يسير السودان بخطي حثيثة نحو تحقيق التنمية الاقتصادية والصناعية والاجتماعية والاستقلال الأمثل للموارد الطبيعية والبشرية وذلك بعد تحقيق السلام والوصول بالبلاد إلى مرحلة الأمن والاستقرار والذي يعتبر أهم عوامل التنمية الاقتصادية ويحاول السودان أن يقتبس من تجارب الدول التي حققت التنمية الاقتصادية والصناعية في بلدانها. وفي هذا الإطار تأتي زيارة رئيس الوزراء الماليزي السابق مهاتير محمد صاحب النهضة الماليزية إلى الخرطوم لعكس هذه التجربة ، وقد نظمت مؤخراً وزارة مجلس الوزراء بالتنسيق مع وزارة الخارجية ملتقي حول التجربة الماليزية (أنموذج للدراسة والتطبيق) . وكما تأتى هذه الزيارة في إطار تطور العلاقات السودانية الماليزية السياسية والاقتصادية. العلاقات السودانية الماليزية في المجال السياسي :-تطورت العلاقات السودانية الماليزية بشكل كبير بعد افتتاح السودان لسفارته في كوالالمبور في ديسمبر 1990م ، حيث كان التعاون السوداني الماليزي محصوراً في إطار المنظمات الإقليمية والدولية منذ السبعينات على الرغم من التبادل الدبلوماسي غير المقيم بين البلدين. وفي أطار تنمية العلاقات بين السودان وماليزيا ، قام الرئيس عمر حسن البشير في يونيو 1991م بزيارة إلى ماليزيا ، حيث تم خلال هذه الزيارة التوقيع على اتفاقيتين في مجال تنمية التعاون الاقتصادي والعلمي ومجال العلاقات الثقافية ، كما قام وزير الخارجية آنذاك على عثمان محمد طه بزيارة إلى ماليزيا في مايو 1996م ، إلى جانب ذلك قام وزير الدولة بوزارة الخارجية بزيارة إلى ماليزيا في أغسطس 1996م . كما قام بالمثل الجانب الماليزي بالعديد من الزيارات إلى السودان ، فأرسل رئيس الوزراء الماليزي في فبراير عام 1997م مبعوثاً شخصياً له لزيارة الخرطوم ، كما شارك وزير الخارجية الماليزي في الاحتفال بالتوقيع على اتفاقية الخرطوم للسلام في أبريل 1997م. وفي إطار ختامي العلاقات قام رئيس الوزراء الماليزي السابق مهاتير محمد بزيارة إلى السودان في أغسطس 1996م ، وكما قام وزير الداخلية الماليزي محمد يوسف عبدالرحمن في 22 يوليو 2003م بزيارة إلى الخرطوم ، وفي 28 يونيو 2002م قام وزير الخارجية الماليزي بزيارة السودان ، وفي الفترة من 9 إلى 10 سبتمبر 2003م قام وزير الزراعة الماليزي بزيارة غلى السودان سلم خلالها دعوة الرئيس البشير للمشاركة في قمة المؤتمر الإسلامي التي تنعقد في كوالالمبور . كما قام الرئيس البشير بزيارة ماليزيا في إطار مشاركة السودان في مؤتمر قمة عدم الانحياز الثالثة عشرة والتي انعقدت في كوالالمبور في ابريل 2005م . العلاقات في المجال الاقتصادي :- بدأت العلاقات السودانية الماليزية في المجال الاقتصادي تنمو وتطور منذ زيارة الرئيس البشير إلى ماليزيا في العام 1991م بالتوقيع على عدد من البرتوكولات الاقتصادية . بجانب مذكرات التفاهم بين المسئولين في بنك السودان ووزارة الطاقة والتعدين ووزارة التجارة مع شركة كمبولان الماليزية في ابريل 1995م غطت بعض مجالات الاستثمار وتشجيع القطاع الخاص الماليزي للاستثمار في السودان . فقامت ماليزيا بتقديم فرض سلعي للسودان بلغ 25 مليون دولار ، كما بدأت الشركات الماليزية الدخول إلى السودان ، فدخلت شركة برتوناس للاستثمار في مجال التنقيب عن البترول في السودان ، إضافة إلى دخول بعض الشركات في مجال تعدين الذهب وإنشاء محطتين لتوليد الكهرباء وفي مجال السياحة وكما تم التوقيع على عدد من البرتوكولات الاقتصادية أثناء زيارة وزير المالية إلى ماليزيا في مارس 2002م ، ومنها التوقيع على مذكرة تفاهم بين بنك السودان وبنك الصادر والوارد الماليزي وكان السودان وماليزيا قد وقعا في فبراير 2001م على اتفاقية التعاون التخطيطي لنقل التكنولوجيا عبر المشاريع المتفق عليها بين الجانبين في مجالات التعليم العالي والتنمية الصناعية والطرق والمواصلات والنقل . وكما انعقدت اللجنة الوزارية المشتركة بين البلدين في الخرطوم برئاسة وزيري الخارجية في الفترة