الحراك المختبئ بين طيات الأيام وتسارعها أفرز أسئلة متعددة عالقة في أذهان الكثيرين حول مستقبل العملية السياسية وقلق يخفيه المؤتمر الوطني من تقديم تنازلات تقود لتوافق دستوري بلا انتخابات تجعل شرعيته تحت ضغط الخصوم، وإطلالة شيطان الخلاف بينه وشركائه في الحكم، وقوى خارجية تتربص به، إن وافق على مطالب بعض أحزاب الحوار بتمديد الفترة الرئاسية والبرلمانية دون انتخابات. ثلاث لجان وأضواء خافتة: مصادر عديدة أكدت ل(السودانى) أمس، أن لجنة قانونية رفيعة المستوى تعمل بوزارة العدل لتقديم مشروع تعديلات دستورية. ولجنة أخرى سياسية قانونية تعمل بالبرلمان، وثالثة خاصة بحزب المؤتمر الوطني يقف خلفها علي عثمان. لكن بحسب المراقبين تصطدم كل هذه اللجان بمصفوفة وثيقة الحوار الوطني التي حددت آجال زمنية بنصها على وضع دستور جديد يجاز عبر جمعية تأسيسية منتخبة. بيد أن ذات المصفوفة، قررت إعادة انتخاب الولاة، الأمر الذي دفع بعض أحزاب الحوار الوطني للدفع بمقترحات محددة، أبرزها أن يتم إعداد الدستور وإجازته عبر المجلس الوطني، بزعم أن البرلمان الحالي به تمثيل واسع للقوى السياسية والاجتماعية مخافة أن يأتي برلمان ما بعد الانتخابات بأقل، وهو ما يستدعي برأيهم إجازة التعديلات الدستورية قبل عام 2020م.. من جهة أخرى، تعكف لجنة مختصة على تقليب الخيارات القانونية لبعض النصوص؛ ففي حالة انتخاب الولاة مثلاً برزت عدة وجهات نظر حول كيفية انتخاب الولاة، هل يتم مباشرة من قبل الناخبين أم عبر المجالس التشريعية أم عبر كلية انتخابية يعينها رئيس الجمهورية؟. وقد امتد نقاش هذه اللجنة المختصة لوضعية البرلمان وكيفية تمثيل القوى السياسية فيه. وبرزت أيضاً مقترحات خاصة بقانون الانتخابات بتقليص عدد مقاعد البرلمان الحالي المكون من (486) عضواً ومقترحات أخرى لزيادة نسبة التمثيل النسبي، وعدم تخصيص نسبة (25)% للمرأة وتمثيلها ضمن القوائم بجانب مقترحات أخرى حول القوائم الحزبية التي يمنع فيها قانون الانتخابات الحالي "التحالفات" بجانب نقاش محتدم حول مستوى الحكم الولائي، وعلى رأسها المجالس المحلية حيث تعتمد القوانين السارية تسمية (20) عضواً لكل مجلس محلية.. وبرزت تساؤلات عديدة حول إمكانية تفصيل الدستور حول هذه القضية وقدمت مقترحات حول مجلس الولايات وتقوية سلطاته وتقليص صلاحيات البرلمان القومي لصالحه، ومقترحات بتغيير تسمية المجالس في مستويات الحكم (مجلس وطني – مجلس ولائي- مجلس محلي) إلى جانب كيفية اختيار عضوية المجالس الولائية. مواد متوقعة: (تعديلات محدودة على مواد محددة من الدستور بجانب ترك أمر تعيين الولاة لرئيس الجمهورية).. كانت هذه أبرز المقترحات التي أعرب القيادي والقانوني في حزب المؤتمر الوطني د. عبد الرحمن الخليفة الذي فصل هذه المقترحات في تعليقه ل(السوداني)، معرباً عن أمله في أن تكون تعديلات دستورية محدودة لأن دستور 2005 المأخوذ من دستور 1998 فيه مجهود مقدر جداً، وإن كانت هناك حاجة الآن وفق المستجدات والتطورات الدستورية للوقوف لإجراء بعض التعديلات بدلاً عن الاتجاه لكتابة دستور جديد لن يأتي بجديد أكثر مما هو موجود