لسنوات عجاف والتعليم يركض صوب فناء محتوم، ويصعد بخطى متسارعة لاهثة حتى كاد أن ينزع فتيل هلاك منتظر، كما نراه بأم العين يتدثر بثياب بالية مهترئة متعددة الثقوب، ولسان حاله ينطق قائلاً: إلى أين تتجه البوصلة؟ جراح دامية يئن منها سائر أعضاء التعليم، معلم مثقل بهموم الحياة يبسط يديه متسولاً بالعلم لضيق ذات اليد، وشظف العيش، شح في تأهيله، وضمور في تدريبه وغياب في زاده التحصيلي، حتي أصيب معلمنا بالجمود الفكري، والخمول الذهني، والعمى المعرفي!! فأنقطع حبل الود والثقة بينه وتلميذه منهج معتق، بما لا يفيد وبمعارف عشوائية ضالة، صدق الأستاذ علي عثمان محمد طه يوم وصفه بمنهج يتوكأ على عصا عتيقة مضطربة، ذبل نبت حديقته والتي كانت تعج حتي مطلع السبعينات بالورد والأزهار زاهية الألوان وتعطر الأجواء بأريجها الفواح، ويوم كنا وفي العصر الذهبي للتعليم نقطف ثمارها الطيبة ونروى ظمأنا بمائها العذب الفرات، فهل من عودة هل يوم كان المعلم مثيراً للجدل، متخطفاً للأضواء، يوم سمق نجمه، وعلا شأنه، مخترقاً صفوف سلسلة أغاني ذلك العهد الذهبي الوضيئ، فتمعن معي ما حظي به معلم الأمس من عشق وسيم، ومكانة سامية في قلب فتاة الأمس وهي تتغني، الأعلي حين تقول: جيب لي معاك عريس شرطاً يكون لبيس من هيئة التدريس كما لم يجهل شعراء العصور الفائتة نبل وقيم معلم الأمس حتى وضعوه في مرتبة ومنزلة الرسل، وانظر ماذا قال عنه شاعر العروبة شوقي: قم للمعلم وفه التبجيلا كال المعلم أن يكون رسولاً ومن إبتلاءات التعليم، هذا السلم التعليمي المتأرجح الذي جعل الطفل البرئ النقى علي متن مركبة واحدة مع صبي يافع مراهق جامح يدرسان ويمرحان سويا رغم التفاوت العمري، فانكسر المرق.. واتشتت الرصاص.. فلم نرعو.. حتي صارت المدية في متناول أيدي صغارنا فهي تصول وتجول بردهات مدارسنا.. ففاضت قلوب فلذات الاكباد رعباً ورهبة، فكان نفورهم وهروبهم من دور العلم، كما أصيبت مدارسنا بلوثة التمييز العنصري مدارس حكومية انموذجية خمس نجوم، جرف تلاميذها تيار الاستعلاء والفوقية، ومدارس حكومية درجة ثانية أصيب تلاميذها بداء الدونية، فهنا يتولد الحقد الاجتماعي بين الرصفاء ذوي المقدرات الذهنية المتقاربة وهنا يطغى ويسود الغبن والحسد بين الأقران، فلماذا نبعث الكراهية بينهم؟ فهل نعيد النظر؟ إن ما دونه قلمي من نكبات مفجعة ألمت بالتعليم فهي جهد المقل وهي السائدة فما هو العلاج؟ وأين تكمن الحلول؟ إن هذه الإبتلاءات القائمة التي إنهالت سياطها على ظهر التعليم ورددتها الألسن الغاضبة وهي عالقة في ذهن وذاكرة كل مواطن يهمه أمر تربية أطفالنا.. جيل الغد.. عقدت لهذه سلسلة من المؤتمرات والندوات فتم الإفراج ودونت التوصيات المتفائلة والطموحة وتمت إجازتها.. ولكنها لم تر النور قريباً.. رغم ان عامنا الدراسي قد بدأت تتساقط أوراقه واحدة تلو الأخرى وربما يسدل الستار ولم يكتمل العرض، أرى أننا لن نقضي على هواجس التعليم إلا بتوفر العزيمة والإرادة السياسية القوية وإيجاد المال اللازم، والأمر برمته بقبضة القيادة السياسية. الأخ البشير والأخ علي عثمان محمد طه راعي التعليم، ولن يغادر التعليم غرفة الإنعاش أبداً ولن يتعافى إلا بما ذكرت.. والتفاؤل يملأ القلوب.!! من هذا المنبر أشيد بالمحاولات اللاهثة، والجهود المضنية والعطاء المستمر لمسيرة التعليم والذي بادر له د. عبدالرحمن الخضر والي الخرطوم، ولن يغيب عن ذاكرتنا ذلك الدور الرائد للمنتدى التربوي السوداني ومساهمته المستمرة من أجل تحقيق تعليم أفضل جيد النوعية، ومن ضمن إسهاماته الحالية هو قيامه بتكريم المعلم بشراكة مع الاتحاد المهني للمعلمين، ونقابة عمال التربية والتعليم تحت شعار "تعالوا ندعم المعلمين" وحدد للتكريم يوم العاشر من اكتوبر 2012م، بدار المعلم. والله الموفق حسين الخليفة الحسن خبير تربوي