ماذا كنت تشغل في مفوضية الدستور 2005م؟ كنت عضواً مشاركاً في المفوضية القومية للمراجعة الدستورية التي وضعت الدستور الانتقالي ل2005م، كما كنتُ عضواً قيادياً في التكوين الثاني للمفوضية ضمن 60 شخص، وكانت معنية بوضع مسودة قوانين مفوضية قانون الخدمة المدنية، ومفوضية حقوق الإنسان وقانون الأحزاب السياسية، ومفوضية الأراضي، ومفوضية الانتخابات، ومفوضية استفتاء جنوب السودان، وكل ذلك تم وفقاً لنص الدستور وقرارات رئيس الجمهورية، وكانت كلا المفوضيتين برئاسة مولانا أبيل الير، ود.عبد الله إدريس. كم كانت المهلة آنذاك؟ ستة أسابيع فقط. ومع ذلك استطعتم إنجاز دستور يصفه الكثيرون بالممتاز.. كيف تم ذلك؟ هذا صحيح، بيد أن التحدي الحقيقي لم يكن قيام المفوضية، بل مهمتها في ضرورة إعداد مشروع قانون يحصل على إجماع وطني. ولعلَّ ما ساهم في انطباق عنصر النجاح على عمل المفوضية كان عنصر الوقت الذي أولته أهمية قصوى، لجهة أن التوقيت كان مسألة محسومة بالاتفاقية ولا يقبل التأجيل؛ فبرغم أن المتبقي من الزمن كان محدوداً إلا أن النجاح كان في نجاح المفوضية للوصول إلى إجماع قومي لم يتحقق منذ الاستقلال وحتى الآن. بالإضافة إلى منهجها في إدارة حوار مكثف مع القوى السياسية كافة، الأمر الذي أسهم في تضييق الفجوات، ونجحت كذلك في إعداد أكثر من قانون بدون نقاط خلاف جوهرية. والدليل على ذلك ما يكشفه محضر الجلسة الختامية لاجتماعات المفوضية؛ إذ أكد أن صيغة الدستور الانتقالي حَظِيَت بقدرٍ كبير من القبول الوطني. وهل كانت المفوضية من العضوية فقط؟ حقيقة جلسات المفوضية كانت على جزئين؛ الجزء الأول قبل قدوم وفد التجمع الوطني الديمقراطي بقيادة علي محمود حسنين ورفاقه لاجتماعات المفوضية فيما بعد بشهرين أو ثلاثة. من أبرز الشخصيات التي كانت جزءً من العمل في المفوضية؟ كان هناك ممثلون للمؤتمر الوطني مثل ب.إبراهيم أحمد عمر، د.إبراهيم غندور، ود.بدرية سليمان، وكثير من ممثلي القوى السياسية والنقابية والتعليمية. ومن الطرف الآخر د.منصور خالد، وأخوة جنوبيون لا أستحضر أسماؤهم، وغازي سليمان، وبعض المستقلين، وكنت أحدهم، وآخرين. وقد لعب د.الدرديري محمد أحمد دوراً رئيسياً في عمل المفوضية؛ حيث كان مُقرِّراً لها وناطقاً باسمها، بالإضافة إلى د.عبد الرحمن إبراهيم الخليفة.. المسودة النهائية للدستور هل شَهِدَت خلافات؟ نقاشات طويلة وليست خلافات، فبعد انضمام علي محمود حسنين للمنصة، وعقب مناقشات طويلة تكونت لجنة من (13) عضواً لمراجعة المسودة النهائية للدستور ترأسها الدرديري محمد أحمد وكنت عضواً فيها.. وصحيح واجهت هذه اللجنة معضلات كثيرة للاتفاق على الصيغة النهائية، إلا أنه بعد مشاورات واسعة ضمت عدة أشخاص منهم السيد محمد عثمان الميرغني ود.جون قرنق وب.إبراهيم أحمد عمر والشريف زين العابدين الهندي، بالإضافة لبعض قيادات الأحزاب الوطنية، تم تذليل المعضلة والاتفاق على النص الكامل للدستور الذي أجيز فيما بعد بالإجماع في جلسة ترأسها مولانا أبيل ألير وبروفيسور عبد الله إدريس. وخلال أدائها للعمل عقدت المفوضية أكثر من 60 اجتماعاً وبلغت ساعات العمل 453 ساعة على مدى 19 يوماً متتالية. المعروف أن هناك مفوضية أخرى تكونت بعد إجازة الدستور الانتقالي.. ماذا عنها؟ نعم هي مفوضية المراجعة الدستورية لدورة الانعقاد الثاني، وتشكلت بعد عدة أشهر من إجازة الدستور بموجب مرسوم جمهوري في 7 يناير 2006م، ونص على تكوين المفوضية من 60 عضواً تكون على نسب محددة في اتفاقية السلام، وحدد المرسوم مهام المفوضية في تشكيلها الثاني بأن تستمر لمدة انتقالية مدتها 6 سنوات، وتقوم بإجراء مراجعة دستورية شاملة خلال الفترة الانتقالية، بالإضافة إلى إعداد مشروعات القوانين اللازمة لإنفاذ اتفاقية السلام، وما تحيله رئاسة الجمهورية للمراجعة بما يتوافق مع الدستور الانتقالي، وتراعي في عملها وجهات نظر الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني تأكيداً للتعددية السياسية والمشاركة الجماهيرية. وكيف كنتم تتخذون القرارات؟ القرارات كانت تُتخذ بتوافق الآراء، أما في حالة الاختلاف فإنها تجاز بتوافق ثلثي الأعضاء. ومن الذي ترأس المفوضية في دورتها الثانية؟ ترأس المفوضية مولانا أبيل ألير وبروف عبد الله إدريس، وكنت عضواً فيها، وضمت على سبيل المثال لا الحصر بروف إبراهيم أحمد عمر، بروف إبراهيم غندور، وأحمد التيجاني الجعلي، وإسحق شداد، د.إسماعيل حاج موسى، ألدو أدو دينق، د.بدرية سليمان، تابيتا بطرس، تاج السر محمد صالح، د.سليمان أبو صالح، د.إبراهيم حاج موسى، والدرديري محمد أحمد، د. سمية أبو كشوة، د.صديق الهندي، صلاح الدين محمد الفضل، د. عبد الرحمن الخليفة، ود.فاروق أبو عيسى، وغازي سليمان، ومالك عقار، فيصل خضر مكي، ومروة جكنون، ود.منصور خالد، وياسر عرمان وآخرين، أي 58 عضواً بالإضافة إلى الرئيسين. وظلت آلية اتخاذ القرارات إما بالتوافق أو بالإجماع. عموماً بعد مجيء لجنة الحوار الوطني حالياً أعتقد أنه امتداد للمفوضية الدستورية بتكوينها الثاني، بحكم أن تكوينها الثاني نصَّ على إيجاد التوافق أو الإجماع بين مكونات المجتمع السوداني، وهو الهدف من لجنة الحوار الوطني الحالية. ماذا عن قانون الانتخابات؟ لدى وضع قانون مفوضية الانتخابات، حرصت المفوضية على تغيير الأسلوب الذي تبنته في القوانين الأخرى، إذ كانت تُكوِّن لجنة مصغرة لوضع مسودة القانون ثم تحيلها إلى اجتماع تدعو له شخصيات من خارج المفوضية، كما حدث في قانون حقوق الإنسان، وبعد ذلك تحال إلى اجتماع نهائي للإجازة بالتوافق أو الإجماع.. وماذا فعلتم؟ لكن في الانتخابات وطبقاً للخطة التي وضعها د.عبد الله إدريس وأبيل ألير، رأت اللجنة أن تستمع لآراء الأحزاب السياسية أولاً، وتم تكوين لجنة مصغرة للاتصال بالأحزاب الموجودة في الساحة ومخاطبتها، سواء كانت ممثلة في المفوضية أو غير ممثلة، وكانت النتيجة أن وصلتنا ما يقارب ال60 ورقة أو مقترح من معظم الأحزاب.. باختصار جميع الأحزاب المؤيدة والمعارضة حرصنا على سماع آرائهم، ودعوناهم إلى (6) اجتماعات متوالية حضرها جميع مندوبي هذه الأحزاب والمنظمات، وكنت مشرفاً على هذه العملية بشكل مباشر. وتم تكوين لجنة أو مفوضية الانتخابات وفقاً للنص القائل (تُنشأ خلال شهر واحد عقب إجازة قانون الانتخابات المفوضية القومية للانتخابات، وتتكون من (9) أشخاص مشهود لهم بالاستقلالية والكفاءة وعدم الانتماء الحزبي والتجرد، ويراعى في اختيارهم اتساع التمثيل ويتم اختيارهم وتعيينهم بواسطة رئيس الجمهورية). وتمت إجازة مشروع قانون الانتخابات لسنة 2008 الذي نص على أن تُنشأ المفوضية خلال شهر واحد من صدور القانون وتكون لها شخصية اعتبارية وتكون لها لجان على مستوى السودان وتكون مستقلة تماماً ومحايدة وشفافة، ويحظر على أي جهة التدخل في شؤونها واختصاصاتها أو الحد من صلاحياتها. وحددت المادة 6/1 من قانون المفوضية تكوين المفوضية عضويتها، ونصت على أن تكون من (9) أعضاء يتم اختيارهم وتعيينهم بواسطة رئيس الجمهورية، على أن ينتخب جميع الأعضاء ومن بينهم رئيس المفوضية ونائبه الذين يعملان على أساس التفرغ، بموافقة ثلثي أعضاء المجلس الوطني، ويجب أن تتوفر في العضو شروط أن يكون سودانياً ومشهوداً له بالاستقلالية والكفاءة وعدم الانتماء الحزبي والتجرد وشروط أخرى، وتكون مدة العضوية بالمفوضية ست سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة من قبل رئاسة الجمهورية، شريطة توفر الشروط المنصوص عليها في هذا القانون. يعمل رئيس المفوضية ونائبه على أساس التفرغ الكامل. وهل انطبق شرط عدم الانتماء الحزبي؟ لا بد من الإشارة إلى أن مسألة رئيس المفوضية وشرط عدم الانتماء الحزبي ليس بالضرورة أن لا يكون له خلفية حزبية، بل المطلوب أنه في تاريخ انتخابه وتعيينه أن يكون شخصاً مستقلاً لأنه حسب المعرفة فإن الشخص الذي ليست له خلفية حزبية أو سياسية لن تكون له مقدرة على إدارة مفوضية هي أساساً تمثل الانتخابات التي هي خلاصة العمل السياسي. ما هي المعوقات التي وجدتموها؟ الملاحظ أن البرلمان كان بدلاً عن اعتماد المسودة (حقتنا) كان يشكل لجنة جديدة ومسودة جديدة متجاهلاً كل عمل المفوضية، والغريب أن هذه اللجنة الجديدة تكون برئاسة أحد أعضاء المفوضية أنفسهم، لجهة أن الكثير من أعضاء المفوضية أعضاء أيضاً في البرلمان، مما يتيح الفرصة لأعضاء المفوضية الممثلين في البرلمان تغيير آرائهم، وهو ما أحدث ربكة في قانون الأحزاب، على عكس قانون الانتخابات الذي أُجيز بالاجماع من المجلس الوطني. كيف تصف أداء مفوضية الانتخابات الحالية؟ مفوضية الانتخابات محكومة بقانون المفوضية ومحكومة بالدستور ومحكومة باللوائح، وحقيقة قبيل انتخابات 2010م و2015م تم تكوين لجنتين لتقييم أداء المفوضية، واحدة برئاسة علي شمو والأخرى برئاسة الطيب حاج عطية وخرجوا بدراسة ممتازة، ولا أريد أن أعلِّق على ما قاله الأصم ويكفي أنه أقرَّ بوجود أخطاء. أعتقد أن اللجنة القادمة يجب أن تكون بشخصيات عن قانون الانتخابات وقادرة على تنفيذ ما فيه شفافية دون تأثّر والتقيُّد بما ورد في القانون؛ فالانتخابات هي التي تُعبِّر عن المجتمع الديمقراطي وليس هناك عمل ديمقراطي بلا قانون ديمقراطي ومنظمات ديمقراطية، ومفوضية الانتخابات أداة لذلك كله.