اعتبرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية المتخصصة في الشؤون السياسية، في تقرير حديث لها، أن الخلاف بين السودان ومصر يعيق الاتفاق حول سد النهضة، حيث توقفت المحادثات بشأن التعامل مع تأثير السد الكبير الذي تقدر تكلفته بنحو 5 مليارات دولار، والذي تعتبره القاهرة مهدداً لشريان الحياة بها. ويرى محرر الشؤون الجيواقتصادية في المجلة الأمريكية، «كيث جونسون»، أن استدعاء الخرطوم لسفيرها في القاهرة الأسبوع الماضي، آخر فصل في معركة بدأت الصيف الماضي، بمقاطعة تجارية، ووصلت إلى إعلان وتحذير رسمي من قبل السودان بوجود تهديدات على حدوده الشرقية من قبل حشد من القوات المصرية والأريترية، في الوقت الذي تتحرك فيه مصر أيضاً في المثلث الحدودي المتنازع عليه من قبل الدولتين – حلايب. ويشير جونسون إلى أن هذه الخلافات هي جزء من نزاع إقليمي تنخرط فيه كل من مصر والمملكة العربية السعودية إلى جانب دول إقليمية أخرى، ضد ما يرونه "تدخل تركي في المنطقة"، حيث دعمت أنقرةقطر في خلافها الدبلوماسي مع دول الخليج الأخرى، وهي تقفز حالياً بصورة مباشرة إلى البحر الأحمر – في إشارة إلى الاتفاق بين تركيا والسودان بشأن سواكن - الأمر الذي يزيد من قلق مصر، لا سيما أن زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في ديسمبر من العام الماضي، وحصوله على اتفاق بشأن جزيرة سواكن قد أثارت "غضب" مصر، وقلقها من أن أنقرة قد تتمكن من بناء قاعدة عسكرية هناك. ونبه الكاتب إلى أن هذا الوضع الدبلوماسي، يجعل من الصعب التعامل مع مشكلة أخرى محتملة الانفجار في العلاقة بين الدولتين، فالسودان يدعم بناء السد الإثيوبي الضخم، في حين تعتبر مصر أن الأمر "مسألة حياة أو موت"، مثلما قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. ملء الخزان من جانبها قالت خبيرة الشؤون الإفريقية بمؤسسة "المجلس الأطلسي" المتخصصة في الشؤون الدولية كيلاسي ليلاي، إن التنافس الإقليمي حول البحر الأحمر "معقد"، ولكن بناء السد يعتبر محفزاً لهذا التنافس بين الدول الثلاث. وفي الوقت الذي ظلت فيه مصر مرعوبة من الآثار المحتملة لإنشاء السد الضخم الذي من المتوقع أن يؤثر ملؤه على مستوى تدفق مياه النيل وفقاً للسرعة التي يمكن أن تختار بها إثيوبيا ملء الخزان – وفقاً للتقرير، فقد أشارت خبيرة الشأن الإفريقي بالمجلس الأطلسي، إلى أن إثيوبيا في إمكانها أن تختار ملء الخزان في فترة طويلة قد تصل إلى 15 عاماً، مما يقلل من الآثار المحتملة على جريان حوض النيل، إلا أن إثيوبيا التي شهدت احتجاجات مناهضة للحكومة في أغسطس من العام 2016 أدت إلى فرض حالة الطوارئ لمدة 10 أشهر، على الأرجح لن تنتظر كل هذه الفترة الطويلة، منبهة إلى أن إثيوبيا في حاجة إلى تحقيق مكاسب. ويقول ستيفن كوك، الخبير بشؤون شمال إفريقيا والشرق الأوسط بمجلس العلاقات الخارجية، إن التوترات الحالية خطيرة وحقيقية وأكبر مما كانت عليه، وقد تصل ذروتها. ولفت كاتب التقرير إلى أن الخلاف الحدودي، جمَّدَ المفاوضات حول