غادر الابن مكي المطار متجهاً صوب مقام الأسرة بالمجلد، وهو يسير في تلك الشوارع التي تخلو من المارة، سوى بعض القرى المتناثرة هنا وهناك، وفي كل مرة يزيد سرعة السيارة حتى لا يداهمه الظلام في ذلك الخلاء، وهو يعلم تماماً بالتفلتات الأمنية التي تحدث بتلك المنطقة، إلا أنه وأثناء عبوره إحدى القرى النائية ومن على البعد، ظهر له صبي صغير قطع عليه الشارع بإشارة من يده، وهنا يحكي مكي قائلاً:" كان كل تركيزي على الشارع وأنا متعود على القيادة بسرعة شديدة لمعرفتي الكبيرة بطبيعة المنطقة، ووصلت إلى قرية تسمى (سنطاية) وهي لا تبعد عن المجلد كثيراً، حوالي 41 كيلو، حيث بعدت عنها مسافة نصف ساعة، وفجأة ودون مقدمات ظهر لي الصبي في منتصف الشارع طالباً مني التوقف، وبالفعل، توقفتُ فقال لي:( ممكن توصلني؟)، قلت له:( جداً)، وطلبت منه الصعود للعربة، بدا لي أن تفكيره مشتتاً وهو يرمي ببصره هنا وهناك، وكأنه ينتظر شيئاً، فقلت له:( مالك؟) إلا أنه أجابني بسؤال:( أنت جنسك شنو؟) فأخبرته وأنا مندهش من السؤال واضطرابه الذي لم يكن عادياً، فأخبرته، فكانت إجابته:( كلكم واااحد!!)، فقلت له:( ليه في حاجة؟) ردَّ قائلاً:( أمشي ما في حاجة)، إلا أنني اندهشت لتصرفاته، وكان إحساسي ينبئني بأن هنالك شيئاً سوف يحدث، وشرعت في القيادة مواصلاً طريقي وبالي مشغول بتصرف الصبي". مطاردة وضرب نار.. واصل مكي حديثه أنه بدأ في مغادرة المكان الذي كان خالياً من الناس ولا توجد به حركة، ولا ليس به غير الأشجار، وقبل أن يبتعد كثيراً ودون مقدمات ظهر أمامه أربعة أشخاص ملثمين لم يرْ غير أعينهم وكل فرد منهم يحمل سلاحاً من نوع (الكلاش)، تم تصويبه نحوه، ويضيف أنه أحس بأن في الأمر مؤامرة، وأصابته الدهشة، فكان لا بد له من التفكير سريعاً حتى لا يكون ضحية لهم، فتصرف مباشرة حيث انحرف بالسيارة يساراً ودخل بها وسط الأشجار متجهاً ناحية الجنوب، إلا أنهم لم يتركوه بل، قاموا بتصويب أسلحتهم نحوه وبدأوا في إطلاق وابل من الرصاص خلفه، مشيراً إلى أنه كان يقود السيارة بسرعة جنونية وصولاً إلى خلاء واسع، بعدها لم يتمكنوا من الوصول إليه لكثافة الأشجار التي منعتهم من ملاحقته، ولعدم امتلاكهم عربة. الوصول إلى برِّ الأمان.. واصل مكي سرده قائلاً: أنه بعد جهد جهيد ابتعد عنهم كثيراً وعاد مرة أخرى إلى شارع الأسفلت، ثم واصل سيره إلى المجلد، ولم يتعرض لأذى جسدي إنما بعض الخلل الذي أصاب السيارة في أجزاء متفرقة منها. ويضيف:" بعدها علمتُ من البعض أن ذلك الطفل مهمته هي التضليل، وهو يتبع لذات المجموعة المسلحة، فقمت بفتح بلاغ وتم التحري معي ولكن يبقى السؤال: هل ستتم متابعته ويتم القبض على الجناة الذين يعملون على زعزعة الأمن؟" ويضيف: أن الحادثة لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، خاتماً حديثه بأمنية أن تحميه الدولة:" لأن المواطن لا يستطيع حماية نفسه". وهو الأمر الذي يجعل أمثال أولئك المجرمين يتمادون، فتضيع الكثير من الأرواح على حد قوله.