نائب رئيس الوزراء ووزير الاستثمار مبارك الفاضل المهدي كشف عن وجود أذرع خفية من الداخل والخارج تنسق لإحداث اضطرابات اقتصادية تترتب عليها أزمة سياسية في وقت لم يستعبد فيه وجود عمل مخابراتي يشرف على هذه العملية. وأشار الفاضل في تصريح ل(السوداني) إلى عدم وجود أسباب موضوعية لارتفاع أسعار العملات الأجنبية، وأوضح أن هذا الارتفاع لا يتناسب مع حركة السوق ولم يستبعد الفاضل وجود عمل مخابراتي يشرف على عملية تخريب الاقتصاد الوطني؛ وأشار إلى أن الأزمة بدأت بإطلاق الشائعات بالحديث عن اعتقال النائب الأول للرئيس بكري حسن صالح وعودة علي عثمان إلى جانب التشكيك والهجوم على الموازنة والدعوة للمظاهرات، وقال: كل ذلك تسبب في تهاوي الجنيه وارتفاع غير مبرر للنقد الأجنبي، مشيراً إلى أن ما يحدث في السوق الموازي مضاربات وصفها بالوهمية. حديث مبارك الفاضل، تبعته تصريحات للنيابة العامة عن اعتزام أجهزة الدولة قيادة حملات مكثفة بالتعاون مع نيابة حماية المستهلك لمراقبة الأسواق واتخاذ كافة الإجراءات ضد الذين يمارسون الغش التجاري والاحتكار وتهريب الذهب، والذين يعملون على تخريب الاقتصاد الوطني. مناخ التصريح سبق تصريحات الفاضل أيضاً قرارات أصدرها بنك السودان المركزي بإيقاف نشاط عدد من الشركات العامة والخاصة من التعامل المصرفي لعدم التزامها بسداد حصائل الصادر وتبعها تأكيد قوى من رئيس الجمهورية بملاحقة هذه الجهات لاسترداد كل حصائل الصادر بجانب قراره بتفعيل قانون "الثراء الحرام"، وهو ما يشير لحزمة من التدابير والإجراءات التي شرعت مؤسسات الدولة في اتخاذها لإيقاف عملية التدهور الاقتصادي، ولكن هل هذه الإجراءات تكفي لإيقاف ما يراه الفاضل أنها عملية لأذرع داخلية وخارجية لتخريب الاقتصاد! حروب قذرة حديث نائب رئيس الوزراء عن عدم استبعاده وجود أجهزة استخبارية خارجية تشرف على عملية تخريب الاقتصاد الوطني، ربما يقع بين فرضيات عدة، أهمها أن مثل النوع من العمليات الاستخبارية لا يكون في العادة مرئي ولا تتحدث عنه الأجهزة الرسمية في الوسائل الإعلامية حتى وإن كانت مدركة لتداعياته أو ملمة بخيوطه، وهناك تجارب عدة استخدمت فيها الدول أذرعها الاستخبارية لهدم دول أخرى من الداخل، سواء بعمليات تجنيد من داخل الأهداف التي تود إصابتها أو عبر عمليات خارجية، وهو ما يعرف بحروب الوكالة التي تستخدم فيها الدول المعادية ضرب المصالح الحيوية وتعطيل العلاقات الخارجية. أما أن تعمل الجهات التي لم يسمها نائب رئيس الوزراء في عملية تخريب للاقتصاد الوطني بالداخل، فهذا ربما يعني استخدام آخر الأوراق لإنهاء اللعبة الاستخبارية كخيار بديل لفشل خطط وأعمال عدائية أخرى أو لأنه لم يحالفها الحظ أو أنها أبطلت بعمل مضاد، فتعمل على إسقاط الحكومة بتحريك الجهات المعادية لأصابعها على لعبة (البوكر) من خلال تفجير الأزمات الداخلية التي تمهد لانهيار الدولة كخيار أخير. محركات عدائية ما يحدث ربما كان مرتبطاً أيضاً بالتحولات الإقليمية والدولية الهائلة، فالمشهد في الوجهتين يمور بتحركات متعددة عملت على وجود محاور متعددة، فتتكامل هذه المحاور في بعض القضايا وتتباعد رؤاها في قضايا أخرى، وفي خضم هذه التحولات شهد السودان الكثير من المتغيرات التي طرأت على علاقاته الخارجية، منها انتهاجه سياسة جعلته في قلب المحور العربي الجديد ومثلت لآخرين استدارة كاملة عن محاور سابقة، رغم إعلان السودان على لسان عدد من كبار المسؤولين عدم قناعته بسياسة المحاور ووقوفه عند نقطة الحياد في كثير من القضايا، إلا أن هذا الحياد فيما يبدو لم يرضِ كثيرين في الإقليم وخارجه، لكن السودان باعتقاد العديد من المراقبين نجح في تحقيق مكاسب وطنية متعددة من خلال التحول الذي حدث في مسار علاقاته الخارجية من بينها الحوار المباشر مع الولاياتالمتحدة الذي أفضى لرفع العقوبات الاقتصادية بجانب حوار سوداني روسي جديد وزيارة الرئيس التركي للبلاد، وبحسب أولئك المراقبين فإن هذه المسارات المتعددة من شأنها تحقيق استقرار سياسي واقتصادي سيؤثر كثيراً في توازن القوة الإقليمية، وربما كانت هذه الأسباب مجتمعة أثارت قلق بعض الجهات الخارجية فقررت بعثرة اوارق السودان لإيقاف ما يحدث بداخله من تحول إيجابي متوقع. الأزمة داخلية من زاوية أخرى يمكن النظر لحديث نائب رئيس الوزراء مبارك الفاضل بأنه محاولة لإثارة المخاوف واتهام جهات خارجية تنسق معها جهات داخلية للإضرار بالاقتصاد بأنه محاولة لتغطية فشل حكومة الوفاق الوطني والفريق الاقتصادي الذي يقوده مبارك الفاضل وعجزها المتلاحق عن إدارة الأزمة الاقتصادية بتوفير بدائل وجلب استثمارات وقروض أو منح خارجية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي. وهنا يرى الخبير الإقتصادي د.محمد الناير أن أي دولة لديها إمكانيات وقدرات اقتصادية يفترض أن يكون لديها القدرة لتحقيق استقرار اقتصادها ولا يرمى اللوم على أطراف خارجية. وشدد الناير على ضرورة أن يتحمل الفريق الاقتصادي مسؤوليته كاملة لما وصلت إليه الاوضاع، ويُجري المعالجات اللازمة التي تحدُّ من استهداف البلاد داخليا وخارجيا وللبلاد أجهزة أمنية يمكن أن تقوم بهذا، ويقول إن كل الاقتصاد يحتاج لسياسات محفزة وليس وضع اتهامات هنا وهناك لجهة أن الاستهداف لن يتوقف وربما ويؤكد الناير أن موازنة العام 2018 جاءت مختلفة وبها زيادة غير مسبوقة في الإنفاق العام وجرعة الزيادة في توحيد سعر الصرف (18) جنيهاً كسعر تأشيري و(20) لنطاقه الأعلى و(16) حده الأدنى، وأن ذلك انعكس على زيادة الدولار الجمركي بحوالي 160 بالمائة وانعكس على زيادة الأسعار وبالتالي على الدولار الجمركي وعلى ما يدور بالموانئ البحرية حاليا وإذا كان الأمر يتطلب إعادة النظر في الموازنة يجب أن يعاد النظر.