ديسالين لم يُخْفِ في خطاب استقالته أمام البرلمان الإثيوبي أمس الأول، أن سبب الخطوة هو الاضطرابات والأزمة السياسية التي أدَّت لسقوط قتلى ونزوح الكثيرين، معتبراً أن استقالته ضرورية لتنفيذ إصلاحات من شأنها أن تؤدي للسلام الدائم والديمقراطية. الفراغ الدستوري الذي تتسبَّبُ فيه الخطوة بدا همَّاً لديسالين، فأكد مزاولته مهامّه إلى حين قبول الاستقالة من البرلمان الإثيوبي والحزب الحاكم، وتعيين بديل جديد، متمنياً أن تُقبل الاستقالة. مبررات الخطوة كثيرون أرجعوا خطوة ديسالين لما ذكره في خطابه، بأن يكون جزءاً من حل الأزمة السياسية في بلاده، بيد أن المختص في شؤون القرن الإفريقي والمهتم بالحالة الإثيوبية عبد المنعم أبو إدريس يذهب في حديثه ل(السوداني) أمس، إلى وجود سببين رئيسين لإقدام رئيس الوزراء الإثيوبي على خطوته في هذا التوقيت: الأول تعرضه لضغوط من قِبَلِ الائتلاف الحاكم وتقديمه كبشَ فداءٍ في محاولة لاحتواء الأزمة، وفي سبيل استقرار إثيوبيا ككل؛ والثاني أن الأزمة لم تُفلِح جميع أشكال الحلول في إخمادها، بل تزايدت وبلغت حدَّ أن يحدث شللٌ مُعلنٌ في إقليم الأرومو. من العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، لم يكن تشريح الكاتب الصحفي الإثيوبي أنور إبراهيم بعيداً عن تحليل أبو إدريس. واستبعد أنور في حديثه ل(السوداني) أمس، أن يكون دافع استقالة ديسالين الأحداث الأخيرة، وأضاف: "الأحداث والأزمة مُستمرَّة منذ العام 2015م، وفي ظل تزايد التحديات الداخلية والخارجية". وفي الوقت الذي يرى فيه أبو أدريس، أن الاستقالة تجيء بفعل الضغوط؛ كان أنور يعتبر الاستقالة ردَّ فعلٍ على الحراك التجديدي الواسع -بحسب تعبيره- الذي اكتنف الائتلاف الحاكم ومؤسسات الدولة الإثيوبية. ودلل الكاتب الإثيوبي على تحليله بالتغيُّرات التي شملت مواقع عناصر ووزراء الأحزاب الفرعية. من يخلف ديسالين؟ سؤال الخلافة بدا مُثيراً لتوتُّر الكثيرين، خاصةً أن المناخ الذي جاءت فيه خطوة الرجل لم يكن عادياً، فأديس أبابا تشهد العديد من التوترات بفعل استفحال الأزمة السياسية وتزايد الاحتجاجات، وهو ما أدى إلى محاولة امتصاصها عبر إطلاق سراح كثيرٍ من المعتقلين بهدف إرضاء الشارع وتهدئته. وطبقاً لإبراهيم، فإنه حتى الآن لم يبرز أيُّ حديثٍ عن قبول البرلمان الإثيوبي استقالة ديسالين، وبالتالي غياب أي اسم مرشح لخلافته حال تم قبول الاستقالة. وكشف أنور عن أن النظام الإثيوبي مُرتَّب، ويُحدِّدُ تلقائياً من يخلف رئيس الوزراء حال تُوفِّي أو استقال في شخص نائب رئيس الوزراء لإكمال ما تبقَّى من فترته، وأضاف: "طبقاً لذلك، فإن من يخلف ديسالين، هو دمقي مكونن نائب رئيس مجلس الوزراء الإثيوبي، ونائبه في الحزب"، وقطع بأن ذلك هو المتوقع حدوثه. ودلل إبراهيم على ذلك بخلافة ديسالين نفسه لرئيس الوزراء السابق ميليس زيناوي. فرضية أن يخلف دمقي