وبحسب خبراء صندوق النقد الدولي، فإنهم اعتبروا أن النجاح في توحيد أسعار الصرف سيتطلب كذلك سياسات اقتصادية كلية وهيكلة داعمة ملائمة، واقترح التقرير سيناريو لإصلاح السياسات بتحرير أسعار الصرف بالكامل في مطلع عام 2018م. ويرى الصندوق أنه بمجرد تعويم الجنيه، ينبغي إلغاء دعم الكهرباء والقمح بين عامي 2019 و2021م. ومع ذلك ينبغي أن تصاحب هذه التدابير الصعبة زيادة في الإنفاق الاجتماعي من عام 2018م فصاعداً لتخفيف آلام التكيف مع الإصلاحات. وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي في تقريره إلى أن الدين الخارجي للسودان وصل إلى 52.4 مليار دولار أو 111% من إجمالي الناتج المحلي في نهاية عام 2016م، وبسبب الانخفاض الكبير في أسعار الصرف، ارتفع بنسبة 29.5 % من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2016م. وطالب صندوق النقد الدولي مراراً بضرورة إزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب للاستفادة من تخفيف الديون. ماذا يعني تعويم الجنيه؟ خبراء اقتصاديون أجمعوا على أن تعويم الجنيه مصطلح اقتصادي يُقصد به أن يكون سعر صرف الجنيه مقابل الدولار أو أي عملة أجنبية بعيدًا عن تدخل الحكومة أو البنك المركزي في تحديد السعر، وترتبط قيمته بالعرض والطلب. وطبقاً لما أورده الاقتصاديون فإن التعويم نوعان: خالص أو كامل، وفيه يتم تحديد سعر صرف الجنيه من خلال آلية العرض والطلب بشكل كامل، وتمتنع الحكومة عن أي تدخل في تحديد قيمته. فيما يعرف التعويم الثاني، بالتعويم المدار الذي يتحدد فيه سعر صرف الجنيه وفقاً لآلية العرض والطلب، لكن الدولة تتدخل من خلال البنك المركزي وقت الحاجة. إمكانية الخطوة تشاؤم بدا واضحاً في حديث رئيس قسم السياسات العامة والإدارة بالجامعة الأمريكية في القاهرة برفيسور حامد التيجاني في حديثه ل(السوداني) أمس، مؤكدا أن أزمة السودان ليست في تعويم الجنيه أو عدمه، لجهة أن التعويم إجراء اقتصادي يمكن اتباعه حال كان للدولة أساس إنتاجي يُسهم في أن تُصدر جزءاً منه، الأمر الذي يمكن لأجله تخفيض قيمة العملة الوطنية لتشجيع الصادر لتأتي عملات صعبة، وأضاف: "هذا غير متحقق حالياً لأن القاعدة الإنتاجية مدمرة والمصانع مغلقة ومناطق الإنتاج لا تنتج، ولا قوى عاملة موجودة فهي إما في التنقيب عن الذهب أو اللاجئين أو المهاجرين، مما يجعل العملية الإنتاجية كعامل يسهم في جعل الخطوة إيجابية، غائبة". الظرف الاقتصادي نفسه اعتبره التيجاني مُبرِّراً لعدم إمكانية التطبيق أو لفشله، ويرى أن التضخم يمثل عائقاً مباشراً، وهو يتزايد بسبب ما تطبعه الحكومة من عملات دون رقابة، ويعود ذلك لعدم استقلالية بنك السودان في مسألة طباعة العملة لأنه يدير الاقتصاد وليس وزارة المالية، وأضاف: "بنك السودان بالإجراءات المالية والسيطرة على السيولة هو من يحرك عجلة الاقتصاد، أما وزارة المالية فدورها أن ترشّد الصرف الحكومي، بالتالي التضخم العالي تسبب في إحجام الناس عن الإنتاج". وتوقع حامد ألا يكون لتعويم الجنيه وتخفيض قيمة العملة في ظل ضعف الأداء الاقتصادي وضعف القطاعات الإنتاجية والصناعية أي مردود فقط تحجم الواردات التي إذا تضمنت مدخلات إنتاج فإن أسعارها ستتزايد بشكل كبير، مما يلزم المنتجين بأن يأتوا بها بأسعارها مرتفعة، بالتالي سينعكس ذلك على القدرة التنافسية لصادرات السودان. لماذا يصر الصندوق؟ دعوات تعويم الجنيه لم تكن وليدة توصية الصندوق وظلت لفترة طويلة تدور في أفق وفضاءات الاقتصاديين السودانيين، بيد أنها عندما تأتي مشفوعة بتوقيع صندوق النقد الدولي فإنها تكون مدعاة للتطبيق في ظل إصرار المؤسسات الدولية. ويرى الخبير الاقتصادي بجامعة الخرطوم د.محمد الجاك في حديثه ل(السوداني) أمس، أن الصندوق لجأ للتوصية بتعويم الجنيه لأن الدولة تتبنى سياسة التحرير الاقتصادي بمعنى أنها لا تتدخل في سوق المنتجات أو العملات من ثم فإنه بتوصيته تلك يساند سياسة الدولة في تحرير السوق بحسب اعتقاده. عامل آخر لفت الجاك النظر إليه، ويتلخَّص في أن الصندوق وعقب رفع الحظر الاقتصادي عن السودان، يرى أنه لن تتحقق أي فائدة من الرفع ما لم تتوفر بيئة ملائمة وجاذبة للاستثمارت التي تحتاج إلى ضمانات لأموالها سواء كانت أموال التمويل أو الأرباح أو التحويلات فيما بعد، بالتالي فإن الصندوق يرى أن الدولة كلما حررت النشاط الاقتصادي سيكون أسهل عليها التحكم في النمو وتحسين المؤشرات الاقتصادية الأخرى مثل سعر الصرف والبطالة، وأضاف: "السودان ليس مقصوداً بالروشتة وإنما هي لأي دولة تتبنى النهج الاقتصادي المماثل". بينما يذهب حامد التيجاني إلى أن إصرار المؤسستين صندوق النقد والبنك الدولي، على أن يطبق السودان الخطوة لجهة أنهما لن يتأثّرا بالإجراءات ويريان أن الخرطوم يجب أن تتحمل أعباءها، وأضاف: "البنك والصندوق غير مستعدين لتقديم أي مساعدات أو أموال، ما يعني أن التعويم في هذا التوقيت سيزيد معاناة الناس فقط ولن يحدث أي جديد". وقطع التيجاني بأن التعويم نفسه يحتاج إلى دولار ليُطبق، لكن السودان لن يستطيع إدخال عملة حرة وإلا ما كان الشح الماثل، معتبراً أن السودان يعيش حالياً حالة تعويم مصطنعة، وأضاف: "في ظل الظروف الحالية تعويم الجنيه يعد انتحاراً اقتصادياً". وأكد التيجاني أن الدول الراكزة هي التي تضع خططها وتذهب للتفاوض مع الصندوق، وأضاف: "مصر خفضت عملتها لكنها فاوضت الصندوق على 5 مليارات دولار لكن ذلك ليس مهماً، وإنما المهم خطاب الاعتماد الذي يخاطب كل الصناديق المالية والدول المانحة باعتباره شهادة حسن سير وسلوك ليمكنك الاقتراض".