رغم أنّ زائرة المُتنبي كانت رحيمة بالسودانيين طوال الأعوام الماضية، لكن يبدو أنّها وبحسب أطباء وصيادلة يصرفون العلاج، عادت بشراسة وكأنّها أرادت أن (تنتقم) لفترة غيابها الماضي.. يقول د. محمد الحسن – اختصاصي الباطنية - إنّ ازدياد حالات الإصابة بالملاريا في الفترة الأخيرة بعد تراجعها خلال الأعوام الماضية، يعود بالأساس لتهيئة البيئة الحاضنة لها وهي (البعوض)، مُضيفاً: عندما تلدغ أنثى "أنوفليس" غير مصابة، شَخصاً مُصاباً، فإنّ الطفيل ينتقل إليها ومنها ينتقل إلى شخصٍ سليمٍ غير مُصابٍ ليبدأ دورةً أخرى، وأنّ التعرُّض للدغة بعوضة "أنوفليس" التي تحمل الطفيل، حيث تقوم أنثى هذا النوع من البعوض بالتغذي على دَم الضحية، وذلك لكي تحصل على بروتينات تحتاجها في عملية إنتاج البيوض للتكاثر، ويعتقد أنّ طفيل الملاريا يُغيِّر سلوك البعوضة الحاملة له بحيث تصبح أكثر انجذاباً إلى البشر، في آلية تهدف لزيادة انتشار الطفيل ونجاحه في الانتقال إلى الإنسان، مُضيفاً أنّ البعوض ليس جميعه ناقلٌ للعدوى، بل هُنالك من يكون غير حامل لها، وعزا انتشار العدوى والبعوض الى تكدس النفايات بالأحياء والمياه الراكدة والفشل في الوقاية لتقليل العدوى من قِبل المسؤولين القائمين على مُكافحة الملاريا والوقاية منها بوصولهم الى جميع القُرى وتغطيتها. علاجٌ تَجاوزه الطُفيل!! ولمعرفة أسباب مُقاومة الطفيل للعِلاج، وَمَا هو العلاج النّاجع للملاريا؟ تَوجَّهت (السوداني) للصيدلانية د. دينا مُحمّد، فابتدرت حديثها قائلةً: إنّ العلاج القديم والمتمثل في "الفانسدار والراجمات" قد تَمّ تغييره من قِبل مُنظمة الصحة العالميّة، وإنّهم حالياً يتعاملون طِبقاً للتوجيهات الجديدة، وإنّ الصيدلية ليس بها "فانسدار أو راجمات" لأنّه علاجٌ ملغيٌّ، مُشيرةً إلى أنّ الدواء المُفعَّل الآن لديهم هو "الارتثميت" وهو الخَط الأول لعلاج الملاريا، ويُعتبر علاجاً فعّالاً ومُتوفِّراً بالصيدليات، ولا تُوجد مشاكل من ناحيته، وأسعاره غير عالية فقط (63) جنيهاً، وهذا الخط لا يشمل الحوامل، حيث يُعتبر "الكينين" هو الخط الأول لعلاج الحوامل. وفي ذات الاتجاه، مَضَت الصيدلانية نُهى مُحمّد قائلةً ل(السوداني): إنّ التّعميم بعدم صَرف الأدوية جاء وفقاً لمُقاومة العدوى للأدوية وأصبحت غير مُجدية، لذلك كان لا بُدّ من التّغيير، مُوضِّحةً أنّ المرضى كانوا يتخوّفون سابقاً من أخذ "الكينين" نسبة للآثار السَّلبية له، ويتناسون أنّ الآثار بسيطة ونسبة الشفاء كبيرةٌ، مُؤكِّدةً أنّهم لا يصرفون "الفانسدار والراجمات" بتاتاً ويتّبعون الخط الجديد، وهو "الكوارتم" ووصفته بالعلاج المزدوج الناجح. مُقارنات رغم الحديث الدائر عن ازدياد حالات الملاريا بين الناس في الفترة الأخيرة، لكن يبدو أنّ الجهات الرسمية لا تتّفق مع هذا الرأي، بدليل أنّ مدير عام الطب الوقائي د. أحمد البشير فضل الله قال ل (السوداني)، إنّهم ينظرون للانتشار أو عدمه باعتمادهم على الأرقام حسب التقارير الواردة لديهم من قِبل المُستشفيات، مُشيراً إلى أنّ الملاريا حَسب الإحصائيات الوَاردة إليهم من العَمل الإحصائي الدّقيق لا تُوجد بها زيادة، فإذا عَقدنا مُقارنةً بين نوفمبر 2016م وذات الشهر لعام 2017م، يتبيّن لنا أنّ هُنالك (32) حالة