ قانون نزيه ومستقل، لافتًا إلى اتصال الحرية بالشورى، معتبرًا أنها أساس الحكم ومبادئ القسمة العادلة للسلطة والثروة التي جسدت مضمون الأزمة السياسية في السودان، وتابع: بمخرجات الحوار الوطني تبدأ مرحلة جديدة في التاريخ السوداني عن كيف يحكم السودان بغض النظر عن من يحكمه. وأكد السنوسي أنهُ بإجازة المخرجات يبدأ مسار الإصلاح السياسي ووضع حد للنزاعات وتعزيز الوحدة الوطنية. ودعا السنوسي إلى رعاية العلاقات الخارجية للسودان، مؤكدًا أن القضية الفلسطينية قضية قومية ومحورية وأنه (لا تطبيع مع إسرائيل).. موضحًا أن قرار المؤتمر الشعبي بالمشاركة الفاعلة في الأجهزة التشريعية والتنفيذية يأتي في إطار تحمل المسؤولية. دور طليعي: بالمقابل أكد رئيس حزب الأمة الصادق المهدي أن التحدي الذي يواجه القوى السياسية هو التوفيق الجدلي بين ثنائيات في سياق العديد من الجدليات التي تمثل تحدياً، أبرزها جدلية الأصل والعصر، جدلية الدين والدولة، جدلية الحرية والأمن، جدلية الديمقراطية والتوازن، جدلية المركز والهامش، وتابع: كل القوى السياسية تواجه هذا الامتحان ربما يتصدى له هذا المؤتمر ونحن في كياننا السياسي سوف نفعل في المؤتمر الثامن القادم، موضحًا أن الموقف من الواقع السياسي المباشر يتمحور حول السؤال عن الحوار المنتهي في العاشر من أكتوبر 2016 هل هو محطة المنتهي أم لهُ ما بعده من حوار يشمل من لم يشاركوا فيه؟ وهل الحوار يحقق للوطن قيمة مضافة تحقق بسط الحريات وضبط أجهزة الأمن والوفاء باستحقاقات خارطة الطريق التي وقعها النظام ونداء السودان، واعتبر الصادق أن هذه الاستحقاقات هي المقاييس الحقيقية للتفرقة بين النظام السالف والنظام الخالف. أكبر مشروع سياسي: ما إن اعتلى مساعد رئيس الجمهورية إبراهيم محمود المنصة حتى علت الهتافات حرية، حرية، إلا أن الرجل لم يلتفت للهتافات، وقال: إن الشعبي كان من أوائل الأحزاب التي انخرطت في الحوار الوطني، واصفًا إياه بأكبر مشروع سياسي في تاريخ السودان الحديث، مبديًا أمله في استمرار دعم الحوار الوطني. ودعا إبراهيم الممانعين للانضمام إلى الحوار لمواجهة التحديات التي تستهدف السودان، مؤكدًا أن الحوار هو السبيل الوحيد لتوحيد أهل السودان، وأضاف: في سبيل بناء الدولة التي ننشدها سيكون الحوار السياسي المجتمعي ثقافة أمة وليس للنخب والقيادات، داعيًا لتكوين دولة مؤسسية يحكمها القانون، لافتًا إلى أن الانتماء لمؤسساتها سيكون عبر الكفاءة، مطالباً الأحزاب السياسية باحترام المؤسسية وتداول السلطة داخلها.. ولم يفت على محمود الرد على السؤال الذي ألقى به الإمام الصادق المهدي حول الحوار واستحقاقاتهُ فقال: أؤكد للإمام الصادق التزامنا بخارطة الطريق التي تم التوقيع عليها. التنازل للشباب: التنازل للشباب للتقدم في المناصب كانت دعوة ممثل الإخوان المسلمين الحبر يوسف مطالبًا بالنظر للكفاءة وتسليم الراية لهم.. في المقابل لم تعلُ هتافات الحرية مجددًا وبانفعال واضح إلا خلال كلمة الأمين السياسي للحزب الوحدوي الناصري ساطع الحاج