سد النهضة، وفي ظلِّ مرور الوقت، واكتمال 60% من المشروع، يمكن لإثيوبيا البدء في ملء الخزان، في وقت مبكر من الصيف الحالي، مما يترك القليل من الوقت لبحث حلول عملية. تهميش في ذات الوقت قالت الباحثة المستقلة في السياسات المائية لحوض النيل ومؤلفة الكتاب الأوّل حول سدّ النهضة بعنوان "سد النهضة وحوض النيل"، أنَا كاسكاو: "إنه ينبغي أن يكون ذلك بمثابة دعوة للاستيقاظ السياسي، من أجل اتخاذ إجراءات فورية لاتخاذ قرار مشترك بشأن مسألة تعبئة الخزان، لأن العام المقبل سيكون عاماً حاسماً". ويرى كاتب التقرير أن الخلاف بين مصر والسودان يهدد بنسف التعاون، لا سيما أن وسائل إعلام إثيوبية كانت قد قالت إن مصر سعت إلى تهميش السودان. وعلى الرغم من نفي مصر لهذه التقارير إلا أن هذه الفكرة أزعجت الخرطوم. ولفت التقرير إلى أن للسودان دوراً بالغَ الأهمية، نظراً لموقعه المتوسط جغرافيَّاً وسياسيَّاً بين مصر وإثيوبيا، فقد تقاسم والسودان ومصر لفترة طويلة مياه النيل، وفقاً لاتفاقية 1959 والتي لم تشمل إثيوبيا، وباستخدام السودان لكميات أقل من حصته من مياه النيل لسنوات عدة، سمح لتدفق المياه إلى مصر التي استخدمت أكثر من حقها في مياه النيل. صعوبة التعاون وقالت الباحث المستقلة، آنا كاسكاو، إن السودان سعى في السنوات الأخيرة، إلى زيادة استخدام المياه الخاصة به، بهدف تعزيز قطاعه الزراعي. ولأنه يأمل في استخدام السد في الري، فقد اقترب السودان من إثيوبيا وأصبح مؤيداً للمشروع؛ الأمر الذي يجعل معاداة مصر للخرطوم مناورة خطيرة بالنسبة لمصر، محذرة من خسران مصر للسودان، التي تعتبر الدولة الوحيدة التي لديها اتفاق لتوزيع المياه معها، إضافة إلى أنها الدولة الوحيدة التي تشكل تهديداً كبيراً لتدفقات المياه إلى مصر، نظراً لإمكانات الري العالية، التي من شأنها أن تكون بالغة الخطورة على مصر. وأشار التقرير إلى أنه وعلى الرغم من أن هذه المسألة كانت تختمر منذ سنوات، إلا أن مصر تجنبت التعامل مع الآثار الحتمية على المدى الطويل للمشروع، وهي تعلق ببساطة على المعاهدة التي دامت عقوداً، والتي تمنحها حصة الأسد من موارد النيل. ويقول ستيفن كوك بمعهد العلاقات الخارجية، إن مصر تواجه نقصاً في المياه، وقد تواجه قريباً "ندرة مطلقة في المياه". ويرى خبير الشؤون الإفريقية بمجلس العلاقات الخارجية أن مصر ليست لديها استراتيجية، وأنه من المثير للقلق أن منطقها فقط "أن يمنحوها المياه". ولفت كوك إلى أنه من المؤسف أن الولاياتالمتحدة لا زالت تعاني من عدم اكتمال المناصب بوزارة الخارجية الأمر الذي يجعلها غير قادرة على التوسط في النزاع، مما يجعل الأمور أسوأ. من جانبها أعربت وزارة الخارجية الأمريكية عن قلقها بشأن الخلاف بين دول حوض النيل، وحثت الدول على التعاون لإيجاد حل للخلاف. ورجحت صحيفة السياسة الأمريكية أنه قد يكون من الصعوبة إيجاد سبيل للتعاون في المستقبل القريب، لا سيما أن انتخابات مصر في مارس المقبل، مما يقلل من فرصها لتقديم تنازلات سياسية في هذه القضية الحساسة.