المُقدِّمة عاليها – ربما – تمضي في اتجاه إحدى القضايا التي أثارها المراجع العام في المجلس الوطني من خلال تقريره الشامل الذي قدّمه للأعضاء مُؤخّراً، حيث قال الطاهر عبد القيوم إنَّ 50% من مُستحقي الدعم الاجتماعي من الأُسر الفقيرة لا يصلهم ذلك الدعم، وعدم وصول المبلغ المُحدّد من النقد المباشر للفقراء بالولايات، وأكد وجود قصور لا يُمكِّن المشروع من تحقيق أهدافه المُتمثلة في تخفيض حدّة الفقر وتقديم الدعم للأُسر الفقيرة في جميع أنحاء السودان، النسبة التي حددها تقرير المراجع العام ليست بالبسيطة وتُوضِّح مدى التجازوات والقصور الموجود لدى الأجهزة المسؤولة.. (السوداني) بدأت التقصي حول الموضوع لمعرفة أسباب ذلك القُصُور وما هي الحُلول المُقترحة وتحدّثت مع عدد من المُختصين... أسرة فقيرة ولاستطلاع إحدى الأُسر المُستهدفة بمال الدعم الاجتماعي تحدَّثت إلينا (ه. م) وهي أُم لأربعة أطفال وتعمل فرّاشة بمدرسة حكومية بأحد الأحياء الطرفية في محلية كرري، رداً على سؤالنا لها حول مال الدعم الاجتماعي الذي – يُفترض - أن تصرفها شهرياً، فقالت: يقوم أحد أعضاء اللجنة الشعبية بإحضار المبلغ لكنه لا يصرف شهرياً وأحياناً ثلاثة أشهر لا يأتي لي به وفي بعض الأحيان يقوم بإحضار بعض المواد التموينية (سكر، عدس، أرز ودقيق) كمساعدة من أحد فاعلي الخير، وأضافت: لم أصرف الدعم منذ 6 أشهر لذلك أصبحت لا اعتمد عليه لأنّه لا يفي بالغرض وأصبحت أقوم ببيع بعض الحلوى لطالبات المدرسة بعد أن انتهي من نظافة الفصول، فالعمل ليس بعيب ولديّ أطفال أقوم بتربيتهم. شؤون اجتماعية ويمضي بنا الحديث – تدريجياً – حيث يقول رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية بالبرلمان الطيب غزالي ل (السوداني)، إنّ اللجنة اطّلعت على تقرير المراجع بعد أن تمّ إيداعه بالبرلمان وتم تقسيم محتواه على جميع اللجان وكل لجنة أخذت ما يليها من القضايا، وأضاف: لجنة الشؤون الاجتماعية اطلعت على التقرير وراجعته كلمة كلمة، حيث ذكر أن 50% من الدعم الاجتماعي لا يصل إلى مُستحقيه، وفي نفس الوقت أوضح أنّ نسبة المصروفات بلغت 96% من قيمة المال المُخصّص له، وتلك النسبة تُوضِّح خللاً في الميزانية كيف لا يصل، وفي نفس الوقت المصروفات عالية جداً، وهذا يضع احتمالين إما أن المال يذهب الى أشخاص لا يستحقون أو به اختلاسات، ذلك البرلمان سيستدعى وزارة الرعاية الاجتماعية والزكاة وليستفسر عن ذلك المال وأين يذهب، ولم يحدد بعد متى سيتم استدعاؤهم لأنّ البت في التقرير وبدء مُداولاته ستبدأ شهر أبريل، مؤكداً أن جميع جلسات المداولة ستكون مفتوحة لأن البرلمان جهة رقابية تقوم بمُناقشة المواضيع بكل شفافية وسيمثل المسؤولون أمام 37 عضواً وهم جميع أعضاء لجنة الشؤون الاجتماعية، وبعد ذلك سنقوم بإعداد تقرير يتم رفعه للجنة الحسابات وهي اللجنة المسؤولة عن التقارير، واذا اقترح تعيين لجنة مُصغّرة بعد رفع التقرير سنقوم بتكوينها. لا تعطني سمكاً ولكن... وأشار الطيب غزالي الى أنّ لجنته اقترحت على وزارة الرعاية رؤية جديدة حول مشروع الدعم الاجتماعي بتمليكهم بعض المشاريع الإنتاجية الصغيرة وبذلك ستصبح أسراً منتجة بدلاً من أخذهم مال الدعم، لأن الأسر الفقيرة أصبحت في ازدياد يوماً بعد يوم