من 28 إلى 29 يونيو 2002م وتم فيها الاتفاق على إزالة العوائق التجارية وتسهيل التجارة والاستثمار وزيادة حجم التبادل التجاري وتبادل المعلومات حول السلع والمنتجات الضرورية وتنشيط مشروع زيت النخيل والتعاون في تطوير القطاع الصناعي في السودان. وكما التزمت ماليزيا ببناء محطة الطاقة الخاصة بسد مروى حيث استفاد السودان من الحصول على قروض لبناء جسم السد. وتم الاتفاق في 19 ديسمبر 2003م الاتفاق بين شركة ترانزافريكا دبلوي كوربورشن الماليزية وهيئة السكة حديد الوطنية بتأهيل وبناء خط السكة حديد الرابط بين الخرطوم ، سنار ، القضارف ، كسلا وهيا والبالغ طوله 1066 كلم . كما قامت ماليزيا بتقديم قرض بمبلغ 50 مليون دولار لدعم صناعة الزيوت في السودان. العلاقات في المجال الثقافي:- تم عقد العديد من الاتفاقيات المشتركة في مجال التعاون العلمي والثقافي ، حيث تم في العام 1991م الاتفاق على التعاون العلمي بين السودان وماليزيا ، كما شارك السودان في 26 سبتمبر في المؤتمر الإسلامي الأول لتوعية الحجاج في ماليزيا والذي نظمته وزارة الحج السعودية ، وتم في فبراير 2001م الاتفاق على نقل التكنولوجيا في مجال التعليم ، كما قامت شركة بتروناس الماليزية في 21 أغسطس من عام 2004م بافتتاح تجربة المكتبات المدرسية المتجولة بهدف ترقية وتنمية عادات القراءة بين الناشئة في المدارس السودانية كما قامت الحكومة الماليزية وشركة برتوناس منذ عام 1998م بمنح السودان بعثات دراسية في مختلف المجالات في الجامعات الماليزية ومنها جامعة بتروناس للتكنولوجيا. التجربة الماليزية وإمكانية النجاح في السودان:- يمتاز السودان وماليزيا بالتشابه من حيث تعدد الإثنيات والثقافات وتنوع المجتمع والأجناس ، حيث يتكون المجتمع الماليزي من شعب الملايو والصينيون واليابانيون وأجناس أخرى ويبلغ عدد سكان ماليزيا حوالي 23 مليون نسمة ، كما يمتاز السودان وماليزيا بالإضافة إلى الموارد البشرية إلى امتلاكهم إلى الموارد الطبيعية. وبدأت التجربة الماليزية حينما صاغت ماليزيا في عام 1981م إستراتيجية أطلق عليها (النظر إلى الشرق) ومضمونها الاستفادة من التجربة اليابانية وتقليد الجوانب الناجحة تقليداً مبصراً وقال د.مهاتير محمد رئيس الوزراء الماليزي السابق في محاضرة ألقاها في جامعة دمشق أن ماليزيا قامت بالاستفادة من تجارب اليابان وكوريا ، وأوضح أنه تم الاقتباس منها على الرغم من عدم استطاعة ماليزيا تكرار تلك التجارب لاختلاف الأعراف والثقافات والأديان. ويرى العديد من الخبراء والمحللين إن الحكومة الماليزية تخطط لتجعل من ماليزيا بحلول عام 2020م بلداً صناعياً بالكامل حيث يسجل الاقتصاد الماليزي نمو اقتصادي مستديم بمتوسط سنوي مقداره 8.5% ويرجع هذا الإنجاز إلى عدد من العوامل أهمها : التحسن في إنتاجية الموارد الاقتصادية ، الإدارة الاقتصادية السليمة ، التجارية الملائمة والبيئة الخارجية المؤتية ، حيث كان الاستقرار في السياسات الاقتصادية والمشاركة في التنمية بحصول الحكومة على تأييد الشعب والإدارة الجيدة من أهم عوامل نجاح التجربة الماليزية ، وعلى الرغم من تعرض ماليزيا للأزمة الاقتصادية التي ضربت دول جنوب شرق آسيا إلا أن ماليزيا خرجت من الأزمة بنسبة نجاح كبيرة دون اللجوء إلى مساعدة صندوق النقد والبنك الدوليين وذلك عن طريق التزامها بإستراتيجية وطنية بنسبة 100% بعد أن انعدمت عملتها الوطنية (الريجنتا) نصف قيمتها مقابل الدولار ، فتم في أقل من عامين إخراج الاقتصاد الماليزي من أزمته ووضعه مجدداً ليس على طريق الإنعاش البطيء بل على طريق النمو بمعدلات مرتفعة قياساً بالدول التي تعرضت للأزمة. ويعتبر د.مهاتير محمد رئيس الوزراء الماليزي السابق البالغ من العمر 77 عاماً والذي أستمر في السلطة قرابة 22 عاماً ، وهو رائد هذه التجربة الماليزية الفريدة من نوعها في التنمية الاقتصادية والتي لم تتمكن منها أي دولة عربية أو إسلامية أخرى من إنجازها رغم الإمكانيات الضخمة لبعضها.