استفحل الغلاء وأصاب أغلب الأسر في مقتل، ارتفاع حاد في أسعار أغلب السلع الاستهلاكية الأساسية، وانعدام وتوقف لعدد من الخدمات الضرورية مثل الخدمات الصحية، وخدمات النقل، وخدمات إزالة ومعالجة النفايات. والخطر يهدد خدمات الكهرباء والمياه. المؤسف أن الحكومة منشغلة في معارك جانبية ولا تلقي بالاً لهذه المشاكل.
غالبية المشاكل تفاقمت بسبب السياسات الحكومية، التي من الواضح أنها تعاني من التضارب وعدم الاتساق. مثلاً وزارة المالية وبنك السودان بقيادة اللجنة العليا للطوارئ الاقتصادية يسيران في اتجاه التحرير الكامل لأسعار السلع. بينما تسير وزارة الصناعة والتجارة في طريق التحكم وتنشيط مباحث التموين ووسائل التحكم الإداري. أي تناقض هذا؟
الوثيقة التي تم طرحها لمحفظة السلع الاستهلاكية تشير بوضوح الى أن بيع السلع بعد استيرادها يتم بالسعر الحر، والأساس الذي تبنى عليه عمليات المحفظة هو سعر صرف دولار واحد يعادل 100 جنيه (والسعر الرسمي 55 جنيه). هل بعد هذا تحتاج وزارة الصناعة والتجارة لأي دليل بأن كل السلع سوف تصبح محررة تحريراً كاملاً.
على وزارة الصناعة والتجارة الاتجاه نحو سياسات رعاية المنافسة ومنع الاحتكار، والقيام بتدخلات اقتصادية حاسمة ومدروسة تسهم في خفض الأسعار، وليس تدخلات إدارية تحكمية قد تؤدي لاختفاء السلع من أرفف المحلات. على أن تكتفي الوزارة برسم السياسات العامة والتنسيق، وأن تترك للولايات مسألة التنفيذ، بسبب اتساع الرقعة الجغرافية للسودان، وعدم توفر الكوادر بالأعداد المناسبة لديها.
نقترح على وزارة الصناعة والتجارة التركيز في هذه المرحلة على سبع سلع
رئيسة فقط، هي: السكر، زيت الطعام، الأرز، الشاي، العدس، لبن البودرة، الدقيق. وجميعها سلع مصنعة، وتوفيرها بأسعار مدروسة يسهم في تخفيف حدة الغلاء. يُقترح أن ترعى وزارة الصناعة والتجارة قيام آلية تضم منتجي هذه السلع، بالإضافة لديوان الضرائب، هيئة الجمارك، وزارة المالية الاتحادية، وزارات المالية بالولايات، وغرفة تسيير اتحاد النقل.
تدرس الآلية تكاليف استيراد المادة الخام، وإضافة كل التكاليف الأخرى من جمارك ونقل وغيره، وتحدد الآلية الرسوم المحلية التي يجوز للمحليات فرضها، وتحدد نسبة الربح لتاجر القطاعي، ومن بعد ذلك وبموافقة المنتجين (أكرر بموافقة المنتجين) يتم وضع السعر على العبوة المباعة للمستهلك. على أن تلتزم المصانع
بتثبيت هذا السعر لثلاثة أشهر. وتلتزم وزارة المالية بتعويض المنتج (من خلال
الضرائب) في حالة حدوث تغيير كبير في التكاليف خلال هذه الأشهر.
إن وضع السعر على العبوة المباعة للمستهلك في هذه السلع السبع، وتثبيته لثلاثة أشهر، قابلة للتمديد أو المراجعة، يجعل المواطن بنفسه رقيبا على الأسعار. ويعمل هذا النموذج على خفض نسبة التضخم، ويسهم في تثبيت سعر الصرف أيضاً.