ولم تقف على (60) ألفاً حسب الإحصاء الأخير، ومبلغ 200 جنيه زهيدٌ جداً لا يكفي لوجبة لطفل واحد يذهب الى المدرسة يومياً. خللٌ في الأجهزة!! ولتناول الموضوع من زاوية اقتصادية، تحدَّث ل (السوداني) الخبير الاقتصادي عبد الحميد الياس قائلاً: إن عدم وصول ذلك الدعم للأسر يعتبر كارثة حقيقية، لأنّ المبلغ الممنوح للأسر بسيط جداً إذا ما قُورنت بحجم المنصرفات ومُعدّلات التضخم وارتفاع السلع الاستهلاكية ورغم ذلك لا يصل إليهم، وهذا يَدل على خللٍ واضحٍ بالأجهزة المسؤولة عن ذلك الدّعم، ويجب أن تُشكّل لجنة تحقيق لحل هذا الموضوع فوراً ومَعرفة أين تذهب تلك الأموال، ومُحاسبة كُل من يَثبت التّحقيق أنّه مُتورِّط في تلك التّجاوزات وسحب المَلف من الجهَات المُختصة وتَسليمه إلى رئاسة الجمهورية، وأضَافَ أنّ ذلك المبلغ متواضعٌ جداً أمام مُقابلة احتياجات الأُسر الفقيرة، لأنها بُنيت على إحصاء عام 2010م الذي قُوبل بكثير من الانتقادات، فالأُسر الفقيرة أكثر من ذلك، لكن الجهة المسؤولة عَجَزت عن حَصرها بسبب الإمكانَات، مُؤكِّداً أنّ الفقر أصبح مُشكلة السُّودان بأكمله وتحتاج لمنظومة سياساتٍ مُتكاملةٍ، عَجزت عن حلّها العَديد من التّجارب لأنّها بُنيت على أُسسٍ خاطئةٍ مثل صندوق التّمويل الأصغر الذي لا يتجاوز سقفه (20) ألف جنيه وتكلفة العَديد من المَشاريع الصّغيرة تفوق هذا المبلغ. تَجاوزاتٌ قانونيّةٌ القانوني محمود الشيخ قال ل (السوداني)، إنّ الدعم الاجتماعي تمّ تحديده للتقليل من حِدّة الفقر وعدم إيصاله لمُستحقيه يُعتبر تجاوزاً قانونياً، وإذا ثَبتَ ذلك التجاوز يَحق لأيِّ مُواطن تَضَرّر أن يلجأ للقضاء ويرفع قضية ضد المسؤولين عن ذلك الدّعم، ويَحق له الوقوف أمام المحكمة ونزع جميع مَطالبه فذلك حق دستوري منحه له القانون، وأضاف منح الدعم الاجتماعي للفقراء تم تقريره قبل عدة سنوات، لكن الى الآن لست أدري إذا أصبح تشريعا ووضعت له قوانين أم يستند فقط على الأوراق؟ فإذا ثبت تشريعه أصبحت المحكمة الدستورية العليا هي المسؤولة عن البت في قضاياها، وعلى المُواطن المُتضرِّر المثول أمامها ويطلب من المَحكمة إعفاءه من رُسوم التقاضي أو تأجيلها إذا أثبت عدم قُدرته على دفعها، وهنالك العَديد من المُحامين المُتطوعين للقضايا ذات البُعد الإنساني ولن تُواجههم أية إشكالية في دعم الأتعاب لهم، إضافة إلى حق النقابة في انتداب وتكليف أي محامٍ لتولي هذا الشأن، على اعتبار أنّ المهنة رسالية في المقام الأول ومعنية بحراسة ومُراقبة التطبيق العادل للقانون. وزارة الرعاية تلوذ بالصمت أخيراً توجهتُ الى مبنى وزارة الرعاية والضمان الاجتماعي عند الحادية عشرة صباحاً، وقابلت سكرتيرة المدير المسؤول عن الدعم الاجتماعي بالوزارة، وطلبت منها مقابلة الرجل بعد تعريفها بنفسي، فقالت لي إنه في اجتماع فانتظرت حتى الثالثة عصراً، لكن لم أستطع مُقابلته – يبدو أنّ الاجتماع طال وستطال -، أخبرت السكرتيرة بأنني سأعود في اليوم التالي، وبالفعل عدت لكن توجّهت مباشرةً الى مكتب الإعلام وأخبرتهم عن فكرة التحقيق، وإنني أود إفادة حول الموضوع، وتوجّهت مسؤولة الإعلام بالوزارة الى الإدارة المسؤولة وعادت بعد 10 دقائق لتخبرني أنّ المَسؤولة غير موجودة ولا يعرفون متى تعود..!!