قدم متهمو حاوية كبتاجون )الذرة( للمحكمة إلا أن المحكمة برأتهم لعدم وجود أدلة دامغة تثبت، لجهة أن القوانين العالمية والمحلية، تشير إلى أن المخدرات حيازة ولكي يثبت تورط المتهم بها لا بد أن تكون بحيازته أو أن يكون هنالك دليل دامغ مصحوب باعترافات متهمين ضده وبوجود قرائن قوية تؤدي لمحاكمة رادعة، لذلك تمت تبرئة متهمي الحاوية الأولى التي كان المتهم الأساسي فيها سوري يدعى ابوصطيف، ووقتها أقر رئيس فريق التحري في القضية ببورتسودان آنذاك، بوجود أخطاء واستعجال صاحب عملية إعلان ضبط الحاويات قبل الوصول إلى المتهم الأجنبي الرئيسي، مؤكداً أن هناك ثلاث شحنات مخدرات سابقة دخلت البلاد ضمن شحنات ذرة شامية استوردها نفس المتهم السوري عبر ميناء بورتسودان وكانت سابقة للشحنة المضبوطة. وفي الوقت الذي يرى فيه كثيرون أن على سلطات الجمارك أن تعي الدرس عقب تبرئة كل الأطراف وفشل القضية، إلا أن المسلسل تواصل. ففي حاوية الكركدي التي ضُبطت بداخلها كميات من المخدرات وتورط فيها متهم سوري الجنسية ما تزال القضية قيد المحاكمة، أما في قضية شحنة شواحن الهواتف التي ضُبِطت بداخلها كميات من الكبتاجون وكانت قادمة عبر مطار الخرطوم فر المتهم الضابط برتبة الملازم إلى خارج السودان. حتى الآن يفلت المتهمون الأساسيون الذين يسعون لإحضار تلك الشحنات من المخدرات المختلفة إلى السودان وفي كل مرة يقود التسرع إلى إفلات تلك الأذرع من قبضة القوات النظامية، وتتم تبرئة المتهمين الذين وفي الغالب هم مخلّصون لا علاقة لهم بتلك الشحنات، وحسب القانون فإن المخلص لا يعتبر متهماً في مثل هذه الجرائم، أضف إلى ذلك أن الذين تتم محاكمتهم في الغالب هم وسطاء وفي كثير من الأحوال لا يكون الواحد منهم على علم بمحتوى الحاوية. مبلغ وقدره يبلغ سعر الطن من مخدر القنب في مصر نحو ثلاثة ملايين وثلاثمائة دولار بينما يبلغ سعر الطن منه في لبنان حوالي ثلاثة ملايين وثمانمائة دولار أما في دول الخليج فسعر الطن يصل إلى ثلاثة ملايين وخمسمائة دولار. وبحسب الوقائع، فإن لبنان تعتبر دولة منتجة للمخدرات وتقل فيها أعداد المدمنين بينما مصر تزداد فيها أعداد المدمنين والمتعاطين على الرغم من أنها دولة لا تنتج المخدرات، أما دول الخليج فتزداد فيها أعداد المتعاطين رغم السيطرة التي تضربها الأجهزة الأمنية ضد مهربي المخدرات، ولذلك فإن المافيا كانت تستهدف وصول تلك الكميات إلى الخليج. وطبقا للمعلومات فإن الكمية التي أرسلت إلى السودان في تلك الحاوية بلغت (3) أطنان و(400) كيلوغرام أي ما يعادل (12) مليون دولار. تلك الشحنة تعتبر من أضخم الشحنات على مستوى العالم إذ لم يسبق لأي مافيا أن حاولت إدخال مثل تلك الكميات إلى بلد باستثناء المافيا الكولمبية والمافيا التي تنتشر بدول أمريكاالجنوبية، ونحسب أن المافيا اللبنانية بإرسالها تلك الكمية الضخمة إنما هي تستهزئ وتستهين بالأجهزة السودانية، أضف إلى ذلك أن القيمة المالية الضخمة لتلك الشحنة لم تكن لتفرط فيها تلك المافيا ما لم تجد دعماً ومساندة من داخل السودان. يبدو أن مافيا جنوبلبنان وجدت لها ذراعاً داخل السودان ساندتها في عملية إرسال تلك الشحنة ولعل هنالك عنصراً متورطاً في هذه القضية ستكشف عنه التحريات لاحقاً، فما درجت عليه العصابات العالمية هو استهداف أنظمة الدول وتكوين أذرع قوية لها في كل دولة تساعدها في تمرير أجندتها وتسويق بضاعتها ولعل سياسات العصابات العالمية هي تجنيد الساسة والمسئولين وتجنيد الموظفين المرتشين لمساعدتهم في هذه المهمة وفي كثير من الدول نجد أن مافيا المخدرات تقوم بتمويل الحملات الانتخابية وتمويل الأنظمة السياسية وإقامة مشاريع الدولة وتمويلها كما يحدث في دول أمريكا اللاتينية. العصابات المنظمة لديها قواعد وقوانين تحكم عملها وتبدو تلك القواعد والقوانين أشبه بقواعد وقوانين (الموساد) والتي تبنى على تصفية أي ذراع والتخلص منها في حال اكتشافها أو إبعادها عن قبضة الأجهزة الأمنية للدولة المعنية، إلا أنها في حال تصفية عنصر من تلك الأذرعة يتم التكفل بأسرته وتبنيها كنوع من أنواع الوفاء أو التعويض