مكونن باعتباره نائب رئيس مجلس الوزراء ديسالين، بدت منطقيةً في ظلِّ المشهد الإثيوبي، بيد أن ثمة استثناءً يفرض نفسه ويتمثَّل في حال كان هناك خلافٌ في الحزب الحاكم أو الشركاء، وهو ما أكده أنور إبراهيم، واستدرك: "يمكن في هذه الحالة الاتفاق على شخصية جديدة تُقدَّم كرئيس وزراء"، مضيفاً: "بيد أن الخطوة الأخيرة في ذلك الخيار تتوقَّف على حراك الحزب داخلياً". الوضع حالياً وطبقاً للتفاعلات الداخلية في إثيوبيا، منذ إعلان ديسالين استقالته، فإن الحزب الحاكم وافق على قبولها في سياق موقعه الحزبي، بيد أن حسم الاستقالة على مستوى الدولة يختصُّ به البرلمان الإثيوبي. وطبقاً لأنور فإن الحزب الحاكم أو الائتلاف الحاكم في أديس أبابا، وحتى اللحظة لم يُقدِّمْ بديلاً، ما يعني أن الحزب حالياً يقوده نائبه مكنن. وبحسب معلومات (السوداني)، فإن الحزب الحاكم هناك ومنذ الأمس دخل اجتماعات، الأمر الذي يشي بأن ال48 ساعة القادمة ستشهد تطورات جديدة. فيما كشف أنور عن أن الأحزاب المؤتلفة مع الحزب الحاكم أو ما يُعرف بالأحزاب الفرعية عقدت اجتماعات لتقييم الموقف، وأضاف: "ما تزال تلك الاجتماعات متواصلة"، قاطعاً بأن الساعات القادمة ستشهد تطورات خاصة حول المنصب عما إذا كان سيخلف ديسالين نائبه أم شخصٌ جديدٌ من داخل الحزب، وهو ما يُقرِّرُه الائتلاف الحاكم، بينما يقتصر دور البرلمان على إقرار وقبول الاستقالة. احتمالات الهزّات أديس أبابا، بدت مُحصَّنةً من أيِّ هزّات بسبب استقالة رئيس وزرائها المباغتة، إذ سبق وفقدت على حين غرة رئيس وزرائها ميلس زيناوي الرجل الذي ترك بصمته في قلوب الأفارقة عامة والسودانيين خاصة. حالياً أعلنت حالة الطوارئ لفترة لم تُحدَّد، وهو أمر لم يُؤكَّدْ بعد، بحسب الكاتب الصحفي الإثيوبي، وأضاف: "حتى الآن لم يصدرْ أيُّ بيانٍ وإن كان مُتوقَّعاً بين لحظة وأخرى". ويرى أنور أن الوضع على المستوى الداخلي مُستقرٌّ جدَّاً، مُبرِّراً لذلك بأن استقالة رئيس الوزراء لم تأتِ كمُحصِّلةٍ للأحداث الأخيرة، وإنما لعوامل ترتبط بعددٍ من القضايا الداخلية والخارجية، مؤكداً أن إثيوبيا لا يديرها أشخاصٌ، وإنما مؤسسات بدءاً بالحزب الحاكم، قاطعاً بأن كل ما يحدث حالياً هو ترجمة عملية لما أكَّده الحزب في الفترة الماضية، من أن قيادته تُعاني الضعف. وأشار أنور إلى أن هذا الأمر تم الإعلان عنه بوضوح عقب التقييم الأخير في يناير الماضي، وأضاف: "كل ذلك انعكس على الحكومة لتدخل بدورها في سياق عملية تقييم مستمرة، وبناءً على ذلك صدر بيان وقتها أكدت فيه الحكومة عزمها إطلاق سراح السجناء، وأن ثمة تعديلات سيتم إجراؤها بيد أن البلاد انشغلت بالأحداث". واعتبر أنور أن الفريد في الأمر، هو أن الحزب الحاكم يعمل على إجراء تقييم في كل مرحلة بمعدل تقييم كل 3 أشهر، ويبحث عن العثرات والمشكلات والحلول. ويرى أنور أن ديسالين استقال وفي ذهنه