ناقصة في العام الأخير عن الذي قبله، أمّا الفرق بين الحالات في ديسمبر 2016م وديسمبر 2017م ففيه انخفاضٌ كبيرٌ لصالح العام الأخير يصل إلى (2720) حالة، ما يعني أنّ هنالك انخفاضاً واضحاً الآن، واختتم د. أحمد البشير حديثه بأنّه وعلى عكس ما يُروِّج له الناس، فإنّ حالات الإصابة بالملاريا تمضي في انخفاضٍ مُستمرٍ. علاجٌ جديدٌ وبالعودة إلى العلاج الجديد "الكوارتم"، يقول صيادلة إنّه عبارة عن حُبوب مُزدوجة، وتُعتبر الخط الأول لعلاج الملاريا، ومُتوفِّر بالمُستشفيات والمراكز الصحية في الولاية وذلك وفقاً لبروتوكول برنامج علاج وتشخيص الملاريا.. وبحسب خبراء صيادلة، فإنّ تَغيير العلاج القديم جاء نسبةً لمُقاومة طفيل الملاريا له، فهي علاجات أحادية بَاتَت لا تَكفي، لذلك تَمّ اختيار العلاج المُزدوج لأنّ طفيل الملاريا لديه القُدرة على تَطوير طُرقه لمُقاومة العلاج، إضافة إلى أنّ السَّبب الرئيسي لبقاء العدوى لدى الأشخاص، أنّ البعض يأخذ الجُرعات بطريقة غير قياسية – أي أقل منها -، وأخذ العلاج بدون فحص مَعملي من المُمارسات الخاطئة. استجابة ويقول د. أحمد البشير، إنّه وبحسب التقارير الواردة من المُستشفيات، يمتاز "الكوارتم" بالاستجابة العالية للعلاج، والخط الثاني "الكينين" حبوب للملاريا غير المُعقّدة، أما المُعقّدة بأن يأخذ المريض "كينيناً وريدياً" متاح ومجاني. وقال: ننصح بعدم استخدام العلاج دون استشارة الطبيب، وكل من يوجه باستخدام علاج الملاريا، عليه استخدام الجرعات كاملةً، كما أنّ المُواطن وحفاظاً على صحته يلزمه تجفيف "برك المياه" والمُكيِّفات المائية لمنع توالد البعوض، مُبيِّناً أنهم بالوزارة درّبوا 650 كادراً طبياً، منهم 150 طبيباً و150 مُساعداً طبياً للمراكز، و50 سستراً، و300 تقني معمل على بروتوكول تشخيص وعلاج الملاريا. بين النقل والإزعاج ويقول مدير الطب الوقائي، إنّ البعوض نوعان ناقلٌ وغير ناقلٍ، فالنّاقل للعدوى كثافته أقل من المُعدّل المقبول، ولكن كثافة البعوض غير الناقل مُتوفِّر ويمثل إزعاجاً، لذلك نعمل بطريقة مُكثّفة للمُكافحة في أطواره المُختلفة، التي تأتي في مناطق تجمع المياه وأماكن شبكات المياه خاصةً في الشتاء، حيث تحدث كُسُورات لشبكات المياه، مُضيفاً أنّهم بحاجة لثقافة المُواطن والاستعانة به في تخفيف رُكود المياه بالأحياء وإدارة هيئة المياه، مُضيفاً أنّهم يعملون على المُكافحة بالرش الضبابي للغُرف والمَنازل الذي يُساعد على مُكافحة البعوض الطائر بالمَحليّات المُختلفة، وهنالك الرش الرذاذي بالماكينات المُحمولة على العربات، مُشيراً إلى أنّه مع بداية 2018م سوف تكون هُنالك حَملاتٌ مٌكثّفةٌ لتقليل كثافة الطائر بالولاية كافّة خاصة المناطق ذات الأخطار العالية والمُتأثِّرة بالمصارف. صحة عالمية آخر ما يجدُر الإشارة إليه، هو أنّ مُنظّمة الصحة العالمية تعمل بالتعاون الوثيق مع البرنامج الوطني لمُكافحة الملاريا لتنفيذ المُدخلات المُلائمة ذات المردودية لمُكافحة الملاريا، من خلال توزيع تَوليفة المُعالجات المُرتكزة على الارتيميسين، والفُحُوصات التّشخيصيّة السّريعة، والناموسيات المُعالجة بمُبيدات الحشرات طويلة الأمد، وإدخال المُعالجة المنزلية في إطار الاستراتيجية المعنية بالملاريا.