وطبقاً لقرار بنك السودان فقد تم إلغاء رخصة شركات عاملة في مجال شراء وتصدير الذهب على خلفية المضاربات التي تمت في سوق النقد الأجنبي خلال الأسبوع الماضي، وأقر بنك السودان توقيع غرامات على بعض البنوك وأنه تبعاً لذلك سيفرض عقوبات إدارية على العاملين بالجهاز المصرفي وفقاً لقانون تنظيم العمل المصرفي. قرار البنك المركزي أثار حيرة الشارع العام لجهة أنه كان ينتظر قرارات أشمل وأكبر توضح السبب في تدهور العملة الوطنية في مقابل العملات الأجنبية خلال الأسبوع الماضي كمخرجات للاجتماع الطارئ لوزراء القطاع الاقتصادي في الحكومة لبحث الموقف واتخاذ قرارات مهمة ترفع لاجتماع موسع يرأسه الرئيس عمر البشير بمشاركة نائبه الأول رئيس الوزراء بكري حسن صالح، ووزير المالية محمد عثمان الركابي، ومدير جهاز الأمن والمخابرات محمد عطا المولى، ليتفاجأ الجميع بتأجيل الاجتماع وبدلاً عنه صدرت قرارات بنك السودان. المستهدف بالقرار قرار المركزي بدا للكثيرين معقولاً جداً لجهة أن الأزمة الاقتصادية أضحت لا تطاق بتفشي الغلاء وتجاوز أسعار السلع الحدود المنطقية، فيما كانت الشماعة الدائمة لتبرير أي زيادات أو غلاء (زيادة سعر الدولار) أو بمعنى آخر تراجع الجنيه في مواجهة الدولار، وسجل الجنيه في اليومين الماضيين تراجعاً وصف بغير المسبوق 28.2 جنيه مقابل الدولار في السوق الموازي، الأمر الذي استدعى تدخل الدولة عبر أجهزتها للحد من التدهور. اتهام شركات عاملة في بيع وشراء الذهب بالمضاربة بدا أيضاً أمراً منطقياً، لجهة أن بنك السودان استبق قراره أمس بقرار مماثل في بداية الأسبوع الثاني بإلغاء تراخيص 6 من شركات القطاع الخاص وأسماء أعمال مرخص لها شراء وتصدير الذهب. ويذهب مسؤول الإعلام بشعبة الذهب عاطف أحمد في حديثه ل(السوداني) أمس، إلى أن عدد الشركات العاملة في مجال الذهب حوالي 12 شركة، كاشفاً عن أن قرار بنك السودان الأخير أوقف شركتين، لتصبح عدد الشركات المسحوب تراخيصها 8 شركات.. فحص الاتهام وطبقاً لمصدر اقتصادي رفيع – فضل حجب اسمه - ل(السوداني) أمس، فإنه غض النظر عن صدق الاتهام من عدمه، إلا أن اتهامات بنك السودان لشركات الذهب ليست وليدة الراهن، بل تعود إلى بداية استخراج الذهب، حيث كان المحتكر الوحيد لشراء الذهب وتصديره هو البنك المركزي، وأضاف: بنك السودان كان يحتكر شراء الذهب من السوق ويقوم بتصديره إلى دبي، يتسلمه من سوق الذهب يحوله إلى الشركة المعنية بالصهر ليصل إلى مستوى محدد من النقاء ثم يصدره، منوهاً إلى أن مصدر الذهب آنذاك كان التعدين الأهلي الأمر الذي خلق إشكالية في حينها تتمثل في الفرق بين كمية المنتج وبين كمية المصدر فعلاً. وكشف المصدر النافذ عن أن دخول شركات القطاع الخاص للعمل في سوق الذهب جاءت كمحاولة لمحاصرة التهريب، قاطعاً بأن الأمر ظل متداولاً للنقاشات وإصدار التصورات والآراء على مدار عامين من القطاع الاقتصادي ومن الحكومة ومن مستويات أعلى من كل ذلك. وأضاف: ظل بنك السودان طيلة تلك الفترة يقاوم ذلك تماماً، لكنه تحت الضغط سمح لما يقارب 13 شركة أن تقوم بدوره في السوق على أن تبيع له نصف الكمية. وأكد الاقتصادي المرموق أن الشركات بدأت بالفعل عملها فتشتري وتبيع لبنك السودان النصف، واستدرك: لكن المشكلة أن بنك السودان كان يفرض سعرا أقل من السعر العالمي بشكل كبير جداً، فتضررت الشركات وتوقفت.. ويرى المصدر أن حقيقة الاتهام للشركات بدون براهين من بنك السودان يعد أمراً معقداً خصوصاً وأن ثمة شائعات سابقة برزت وتقول إن الشركات لم تتوقف وإنما تحمل المنتج وتبيعه للبنوك الأخرى، خصوصاً أن الشركات زبائن للبنوك إذ إن الشركات ولفترة كانت تمول من البنوك وبنك السودان كان يعلم ذلك وأنها بالرغم من تمويلها تقول إنها لا تستطيع أن تشتري الذهب وتبيعه له، ومع ذلك سمح لها بالتعامل مع البنوك بالرغم من أن البنوك وفقاً لقوانين بنك السودان نفسه ممنوعة من أن تمول أسهم الشركات وممنوعة كذلك من شراء العملة. وقطع المصدر الاقتصادي بأن سياسات بنك السودان هي التي سمحت بوجود هذا الموقف، مبرراً حديثه بأن بنك السودان بإصراره على الاحتكار لفترة طويلة، عاد الآن وقال إن هذه الشركات استغلت الموقف وحولت عملها إلى تجارة عملة. عموماً الشركات بسبب سياسات بنك السودان وجدت أمامها خيارات متعددة إما أن تتوقف أو تخزن الذهب حتى تتحسن الأسعار أو تهربه أو تبيعه للبنوك وتأخذ عملة وتتاجر فيها. وكشف المصدر النافذ عن أن هذا الأمر مستمر منذ فترة وليس في حدود الثلاثة أو أربعة أيام الأخيرة، وتساءل: فلماذا تحرك بنك السودان الآن ولماذا ارتفع الدولار في ظرف هذه الأيام القليلة بهذه الصورة؟. وأضاف: اتهامات بنك السودان غير مقبولة بهذا الشكل. المتهمون يترافعون في الوقت الذي رفض محافظ بنك السودان المركزي حازم عبد القادر الرد على مكالمات (السوداني)، وذات الأمر فعله وزير المعادن بروفيسور هاشم علي سالم، وكان الطرف الآخر ممثلاً في الشركات يترافع مدافعاً عن نفسه، ويذهب مسؤول الإعلام باتحاد تجار الذهب عاطف أحمد إلى تحميل بنك السودان مسؤولية الوضع برمته بما في ذلك اتهامه للشركات، ويرى عاطف أن بنك السودان هو المسؤول عن هذا الاتهام، لأنه منح التصاديق للشركات دون أن يعرف التاجر ولا السمسار وأدخل تجار العملة إلى سوق الذهب وأطراف أخرى غير مختصة سواء جهات أوشركات غير مختصة بالذهب، وأضاف: لم يدع الشركات الموجودة والمعروفة تعمل برغم أنها ومنذ بدأت في 2010م-2011م أنتجت ما لم يستطيع بنك السودان إنتاجه وبتكاليف أقل.. مؤكداً اضطرار هذه الشركات للتوقف بسبب الفرق بين سعري البيع والشراء الذي كان كبيراً جداً. وحدد أحمد دور البنك المركزي في أن يراهن على المرجعية الممثلة في الاتحاد لتزكية الشركات التي يريد إدخالها ومن ثم يضع الضوابط بدلاً عن فتح الأمر لتحدث النتيجة الحالية. تأثير القرار تجار في السوق الموازي أكدوا في حديثهم ل(السوداني) أمس، أن القرارات الكثيرة التي تصدرها الحكومة في سياق معالجتها للازمة تزيد من الارتباك لجهة أنها تثير مخاوف أخرى. فيما قطع المصدر الاقتصادي المرموق بأن سعر الدولار سينخفض بالتأكيد لجهة أن أي تركيز حكومي على ما يحدث في سوق النقد يجعل المضاربين يتخوفون وهو الأمر الذي من شأنه في الحد الأدنى تثبيت السعر في ظل ندرة حقيقية لعملة الدولار في السوق. واستدرك: المهم الرسالة التي أرسلتها الحكومة بالخطوة نفسها للمتلاعبين في العملة. وأكد المصدر أن الدولة لها خطواتها الأخرى التي ستتبعها طالما بدأت سياسة الحسم في مواجهة المضاربين، كاشفاً عن بروز حزمة مكتملة تتماشى مع بعضها البعض عقب اجتماع الرئاسة بالجهات المعنية لإكمال خطوات تنفيذ تلك الحزمة قبل صدورها.