للأسرة، وفي أحايين أخرى يتم تسهيل عملية هروب الذراع إلى خارج الدولة التي ضبط داخل حدودها كما في حالة المتورط في قضية شحنة الكبتاجون، وحتى لا تتفكك المنظومات الإجرامية نجد أنه من الصعب الوصول إلى الرأس المدبر نسبة لوجود حلقات متعددة أسفله وما لم تتمكن الدولة من اجتثاث تلك الحلقات لن تستطيع الوصول إلى الرأس المدبر، ونجد أن مثل هذه الجرائم العابرة للحدود يتم خلالها الاتفاق مع أطراف محددة للقيام بمهام والاستغناء عنهم نظير أموال طائلة يحصلون عليها، وذلك ما يفسر ظهور علامات الثراء الفاحش لدى بعض الأشخاص الذين ليست لديهم أنشطة ملموسة تمكنهم من الحصول على كل تلك الأموال. في حوار أجرته (السوداني) العام الماضي مع مدير الإدارة العامة لمكافحة المخدرات اللواء محمد عبد الله النعيم، أشار إلى أن حاويات المخدرات يتم ضبطها في عمل مبتور، لافتاً إلى أن إدارة المخدرات لا يهمها ضبط المادة المخدرة بقدر اهتمامها بضبط المتورط في إحضارها واجتثاث جذور من يسهل عملية دخولها للبلاد ويسعى لإفساد الشعب في وقت لفت فيه إلى حرص السلطات على أن تمر تلك الحاويات من الجمارك حتى تتمكن من ضبط الجناة الحقيقيين المتورطين في القضية، إلا أن الضبط المبكر، وكشف تلك الحاويات من قبل الجمارك يفسد طريق الوصول إلى المتهمين الأساسيين ويضيع الخيوط التي كان من الممكن أن تقود إليهم. وأضاف اللواء النعيم أن جريمة المخدرات لا تثبت أمام المحكمة إلا عندما يتم ضبطها بحيازة المتهم لذلك تمت تبرئة المتهمين في كل القضايا السابقة لأنهم ليسوا المتهمين الحقيقيين، ففي كل الحاويات التي ضبطت مؤخراً لم يتم ضبط أي متهم حقيقي واحد فيها وكل من يتم ضبطهم ليسوا سوى وسطاء تخليص. ومضى اللواء النعيم يقول في متن الحوار، إن تلك الحاويات يكون في انتظارها بالداخل متهمون أجانب يعاونهم سودانيون ارتضوا لأنفسهم جمع المال وقدموا منفعتهم الشخصية على المنفعة العامة وغرقوا في الثراء الحرام رغم أن تاريخهم المالي يشهد بأنهم لم يكونوا يمتلكون المال، لافتاً إلى أن إفلات المتهمين الأساسيين في تلك الحاويات يساعد في انتشار وتزايد عمليات ترويج المخدرات ودخول أنواع مستحدثة من المخدرات يُخشى على الشباب منها. ويرى الخبير القانوني مجاهد عثمان أن الإدانة في بلاغات المخدرات تحديداً تتوقف بصورة أساسية على التلبس (الحيازة) وما يحدث في حاويات المخدرات التي وردت للبلاد مؤخراً فهو عمل منظمات إجرامية عالمية وهو عمل مخطط ومرتب له ولديهم أذرع تساعدهم في دخول هذه المخدرات عبر الموانئ وتلك المنظومات الإجرامية تعتبر منظومات تتصف بالذكاء ولديها رؤوس أموال طائلة، ومثل تلك الشحنة باهظة الثمن لم يكن للمافيا أن تضحي بها ما لم تجد مساعداً قوياً لها في الداخل. ويضيف الخبير مجاهد أن تلك المنظمة لديها أسواق نشطة داخل السودان وخارجه، وإلا لما كانت أدخلت تلك الكميات الكبيرة من المخدرات أضف إلى ذلك أن استهداف تلك المافيا لدول الخليج وإرسال تلك الشحنات عبر السودان يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن هنالك عناصر متورطة كانت ستسهل عمليات الدخول والعبور، فضلاً عن ذلك فإن هناك جرائم مصاحبة لتلك الجريمة من ضمنها جريمة الرشوة خاصة للموظفين والمسئولين الذين سيسهلون عملية الدخول والخروج. إن عملية ضبط وكشف حاويات المخدرات قبل وصولها للرأس المدبر هو يعتبر أمرا ناقصا واستعجالا من قبل الجمارك، ولفت مجاهد إلى أن عملية الكشف عن وجهتها النهائية ليست صعبة لأن عمليات الشحن البحري تتم وفق قوانين البحار وتكون معروفة الوجهة لذلك كان الأجدر أن تترك تلك الشحنات تعبر ويتم تسليمها تسليماً مراقباً. يقول مجاهد إن القانون ليس ضعيفاً وليس فيه ثغرات وهو رادع جداً وتصل فيه العقوبات إلى السجن المؤبد أو الإعدام أحياناً، إلا أن الضعف دائماً يحدث في حلقة التحريات أو الضبط والقبض، لذلك على السلطات الجمركية أن توحد جهودها وتنسق تنسيقا متكاملا مع الأجهزة الأمنية والنظامية الأخرى حتى تتمكن من الإيقاع بالرأس المدبر للقضاء على تلك الجريمة التي تمثل مهدداً أمنياً قومياً للبلاد.