ذكرنا في مقالين سابقين أن الصراع ما بين الدكتور إبراهيم البدوي، واللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير، انتهى بإقالة أو إستقالة الوزير. وقلنا إن الوزير لديه برنامج يُعتقد أنه واضح وعلمي، مقابل برنامج (حالم) للجنة الاقتصادية. وأشرنا إلى أن نتيجة الصراع كان ارتفاع التضخم لأرقام قياسية بلغت 136% وتدهور سعر الصرف حيث تجاوز الدولار في السوق الموازي حاجز ال 145 جنيهاً. الإدارة الاقتصادية مواجهة الآن بوضع صعب للغاية حيث يتوالي عجز الموازنة بسبب حتمية الاستمرار في دفع مرتبات موظفي القطاع العام التي تمت زيادتها بنسبة 528%، وحتمية دفع تكلفة استيراد المواد الأساسية من محروقات وقمح وأسمدة ومبيدات وتقاوي وأدوية بشرية وحيوانية، ويترافق هذا مع انخفاض متوقع في حصيلة الإيرادات العامة من الضرائب والجمارك بسبب جائحة كورونا، وعدم انسياب العون الخارجي بالحجم المطلوب للسبب نفسه. لمعالجة هذه الأوضاع الصعبة يُقترح أن تركز الحكومة على برامج ثلاثة أساسية، أولها: هيكلة الدعم، وثانيها: العمل نحو حشد الموارد الداخلية، وثالثها: البحث عن شراكات اقتصادية خارجية. بالنسبة لهيكلة، الدعم يمكن استكمال إنشاء وكالة التحول الرقمي التي بدأها د. إبراهيم البدوي ولكن بتغيير غرضها الأساسي ليكون إصدار البطاقة التموينية الالكترونية، التي تستبقي الدعم لفئآت محددة بكميات محددة، ويجوز إيقاف الدعم إذا تحسنت أحوال الأسرة المدعومة، مثل أن يتم توظيف أحد الأبناء، أو إذا آل للأسرة إرث كبير من قريب توفاه الله. ويمكن في هذا الصدد الاستفادة من التجربة المصرية. أما فيما يلي حشد الموارد الداخلية، فمن الممكن تصميم برنامج مركز يستهدف توفير التمويل لصغار المزارعين ومربي الماشية، بالاستفادة من الخبرة الواسعة لدى البنوك ومؤسسات التمويل الأصغر. على أن تدعم الحكومة شراكة بشروط ممتازة مع القطاع الخاص السوداني المتخصص في الإنتاج الزراعي والحيواني. وكذلك دعم تأسيس شركات مساهمة عامة عملاقة للصادر الزراعي والحيواني. بالنسبة للشراكات الخارجية، من الواضح أن دول الاتحاد الأوروبي منشغلة بنفسها للغاية، حيث لم تتفق حتى اليوم حول خطة الانعاش الاقتصادي بعد جائحة كورونا، والولايات المتحدة ما زالت تضعنا في قائمة الدول الراعية للإرهاب. يُقترح التفاوض مع الصين، وهي من الدول القلائل جداً على مستوى العالم التي سوف تسجل نمواً موجباً بنهاية العام 2020 ، تفاوضاً يرتكز على استخدام اليوان الصيني في التجارة معها، إن دولة نصدر لها 50% من جملة صادراتنا، ونستورد منها 35% من وارداتنا، من المنطقي والطبيعي أن نعمل على استخدام عملتها في هذا التبادل التجاري الضخم معها. ومقابل ذلك نمنحها امتياز انشاء طرق وسكك حديدية بالسودان، في اطار استراتيجية الحزام والطريق الصينية. إن استخدام اليوان الصيني في التبادلات، والسماح باستخدامه داخلياً، سوف يؤدي لثبات نسبي في قيمة العملة السودانية. والله الموفق.