كثر الحديث في الآونة الأخيرة من بعض محامي بعض المتهمين عن رموز النظام السابق عن طول زمن التحريات مع المتهمين وعدم تقديمهم إلى المحاكم بسرعة، والمثير للدهشة أن هذه التساؤلات وردت من بعض محامي حزب المؤتمر الشعبي، الذين نالوا ما نالوا من إخوانهم في الله من حزب المؤتمر اللاوطني من إجراءات قانونية كيدية وبلاغات لا أساس لها ولا سند لها من القانون. في زمن النظام السابق كانت النيابة تمثل مخلب القط للنظام حيث تأتمر بأوامر جهاز الأمن وبتوجيهاته بفتح البلاغات ضد المعارضين ووضعهم بالسنين بدون تحريات أو أخذ أقوالهم حتى. وكان كل المعارضين للنظام السابق يمنعون من أبسط حقوقهم الأساسية في تلقي العلاج وفي الأكل الصحي بحسب الأمراض التي يعانون منها مثل السكري والضغط وغيرها من الأمراض المزمنة. ولعلني هنا أذكر واقعة تعرض لها الدكتور حسن الترابي عندما كان معتقلا في سجن كوبر وأثناء ما كان نائما على برش بائس على الأرض قام أحد الفئران المشهور بها سجن كوبر بعضه في أصبعه وهو نائم، وعندما طلب العلاج من إدارة سجن كوبر منع الأمن إدارة السجن من تقديم أي علاج له بحجة أن الأمر لا يحتاج للعلاج من عضة فار . كذلك منع العلاج من الأساتذة علي محمود حسنين وأمين مكي مدني وفاروق أبو عيسي من تلقي أي علاج في أي مستشفى خارج السجن مما فاقم من حالتهم الصحية، بل إن الأستاذ علي محمود حسنين رحمه الله عليه أصيب بداء السكري وهو في السجن وهو لم يكن مصابًا به قبل الاعتقال نتيجة لعدم تلقي العلاج وعدم توفير الأكل الصحي له. كنت أتمني من محامي النظام السابق أن يشكروا النيابة العامة في أنها تتقي الله في تحرياتها وتجتهد في الوصول إلى البينات التي تم اخفائها بفعل فاعل، ولم تلجأ إلى تلفيق البينات ضد المتهمين كما كانت تفعل النيابة العامة في عهد النظام السابق بأوامر مباشرة من جهاز الأمن وبالاتفاق معه. كنا كمحامين نبذل الجهد في أن يتم التحري مع موكلينا وتحويلهم من حراسات جهاز الأمن إلى حراسات الشرطة العادية، أما الآن فإن جميع المتهمين من رموز النظام السابق مقبوضين بموجب بلاغات مفتوحة ضدهم ويتم التحري معهم بواسطة لجان تحقيق مختصة ومحايدة، ولعل سبب تأخير التحري هو بسبب محاميهم الذين نصحوهم بعدم التعاون مع التحري وعدم الإدلاء بأي أقوال في التحري، وهذه النصيحة غير الصحيحة من محامي رموز النظام السابق تجعل التحري يأخذ وقتا أطول لأن النيابة تمنحهم عدة فرص للإدلاء باقوالهم حتى لا تتهم النيابة بالتعجل في التحري مما يعطي المحاكم الحق في إرجاع مثل هذه البلاغات مرة أخرى للنيابة لتعيد التحري فيها مرة أخرى. ومن جهة أخرى فإن النيابة العامة عندما يرفض المتهم الإدلاء بأقواله تلجأ إلى مزيد من الإجراءات الأخرى مثل سماع عدد إضافي من الشهود مما يزيد من أمد زمن التحري. كذلك من الأشياء التي جعلت التحري يأخذ بعض الوقت أن هنالك عدد من الشهود إختفوا أو أخفوا أنفسهم بنصيحة من بعض المحامين الذين يدافعون عن رموز النظام السابق. كما علمنا إن السيد النائب العام مولانا تاج السر الحبر وافق لكل من يدعي المرض من رموز النظام السابق بأن يتلقوا العلاج في كل المستشفيات الخاصة ومقابلة طبيبهم الخاص في سلوك إنساني رفيع يتوافق مع الاسلام وأخلاق شعب السودان، ومثالا لذلك سمح للمتهم علي الحاج بالاستشفاء في مستشفى فضيل والدولي وأخيراً مستشفى يستبشرون، وهذا كله إن دل إنما يدل على أن النيابة العامة لا تتعامل بروح التشفي ولا تتعامل بالسلوك الذي كانوا ينتهجونه ضد خصومهم عندما كانوا في السلطة. كذلك كمثال آخر سمح للمتهم أحمد هارون بدخول مستشفى يونيفرسال وعبد الرحمن الخضر سمح له بالعلاج في مستشفى الزيتونة، والمتهم عبد الله البشير سمح له بالعلاج في مستشفى علياء، وأيضاً كمثال أخير سمح للمتهم المدان قضائيا عمر البشير بالعلاج في مركز السودان للعيون. أما بخصوص المتهم المرحوم الشريف بدر، أيضاً سمح له بالعلاج في عدة مستشفيات خاصة وأخيراً سمح له أن يكمل فترة علاجه الأخيرة في شقة خاصة ومعه إبنتيه الطبيبتان، نسأل الله له الرحمة. ولعل الشكر الذي تم من قبل أسرة المرحوم الشريف بدر للنيابة العامة على حسن تعاملها مع المرحوم خير دليل، ونود أن نشير كذلك أن بلاغ المرحوم الشريف بدر كان مفتوحا ضده منذ عام 2016م، في ظل النظام السابق ولكن البلاغ كان مركونا في درج بعيد بأمر مباشر من جهاز الأمن، ولم يحرك هذا البلاغ إلا بعد تولي السيد النائب العام الحالي مولانا تاج السر الحبر النيابة العامة بعد ثورة ديسمبر المجيدة، وأعتقد تم فتح البلاغ في عهد عوض الحسن النور الذي ظل يكتب كثيراً عن العدالة والحق وسمعنا له ضجيجا ولكن لم نرى له طحينا سوى أنه قام في عهده بالذهاب إلى نيابة الخرطوم شمال وقام بإطلاق سراح محمد حاتم سليمان الذي كان مقبوضا عليه في أحد بلاغات المال العام. ما نود قوله في الختام إن من يتباكون الآن على أن النيابة العامة لم تمنحهم حقهم القانوني في العلاج وغيره، نقول لهم اتقوا الله في ما تقولون. بل أنني شخصياً وبحكم معاصرتي لما كانت تفعله النيابة في ظل النظام السابق، إنني أرى أن النيابة العامة في عهد مولانا تاج السر الحبر نائب عام الثورة أعطت رموز النظام السابق حقوقا لم يكونوا يحلمون بها لأنهم كانوا يتوقعون أن يعاملوا بمثل ما كانوا يعاملون به خصومهم، وقام كثيرون منهم بشكر النيابة على المعاملة الممتازة التي يتلقونها. ولكن نقول لهم إن الثورة السودانية العظيمة رسخت لمباديء وأخلاق السودانين التي حاول نظام الانقاذ البغيض أن يمحوها خلال ثلاثين عاماً وفشلوا في ذالك. ونتمنى من الله أن يزول وباء الكرونا سريعاً حتى تحول البلاغات الجاهزة إلى القضاء ليقول كلمته العادلة.