في العشرين من سبتمبر 2013 اندلعت على نحو مفاجئ تظاهرات كبيرة عمت أرجاء من العاصمة الخرطوم إثر زيادات في أسعار السلع الاساسية وتحديدا السكر والوقود أعلنها وزير المالية في مؤتمر صحفي بحضور رئيس الجمهورية وقتها لكن تلك القومة القوية التي امتدت لعدة أيام استشعرت فيها حكومة الإنقاذ خطرا ماثلا واجتمع الحزب الحاكم وحكومة ولاية الخرطوم متخوفين من استعادة أجواء ثورة الربيع العربي ومقتدين بالنموذج السوري وفقاً لعبارة اضرب لتقتل لكن تلك القومة لم تفلح في الاستمرار الى حين سقوط النظام ولننتظر بضع سنوات حتى نشهد سقوط الإنقاذ في ثورة أخرى بين يدي ديسمبر 2019 لكن لماذا انحسرت تلك الهبة القوية ولم تبلغ غايتها في إسقاط النظام ولماذا نجحت في ديسمبر 2019؟ يشير باحث أمريكي مستعينا بآخر مناهج الاجتماع السياسي حول مأزق جنوح النظام الدكتاتوري لحيازة السلطة كاملة وتجريد خصومه من اي مصادر القوة خوفاً من الانقلاب العسكري ومما يضطر خصومه بالمقابل الى اللجوء للتمرد والحرب الأهلية. وفقاً لهذا المنهج طرح الكاتب سؤالا لماذا لم ينجح تمرد داؤود بولاد في عام 1991 رغم انه من ذات الخلفية الإسلامية للنظام وقد كان النظام في بداياته ورغم السند الذي وجده بولاد من الحركة الشعبية بقيادة دكتور جون قرنق وفي المقابل وبعد عشرة أعوام نجح تمرد الدكتور خليل إبراهيم والقائد مني مناوي وحقق انتصارات سريعة على الأرض واستحوذ على اهتمام عالمي لا مثيل له وأوصل قضيته في زمن قياسي الى اروقة مجلس الأمن. في تقديري الخاص ان السبب في كلا الحالتين واحد والإجابة لكل من السؤالين تكمن كما توصل الى ذلك الباحث فيليب روثلر الى قوة وتماسك الحركة الإسلامية او كما يكتبها الكاتب الأمريكي ( التنظيم Tanzeem) في 1991 كانت الشروط الموضوعية لقيام حركة مقاومة مسلحة في دارفور متوفرة كما أن شروط الثورة المنتصرة كانت حاضرة في 2013 ولكن لان مقاومة اي تمرد كما حدث في واحد وعشرين قطرا أفريقيا بعد نيلهم الاستقلال تحتاج إلى وكيل محلي موثوق يزود الحكومة بالمعلومة الكفيلة بضرب التمرد في العمق وهو بالضبط ما حدث مع حركة بولاد إذ تضافرت منظومات الحركة الإسلامية في دارفور ذات الولاء العقدي المتفوق على كل ولاء أدنى مثل القبيلة وهو ما افتقده نظام الإنقاذ تماما بعد مفاصلة الإسلاميين الشهيرة واضطر للاستعانة بالوكيل المرتزق الذي يمكن بسهولة ان يخلع ولاءه او يصبح عميلا مزدوجا طلبا للمال. أما في انتفاضة سبتمبر 2013 فقد عملت الحركة الإسلامية ومنظوماتها الأمنية المتماسكة والممتدة من قطاعها الخاص الى الأجهزة الرسمية، اما انتفاضة ديسمبر 2019 وجدت تأسيسا منتظما للمجتمع المدني عبر عشرات الجماعات والمنظمات الإنسانية والخيرية والثقافية مثل صدقات ونفير وشارع الحوادث وقرفنا وشرارة وغيرها من المنظمات المنخرطة في العمل السياسي المعارض التي أسست في ظل الإنقاذ ودعم رجالات الإنقاذ هذه الأجسام