التصريحات الأخيرة للحزب التي قالت إن هناك ضعفاً في بعض القيادات والمسؤولين، وأضاف: "أعتقد أنه منذ تلك الفترة ثمة خلافات داخلية حول تصحيح المسار، وهو ما قاد إلى التطورات الأخيرة". موقف التحالفات (لا تأثير للخطوة).. يبدو أن العبارة تُلخِّص عملياً تصريح اللجنة التنفيذية للجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي - الحزب الحاكم المُكوَّن من 180 عضواً - لدى قبولها استقالة رئيس الوزراء هيلي ماريام ديسالين من منصبه كرئيس الوزراء ورئيس الحزب، ونقلت تقارير إعلامية عن رئيس مكتب الحزب الحاكم شفراو شغوطي أمس، أن طلب استقالة رئيس الوزراء من منصبه ليس له أي تأثير على الحزب والحكومة. من جانبه يرى أبو إدريس أن ما يعتمل في أديس أبابا حالياً، يمكن أن يعصف بها، لجهة أن النظرة التقليدية لإثيوبيا مرتبطةٌ بأنها واحة استقرار في منطقة مضطربة جداً، وأضاف: "لقد سعت لتطبيق الفيدرالية الإثنية، وأن تجعل الجميع يحكمون أنفسهم بأنفسهم، بيد أنهم في تلك التجربة كانوا بعيدين عن الأزمات الحقيقية". وقطع أبو أدريس بأن الاضطراب الحالي يمكن له أن يهز ويشوِّش على صورة إثيوبيا إقليمياً ودولياً ناهيك عن تحالفاتها وائتلافاتها الداخلية، الأمر الذي سيُؤثِّر على المنطقة ككل. وطبقاً للوقائع، فإن الحكومة الإثيوبية مكونة من مجموعة أحزاب مؤتلفة في الائتلاف الحاكم، الأمر الذي يعني أنه لا تأثير لاستقالة ديسالين على خارطة تحالفات الحزب الحاكم هناك. وبحسب أنور، فإن الحزب الحاكم في إثيوبيا متحالفٌ مع أربعة أحزاب ائتلافياً، هي الأورومو، والأمهرا، والجنوب، والتقراي، وأضاف: أما الأحزاب الأخرى فتُسمَّى الأحزاب المُتضامنة مع الحزب الحاكم، وتتَّفق معه في أن تكون شريكة وعددها لا يتجاوز 4 إلى 5 أحزاب، أبرزها حزب الصومال وعفر وبعض الأحزاب الأخرى من بني شنقول؛ قاطعاً بأن استقالة رئيس الوزراء لن تؤثر لجهة أن الحزب الحاكم ما يزال مسيطراً على ائتلافاته، وأضاف: "بل ربما سيحاولون إصلاح خطواتهم بمزيدٍ من الأحكام والفاعلية والتنسيق، وأن يُعالجوا مشكلاتهم الداخلية طبقاً لبيانهم الصادر في يناير الماضي على خلفية اجتماعات استمرَّت منذ أواخر ديسمبر العام الماضي وحتى 20 يناير المنصرم، ليوضح البيان مواقع الضعف في الحزب الحاكم والحكومة والتحديات التي تواجهها". ملفات خارجية التحليلات تذهب إلى أن قوة إثيوبيا تُترجَم عملياً في مواقفها الواضحة تجاه الملفات الخارجية، بيد أن تلك الفرضية تسقط في نظر عبد المنعم في ظل تطور الأزمات الإثيوبية وغياب الحلول المنطقية؛ بينما يرى أنور أن إثيوبيا بعد وفاة ميلس زيناوي توقع لها الكثيرون أن تتراجع على المستوى الانفتاح الخارجي وفي علاقاتها الخارجية، وأضاف: "بيد أنه من الواضح عقب ميلس واصلت إثيوبيا بشكل ربما أكثر قوةً وإحكاماً في علاقاتها الخارجية وتطورت، فإثيوبيا تُدار بحزبٍ وليس بفرد".