كما فعل من قبل طرح رئيس الوزارء د. عبدالله حمدوك رؤيته الاقتصادية للتنمية في السودان، في الجلسة الثانية في اليوم الاول للمؤتمر الاقتصادي القومي والتي جاء عنوانها: الإطار العام للدولة التنموية الديمقراطية ومكونات برنامج الحكومة، وفِي متن تفاصيل حديث سيادته عن تجارب بعض الدول الناجحة تطرق الى تجربة النمور الآسيوية ومن ضمنها ماليزيا. بعد ان استمعت وشاهدت حديث الدكتور حمدوك رجعت بي الذاكرة الى دراسة مقارنة كنت قد كتبتها في العام 1998 لاستفادة السودان من التجربة التصنيعية لماليزيا، اتتني الفكرة مباشرة بعيد الحصول على درجة الماجستير في التنمية الاقتصادية من جامعة ال UPM الماليزية حيث كانت رسالة الماجستير في تقييم استراتيجيات التنمية الماليزية ومقارنتها بتجربة النمور الآسيوية الناجحة التي سبقتها. عند دراستي العميقة لاقتصاديات النمور الآسيوية اداني دافع الى المقارنة بين الاقتصاد الماليزي والسوداني، خصوصا ان بداياتها تشبه الى حد كبير وضع الاقتصاد السوداني في ذلك الوقت، فرأيت هنالك امكانية للاستفادة من هذه التجربة الرائدة. ماليزيا كانت في خمسينيات القرن الماضي تعتمد اعتمادا كليا على الزراعة، وتصدير السلع الأولية وتقوم بالكامل باستيراد السلع الاستهلاكية والوسيطة. تبنت الدولة في 1955 سياسة إحلال الواردات والتي أثبت فشلها في اقل من عشر سنوات حيث خلصت القيادة السياسية الماليزية الى ضرورة إحلالها باستراتيجية تنموية طويلة المدى لمدة خمسين عاما (تقيم كل خمس سنوات) بدأت في العام 1970 بهدف رئيسي لها هو ان تكون ماليزيا دولة صناعية كبرى بالعام 2020. فلذلك قامت بتحويل استراتيجية تنمية الاقتصاد من الاعتماد على إحلال الواردات بأخرى تكون أكثر توجهاً نحو تشجيع الصادرات. لم يسهم تبني الدولة استراتيجية طويلة المدى نحو تشجيع الصادرات دورًا مهمًا في عملية التنمية فحسب، بل أدت أيضا إلى تحول هيكلي كبير في الاقتصاد في العام 1986. عند مقارنة متغيرات الاقتصاد الكلي (الناتج المحلي الإجمالي، والعمالة، والتصدير، والاستيراد، وحصص القيمة المضافة) بين السودان وماليزيا خلال الفترة من 1950 إلى 1996 خلصت الدراسة المقارنة انه رغم عن بعض الفروقات بين البلدين إلا أن السودان يمكن أن يتبنى تجربة استراتيجية التصنيع الماليزية طويلة المدي التي ستسهم في تحويل السودان من دولة تعتمد على الزراعة الى دولة صناعية رائدة. نتمنى من الحكومة الانتقالية السير قدما في عمل وتنفيذ هذه الخطة الاستراتيجية طويلة المدى حتى تتحقق التنمية الاقتصادية التي يرغب فيها الجميع….