خلقت تراكم وعي كما ان الندوات والمحاضرات والقراءات الشعرية والادبية والصحف والمجلات والمعارض وجلسات الموسيقى والاستماع ثم عبر الأحزاب والندوات السياسية زادت من التراكم الثوري التي غفلت عنها الإنقاذ وتجاهلتها قوى الحرية والتغيير اليوم، هذه الحقائق نذكرها اليوم بعد ان انتهت الثورة وبقيت الدولة لانه لا يزال هنالك أناس يتمتعون بطاقة كبرى من العاطفة الثورية لذلك نريد ان تكون الكتابة خالية من العواطف نريدها حقائق لان الكتابة الخالية من الحقائق لا تؤدي الى علاج عميق مما يعني انه كانت هنالك رغبة في التغيير ولم يكن صلاح قوش بغافل عن دور المنظمات والجمعيات وهو خارج دولاب الدولة. وإلا كيف اكتملت شروط الثورة في ديسمبر 2019 وأين كانت الإنقاذ؟ لقد شارك شباب الإسلاميين بقوة وانخرطوا بكل ما يملكون في الثورة وهم امتداد لذات الأجيال التي قاتلت واستشهدت من اجل الإنقاذ في الجنوب لكنهم في الثورة الأخيرة خرجوا خروجا جماعيا على تنظيمهم في الشعبي وفي الوطني وانحازوا للثورة وأثبتوا بالشاهد انهم يقبلون التغيير لان ما أصاب دولتهم من الشيخوخة والتفكك هذا أثر في قناعاتهم. الآن هل تتحول الثورة الى مبدأ التسامح الأصيل والاساسي لنجاح كل ثورة وتتسع لقبول الآخر. وهل يواصل الإسلاميون خاصة الشباب مسار التحول ويقبلون شركاءهم في الوطن ويستلهمون العبرة من تاريخهم القريب عندما لم يقبلوا بعضهم بعضا فوضعوا أقدامهم عند بداية النهاية الآن نحتاج لما يعرف بطاقة التسامح وتقبل الحقائق بأن الثورة هي فعل تراكمي وان التغيير من بعد الله كان بدعم رجال ومؤسسات الإنقاذ وآخرين خارج مجتمع السياسة وانهم أصحاب حق في التغيير وإزاحتهم ربما تكلفنا وطناً. طاقة التسامح هذه التمستها شخصيا انا في ثورة 2019 من 6 ابريل الى 11 ابريل يومها كان الشعب لحمة واحدة لكننا فقدناها بمجرد ان سيطرت شلة على مقاليد الدولة أرادت ان تنفرد بها دون الناس أو بالأصح الأحزاب السياسية والناس القادمون من الخارج أفسدوا الثورة وضاعت طاقة التسامح بين السودانيين. نحتاج تسامحا يبدأ فيه حمدوك بنفسه ويفسح المجال لمن هو أقوى منه تسامح يأتي بصانع التغيير قوش طالما اثبت ذلك قيادات قحت فهو يمتلك قدرات رجل الدولة عرف عنه انه حازم قوي وشجاع وأصبح مستقلا الآن وسوف يعيد استتباب الأمن للبلاد. وتسامح لبرهان ومجلسه السيادي بإدخال الحلو نائبا ثاني معه في المجلس وإشراك باقي الحركات. وتسامح يعيد ود إبراهيم للقوات المسلحة فهوا ما زال محبوبا وسطهم. في الأخير اختتم وأقول لابد من عدالة انتقالية في السودان وبإمكاننا ان نأخذ بتجربتي جنوب أفريقيا ورواندا فهما من أكثر البلدان التي مرت بتجارب مريرة من ظلم الإنسان لأخيه الإنسان وتشكيل لجان تدعم حقوق الضحايا بدلا من تشكيل لجان تشكك اسر الضحايا نحتاج لجان للحقيقة والمصالحة وجبر الضرر لأسر الشهداء. لا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى.