وأنا أمارس فضيلة العزل الذاتي بالبيت .. داهمني هذا الصباح خاطر .. أو سؤال .. أيهما أكثر رواجا .. مؤتمرات لجنة تفكيك نظام الإنقاذ
ذات الصلة بمكافحة التمكين .. أم مؤتمرات وزارة الصحة ذات الصلة
بمكافحة فايروس الكورونا .. واعترف أن هذه الخاطرة أو هذه المقارنة
كانت .. عدم شغلة ساكت .. لكن هذا لن يلغي حقيقة الاعتراف بأن الموضوعين من شواغل الناس هذه الأيام .. ولكن المنطق يقول إن الشئون ذات الصلة بحياة الناس وصحتهم .. تطغى ولا شك على ما عداها من أمور .. عليه نتناول اليوم آخر وقائع المؤتمر الصحفي الذي
عقده الدكتور أكرم التوم وزير الصحة بالأمس .. ولا شك أن القارئ الكريم قد لاحظ جهدنا المتصل في دعم جهود وزارة الصحة وهي تخوض هذه المعركة القومية في مواجهة جائحة كورونا .. حتى اتهمنا البعض بالتحامل على المواطن ونحن نلح عليه في القيام بدوره في إكمال دور الدولة لتحقيق الانتصار .. أو الخروج بأقل الخسائر في مواجهة هذا الوباء العالمي ..!
ولكن .. لا بد من الاعتراف الآن أن وزارة الصحة .. بل لنكن أكثر
دقة .. فالسيد وزير الصحة في حاجة لمراجعات شاملة لكثير من جوانب إدارته للأزمة الصحية الماثلة الآن .. في ظني أن السيد وزير الصحة قد أتيحت له فرصة ذهبية لإصلاح النظام الصحي السوداني ..
ولكنه لم يفعل شيئا حتى الآن .. في السابع عشر من مارس الماضي
كتبت تحليلا كان عنوانه .. فيصل قتله النظام الصحي .. وكنت أعني الراحل فيصل الياس .. وأنقل مما كتبت يومها ..( ففيصل لم تقتله الكورونا .. يا سيدي وزير الصحة .. ولَم يقتله أي داء آخر .. يا من تتجادلون بعد رحيله الآن .. فيصل قتله النظام الصحي يا سيدي
الوزير .. ولا تظنن أنني قد أخطأت وأنني أعني غياب النظام الصحي
.. كلا يا سيدي الوزير .. فأنا أعني ما أقول .. أعني النظام الصحي السائد الآن .. والذي ورثناه من أسلافك .. ثم انتظرناك طويلا لتقوم بتغييره .. ولكن يبدو سيدي الوزير أنك لم تره حتى .. ناهيك عن أن تكون قد اختبرته .. لتكتشف عيوبه .. ثم ننتظر منك تغييره ..!
يا سيدي .. لا بد انك واأت في سني دراستك الأولى .. حتى وقبل ان
تنتقل الى كلية الطب .. لا شك ان عينيك قد وقعتا على .. وأن أذنيك قد
سمعتا .. عبارة تقول .. ملائكة الرحمة .. ولا شك سيدي الوزير .. انك
بذكائك الفطري .. ناهيك عن اي جهد عبقري .. قد أدركت ان هذه العبارة تطلق على أولئك النفر من الناس .. الذين يعملون في المشافي
.. العامة منها والخاصة .. فهي في هذا الأمر سواء .. فالرحمة والإنسانية لا معايير لها تصنفها بين عام وخاص .. فهي سمة أساسية وسلوك تلقائي ..تفرضه كل الدول التي تحترم شعوبها .. بل تحترم مطلق الإنسانية .. تفرضه على مشافيها .. عبر تصميم أنظمة صحية صارمة .. تقوم ابتداء على بذل الرحمة للمريض .. قبل التشخيص
وقبل التحليل وقبل العلاج ..وقبل الفاتورة بالضرورة .. فالرحمة بند
لا يظهر في فواتير العلاج .. ولا يخضع لتسعير ولا تشمله الحسابات النهائية .. لذا يتجاهله نظامك الصحي سيدي الوزير .. فهل بحثت عن هذا البند يوما في مشافيها يا سيادة الوزير .. ؟ هل تساءلت يوما أين موقع الرحمة في نظامنا الصحي الذي يحكمنا الآن ..؟
هل سألت نفسك عن حظ المرضى الذين يرتادون المشافي .. وكم حصتهم من هذه الرحمة ..؟ وهل تأكدت يا سيدي الوزير ان المريض يحصل على الرحمة دون شرط الثراء والقدرة على سداد فواتير العلاج ؟ بل هل علمت أن البعض .. حتى بعد سداد أموال طائلة لا يجد الرحمة في مشافينا ..؟ وهل تعلم ان الراحل فيصل سيظل أبرز
أنموذج لهؤلاء ..؟) ..!
نعم هذا ما كتبته ونشرته قبل نحو شهرين من الآن .. ولو أن الوزير
أخذ بما قلناه يومها .. ولو أنه اتخذ من التدابير ما يجعل من الأطباء والكوادر المساعدة ملائكة رحمة بالفعل .. ولو مكنها من القيام بدورها الطبيعي .. لما احتاج أن يقف موقفه هذا .. ولما اضطر لأن يقول ما قاله بالأمس .. بل ولأنقذ أرواحا عديدة .. ظلت تبحث عن الرحمة قبل العلاج .. حتى فاضت الأرواح ..!