من يقرأ الجدل الكثيف حول شكل الدولة السودانية المراد إقامته بين دعاة الدولة العلمانية ودعاة الدولة الدينية يظن واحدا من اثنين الأول أن هناك دولة إسلامية فعلا – كانت وما زالت – قائمة في السودان يجب الدفاع عنها والجهاد دونها حتى لا تسقط والثانى ان بعض المسلمين وغير المسلمين حقوقهم مهضومة داخل هذه الدولة المزعومة للدرجة التي كانوا يحاربون فيها بالأمس ويفاوضون اليوم لإزالتها! * إنك ان سألت اي مسلم بل اي أخ مسلم (كوز كامل الدسم) هل كانت الدولة في عهد الإنقاذ إسلامية على الأقل في تصوره هو، فسيقول لك (لا) وان سألت اي مسيحي أو يساري هل واجه يوما في الماضي أو الحاضر اي مشكلة في أداء عباداته او معاملاته في السودان أمس او اليوم فسيقول لك (لا) هذا طبعا ان كانا من الصادقين والموضوعيين. * صحيح ان هذا الحديث ليس على إطلاقه ولقد كانت بالأمس وما زالت اليوم هناك بعض القوانين وبعض الإجراءات بل وبعض الثقافات التي تحد من حرية وحقوق بعض الأشخاص وتتلبس لبوس الدين أو حتى اللادينية ولكنها ليست بالدرجة -لا أمس ولا اليوم – التي تجعلها شغل أهل السودان الشاغل لدرجة خوض الحرب او تقرير الانفصال بسببها ! *ظاهر التدين في السودان شكلاني كما هو ظاهر الفجور أيضا وتعصب بعض من أهل السودان لهذا الموقف او ذاك لا يختلف عن التعصب في تشجيع كرة القدم بجدية مع أنها في الآخر مجرد لعبة او الانفعال الزائد مع أحداث فيلم سينمائي وهو في النهاية تمثيل. *ما الذي سيتغير في واقع السودانيين اليوم او غدا إن هم اتفقوا على كتابة ان دين الدولة في الدستور هو الإسلام او لم يكتبوا؟! ما الذي سيتغير ان هم قالوا في الدستور ان هوية الدولة عربية او إفريقية ؟! ما هو الإنجاز الذي سيتحقق ان ثبتنا في الدستور أن دولتنا إسلامية او علمانية ؟ !كتبنا أن لغتها الرسمية العربية او لغة الراندوك؟! ما الذي سيتغير ايجابا في حياة السودانيين لو تم الاتفاق حول هذه الأمور ولا أقول القضايا ؟! * ما هو المشروع الأهم للسودانيين اليوم مشروع سياسي ديني أو لا ديني ام مشروع الجزيرة مثلا ؟! لماذا كل هذا الاهتمام بأشياء افتراضية وتجاهل أشياء واقعية ؟! الحقيقة هو ليس اهتماما إنما هو مزايدة واستغلال للمشاعر سواء كانت مع الدين او في مواجهته. ! * لماذا نسخر ونستغرب جدل الشيعة حول الخلافة وأيهم كان أحق بها قبل الآخر سيدنا أبوبكر ام سيدنا علي؟ سيدنا عمر ام سيدنا علي ؟سيدنا عثمان ام سيدنا علي؟ جدل وجلد للأبدان حد الإدماء اليوم ولو بعث المختلف عليهم لسخروا منه. ! * يفهم في الدول التي لا تعاني مشكلاتنا مثل هذا الجدال وفي المجتمعات التي حققت حد الكفاية مثل هذه النقاشات ان كان لديها فضول أوقات على الأرض او في (النت). * أن السودان لم يتأخر بسبب الدين حتى يتقدم بالعلمانية ولم يكن قبل دولة الدين المزعومة دولة علمانية مجيدة على البعض استعادتها –الحقيقة لم يكن هناك قديم حتى يكون هناك جديد. ! * ان من يدعو للدولة العلمانية اليوم ومن يدعو للدولة الدينية إنما يدعوان للخلاف فقط ومن يتبع هذا او ذاك فهو إما غشيم او مستفيد. * الحل في رأيي ان نسكت عن هذي الأشياء ونتوقف عن الإدعاء. -* نعم (نسكت بس !) وليتنا سكتنا للأبد !!