لأزمان وعهود طويلة ظلت الافطارات الرمضانية بمثابة تقليد اجتماعي رائع لا تكتمل فرحة الشهر الفضيل الا به خصوصا عند اهلنا في القرى والارياف إذ يسمون مكان تجمع الافطار ب (الضراء) و يعود تاريخ بعض تلك المساحات لعشرات السنين في عدد من المناطق المختلفة بالسودان حتى اضحت معالم على الطريق يشار بها لتوجي عدد من المارة والسائلين ، لكن مع جائحة كورونا هذا العام اختلف الامر نوعا ما ، (كوكتيل) تجولت هناك وخرجت بتلك الحصيلة . حجر بأمر العيال التقينا اولا بالمواطن رجب عبد الدائم من صالحة جادين، وقال اصر ابنائي على في هذا العام على ألا اخرج للافطار في الشارع، خاصة ابنتي ثويبة التي تعمل طبيبة بمستشفى امدرمان، في بادئ الامر لم اكترث لهم ولكني انهزمت امام دموع ابنتي ثويبة لأنها كانت تبكي ولا تكلمني، فهي تهتم بعلاجاتي الخاصة (بالروماتيزيوم) والضغط بصورة راتبة وتأتي يوميا لتكلمني عن الحالات وعن الوضع الصحي وخطورة المرض تجاه كبار السن لتحاول اقناعي بهدوء وانا افهمها جيدا. ولكنها لاتفهم بأن فهمي لهذا الموضوع هو بزاوية القاتل الله والمحيي الله وكل شيء بأمر الله ، فهذه قناعتي وعقيدتي ولكني رضخت لها حتى لاتبكي كثيرا فهي من احب ابنائي الى. لهذا السبب التزم بالافطار في المنزل يقول المواطن وائل محمد التاج ..شهر رمضان شهر جميل ورائع بطقوسه وعاداته وافطاره وتراويحه ، فقبل سنين قليلة كنا صغارا نقوم بتنظيف الضراء وتفريش المفارش وبعد كبرنا وتخطينا مرحلة الصبا تم ترقيتنا في (الضرا) من النظافة والفرش الى اننا اصبحنا نحمل الصينية ونأتي بها في الشارع وهكذا (الضرا) درجات وفيه الإمام الراتب وخليفته حسب تقاليدنا بمنطقة الفتيحاب ، ولكن هذا العام قررت أن امتثل لقرار وزارة الصحة بالافطار داخل المنزل فهذا خيرا لي ولغيري. واتمنى من الجميع الالتزام بتعليمات وزراة الصحة حتى نستطيع ان نقضى على الفايروس في اقرب فرصة ممكنة , تنقد الرهيفة المواطن العم بشارة مؤذن جامع السوق بالصالحة يقول انا خمسين عاما افطر بصينيتي خارج الشارع مع اخواني واهلي وعشيرتي ، من اجل التواصل والتراحم وافطار المنقطع والسائق والمسافر وابن السبيل ، فكيف اتخلى من كل هذا الاجر بسبب الخوف من مرض قد يأتيني حتى لو لم اخرج من بيتي ، واضاف ان هناك سبعة اماكن لافطارات مختلفة في تلك المنطقة ظلت مداومة للافطار حتى هذا اليوم الثالث والعشرين من رمضان ولم نسمع باي شخص منهم اصابته (كورونا) وختم حديثه قائلا يابني انا مؤذن الجامع واحيانا امام للمصلين في هذا (الضرا) واذا انسحبت منه بعد افطار دام في الشارع لخمسين عاما وانا في خواتيم حياتي ماذا سيفعل الشباب عندما يروا الشياب مثلنا يهربون من الافطار في الشارع ومن صلاة الجماعة؟، إحنا ماصدقنا يا ابني انو رمضان بيجي ويتوافد شبابنا وابناؤنا للصوم وصلاة الجماعة وهذه نعمة كبيرة من الله تفرحني كثيرا ، وانا في هذا (الضرا) لدي تسعة احفاد لأبنائي وبناتي فعندما ارمي الراية وادخل في البيت سيقول (العيال) جدنا هرب ، لذلك بفطر في الشارع وتنقد الرهيفة. من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليفطر في بيته أحمد السماني معلم بالمعاش يقول .. ينبغي علي كل شخص عاقل حريص على نفسه وعلى الوطن وحريص على اخوانه وابنائه أن يفطر داخل بيته إن كان يؤمن بالله واليوم الآخر. فالمرض لا تتماشى معه (الرجالة والعنتريات) فإذا كنا بعد كل مرض نذهب الى الطبيب ونعمل بنصائحه ونتقيد بها فالافطار بالمنزل ايضا هو امر طبيب وامر العالم الذي يصنع الدواء، والوقاية خير من العلاج فأحباؤك الذين تفطر معهم اذا لم ينقلوا لك العدوى ربما نقلتها لهم انت ومن ثم ينقلونها لغيرهم خذلني بعض الشباب امير محمد السيد من لجان المقاومة بصالحة شرق يقول، انا شخصيا بفطر داخل المنزل خصوصا بعد تصاعد حالات ارتفاع المصابين (بكورونا) وامرت اهل بيتي بالافطار داخل المنزل فانقسموا على هذا الامر لقسمين. منهم من التزم وفطر داخل المنزل ومنهم من رفض الامر كليا، وموضوع الافطار هذا قد سبب لي اشكاليات كبيرة بين اهلي واصدقائي بسبب أن (الضرا) الخاص بالافطار امام منزلنا مباشرة وفي ظل منزلنا تماما و(الضرا) مسمى باسم والدي ووالدي هو من يصلي بالناس فيه ، وقد حاولت أن اقاومهم بالتوعية والنصح والارشاد. فكنت اوزع المعقمات التي صنعها شباب المقاومة والكمامات والنشرات التوعوية في الحى، ومعي عدد من شباب المقاومة الذين التزم عدد كبير منهم بالافطار في منازلهم ، و لكن للاسف الشديد بعض الشباب الذين كانو يعملون معنا في التوعية رأيناهم يخرجوا بإفطارهم للشارع خلف ذويهم وقالوا إن اولياء امورهم مارسوا عليهم ضغطا رهيبا لذلك لن يتمكنوا من عصيانهم وإحداث جفوة او فجوة بينهم .