أثارت التصريحات الأخيرة للرئيس السوداني العديد من التكهنات حول وجهة السودان الجديدة في ظل إعادة تشكل التحالفات الدولية والإقليمية في المنطقة، فطائرة الرئيس البشير هبطت في سوتشي الروسية حيث انعقدت قمة روسية تركية إيرانية للتباحث حول مستقبل سوريا، إلا أن مراقبين اعتبروا القمة بمثابة إعادة تشكيل لمنظومة جديدة في المنطقة، عبر محاولة استقطاب تركيا وآخرين في اتجاه المحور الروسي وبالتالي إبعاده عن أوروبا وأمريكا، وهو ما دفع بتساؤل حول مصير السودان. الخبير في الشأن الروسي السفير د.إبراهيم الكباشي يقول إن الزيارة تأتي في سياق إعادة تموضع استراتيجي في المنطقة من خلال تفكيك وإعادة تركيب الأحلاف خاصة في ظل الوجود الكثيف لروسيا في الشرق الأوسط وفي ظل انزواء أمريكي مقارنة بسنوات الحرب الباردة. ويضيف أن تصريحات البشير عن الحماية الروسية أتت مبتورة في الإعلام الروسي لذا من الصعب توضيح دلالتها، ويمضي الكباشي في تحليله ويقول إن الزيارة مؤجلة لوقت طويل إلا أنها تأتي في وقت ارتفعت فيه المصالح الثنائية لمستويات عليا. الكباشي يلفت إلى أن التقارب السوداني الروسي لا يعني أنه يأتي على حساب العلاقات الثنائية الأخرى سواء الخليج أو أمريكا، ويضيف:"دول الخليج وأمريكا تقيم علاقات نشطة مع موسكو التي شهدت في الشهور الأخيرة زيارة الملك السعودي وولي العهد حيث أبرما العديد من الاتفاقيات". من جانبه يقول الخبير الاستراتيجي د. الهادي أبوزايدة تصريحات البشير تأتي في ظل صراع دولي واستقطاب إقليمي وتقارب استراتيجي نحو الحلف الروسي، ويضيف أبوزايدة أن التصريحات يمكن أن تكون رفضاً واضحاً للسياسة الأمريكية (ذات المرمى المتحرك) وهو ما يشكل مقدمة لرفض فاتورة التطبيع مع أمريكا، ويزيد:"لا يمكن أن تواصل الخرطوم إلى ما لا نهاية في تقديم التنازلات". تقارب كبير الناظر للعلاقات بين الخرطوموموسكو يلحظ تقارباً كبيراً وتطابقاً في العديد من المواقف وعلى رأسها الأزمة السورية، فضلاً عن التجييش ضد إيران، في ظل حالة الاستقطاب الجديدة في المنطقة وإمكانية التحاق كلتيهما بحلف الأخرى، وخاصة السودان. أبوزايدة يرى أن الخرطوم في إطار استراتيجيتها لعلاقاتها الخارجية تسعى لتنويع علاقاتها وإيجاد متنفس بعيداً عن الغرب الذي لا يزال يسير على خطى واشنطن، مشيراً إلى تحسن وتطور العلاقات العسكرية والاقتصادية بين الخرطوموموسكو في الفترة الماضية. أبوزايدة يلفت إلى أن الزيارة تمثل تطوراً كبيراً في علاقات البلدين وهو ما سينعكس إيجاباً على تطوير القدرات العسكرية والاقتصادية السودانية من خلال الاستثمارات وتعزيز القدرات الصناعية إلى جانب تعزيز قدرات السودان في مجال الطاقة عبر التعاون النووي. وقد وقع السودان وروسيا على ثماني اتفاقيات و مذكرات تفاهم في مجالات النفط و تعدين الذهب والاستخدام السلمي للطاقة الذرية و التعليم العالي والعلاقات الخارجية والزراعة بحضور وتشريف السيد رئيس الجمهورية والسيد رئيس الوزراء الروسي ديمتري مدفيديف. بينما يشير الخبير في الشأن الروسي د. إبراهيم الكباشي إلى أن الزيارة يجب ألا تقرأ إلا في سياق تطور المصالح المشتركة لافتاً إلى أن روسيا بات لديها استثمار ضخمة بالسودان خاصة في قطاع التعدين وتتطلع للاستحواذ على أكبر قدر من المعادن الاستراتيجية، ويضيف أن السياسة الخارجية لموسكو تحررت من كوابح الأيديولوجية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي كما تحررت الخرطوم من العديد من الكوابح التي كانت تعرقل سياساتها الخارجية في العقود الماضية.