الذي تحدث عن ملابسات اعتقاله بكلمات مفمعة بالانفعال ومترعة بالغضب، ليقف الحضور هاتفين بلا توقف: (حرية، حرية)، فيما اعتلى المنصة شاقًا الحشود الناجي عبد الله، وذلك على إثر إشارة ساطع الحاج إلى استمداده للصبر والقوة حين تذكر من كان يدافع عنهم وهم في الحبس أمثال الناجي، وبارود صندل وغيرهم، وتابع ساطع قائلًا: لكم أن تقرروا المشاركة أو لا، لكن تذكروا أن الشعب يتطلع لدولة الحريات والقانون.. أما القيادي بالشعبي الناجي عبد الله فقد التف حوله عدد من شباب الشعبي لتحيته والتقاط الصور معه. التعافي السياسي: من جهته وصف رئيس حركة الإصلاح الآن غازي صلاح الدين ما يحدث في الحركة السياسية، والإسلامية في السودان بالتاريخ المفصلي مشيرًا إلى وجود عدة تحديات تواجه الشعبي: الفكرة، التضامن والتعافي من الماضي، إضافة إلى تحدي الأخلاق لافتًا إلى أن الحرية في مقدمتها، وتابع: هذا مقام للتجديد ونحن بين خيارين إما البقاء في الحفرة أو الصعود للقمة. وفي السياق عدّ مساعد رئيس الجمهورية عبد الرحمن الصادق انعقاد المؤتمر العام للشعبي بالتمرين الديمقراطي، مشيرًا إلى أنها بوصلة تشير للاتجاه الصحيح من تبديل للقيادات ومشاركة للقواعد، بينما وصفت رئيسة الحزب الديمقراطي الليبرالي ميادة سوار الدهب الترابي بالليبرالي مؤكدةً دعم الحريات ونبذ الخلاف الأيدولوجي، وأضافت: نتتطلع لحكومة وفاق وطني تلبي تطلعات المواطن. من جانبه اعتبر الأمين العام للحركة الإسلامية الزبير أحمد الحسن انعقاد المؤتمر العام للشعبي بمحطة من محطات الشورى، وأضاف: الترابي علمنا كيف تكون الشورى، وكيف يتم التوافق في المؤسسات، لافتًا إلى تزامن قيام المؤتمر في وقتٍ تمضي فيه البلاد إلى تحقيق غايات الحوار، مشيرًا إلى أن نهج مواجهة الآخر هو الحوار، مطالبًا بتفعيل الرؤى والأفكار والسير على النهج الفكري الذي خطهُ الترابي. فراغٌ لا يمكن ملؤه: رغم التنظيم الواضح الذي الذي كان سمة الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الشعبي أمس إلا أن بعض أعضاء الشعبي خلال حديثهم أكدوا أن الترابي ترك فراغًا لا يمكن ملؤه، أما أثناء إلقاء ساطع الحاج لكلمته علق أحد أعضاء الشعبي: حديث ساطع منظومة خالفة، فيما توقع عددٌ منهم إعادة ترشيح السنوسي من داخل المؤتمر عقب انسحابه، بينما سرت أحاديث عن تولي الإمام الصادق المهدي للمنظومة الخالفة. (السوداني) استطلعت بعض قيادات الأحزاب حول المنظومة الخالفة الأمين السياسي للمؤتمر الوطني حامد ممتاز أشار في تصريح ل(السوداني): لم نطلع على المنظومة الخالفة وهي جزء من برنامج المؤتمر الشعبي وسنرى ما ستسفر عنهُ الأيام القادمة بخصوصها، لافتًا إلى أن لكل حزب رؤاه السياسية والتنظيمية وفق إرادة القيادة السياسية مؤكدًا: لم يأتنا إخطار رسمي متعلق بالمنظومة الخالفة، وأضاف: نحن ننظر لكفاة مخرجات الأحزاب السياسية. في ذات السياق نفى رئيس حركة الإصلاح الآن غازي صلاح الدين ل(السوداني): اطلاعهُ على المنظومة الخالفة، وأضاف: حتى الآن لا أعرف ما تتضمنه.