في الدستور الحالي. ويرى الخليفة، أن أبرز التعديلات أن تُضمَّن دورات انتخاب رئيس الجمهورية والتي لابد فيها من الاستجابة لمطالب قوى الحوار الوطني والقوى الشعبية، بجانب تعديلات أخرى تعطي صلاحيات أكثر وضوحاً للمستوى المحلي، وإيجاد معادلة أكثر وضوحاً في حالة الاختصاص المشترك بين المركز والولايات ومراجعة بعض جداول الاختصاص مثل الأراضي التي يجب أن تكون من سلطات الحكومة الاتحادية وليس الولائية. ويعتقد د. عبد الرحمن الخليفة أن انتخاب الولاة التي وردت في توصيات الحوار الوطني تمثل الوضع المثالي ولكن مع ظروف السودان والجهويات الحادة فإن انتخاب الولاة يمكن أن يقود لاستقطاب حاد، بجانب أن الوالي الذي يتم انتخابه من الولاية يجنح للنأي عن المركز ويتهيأ له أن المركز لا سلطان له عليه، ولذلك من الأفضل أن يظل اختيار الولاة بيد رئيس الجمهورية لحين نضوج التجربة الاجتماعية. تعديلات عديدة شهد السودان منذ عام 1954م وحتى عام 2005م نحو (9) دساتير، فضلاً عن تعديلات عديدة أجريت على الدستور الانتقالي الحالي في 2012م و2016م و2017م. حيث أجريت عليه عدة تعديلات أهمها إسقاط النصوص المتعلقة بجنوب السودان بعد الانفصال وزيادة الصلاحيات الدستورية لرئيس الجمهورية بما في ذلك تعيين ولاة الولايات، فضلاً عن تعديلات أخرى أُجريت على ذات الدستور مع بداية تنفيذ مخرجات الحوار، كان أهمها تعيين رئيس وزراء بصلاحيات وزيادة عدد نواب البرلمان، إضافة لمفوضيات وقوانين أجازتها لجنة الحوار وقررت تمريرها بالتوافق السياسي وبعضها ما يزال ينتظر التنفيذ.. ولعل أبرز هذه القوانين (الأمن الوطني، قانون الصحافة)، وإسقاط الحصانات من بعض القوانين وتعديل بعض مواد القانون الجنائي. وأوصى الحوار الوطني بإنشاء (12) مفوضية ما تزال ينتظر تكوينها وفي مقدمتها مفوضيات الانتخابات ومكافحة الفساد والدستور الدائم، أما أبرز القوانين فهو قانون الأحزاب السياسية وقانون الانتخابات التي حددت وثيقة الحوار وجوب تنفيذها قبل الانتخابات المقبلة. تأني وعدم استعجال يعتقد الخبير القانوني د. نبيل أديب في تعليقه ل(السوداني) أن التعديلات المتعددة للدستور أمر غير مطلوب لأن الدستور وثيقة يفترض أن تكون لديها قدسية وإلزام، ويشير إلى أن الدستور الانتقالي لم يعد بالطريقة التي يفترض أن تتم بها الدساتير لأنه تم بين الشريكين في ذلك الوقت (الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني) إلا أنه عاد قائلاً إن الدستور الانتقالي لبى طموحات القوى السياسية في البلاد لأنه أول دستور حمل وثيقة حريات مكتملة ومواكبة لما يجري في العالم، ويرى أديب أن أساس الدستور هو تحديد سلطة الحكومة وتحديد سلطة الأغلبية، بمعنى أن الدستور هدف منع الطغيان، ويشير إلى أن هناك جانباً خاصَّاً بصناعة الدستور وآخر بحدود الدستور؛ ويستمثل في الحالة الأولى بالتجربة الكينية بالقول: "إن كينيا عندما أرادت وضع الدستور استغرق الأمر منها (20) عاماً من النقاش والمداولات"، وفي جانب حدود الدستور يستمثل بتجربة جنوب إفريقيا التي وضعت (المبادئ فوق الدستورية) أمام المحكمة الدستورية، وعندما فرغت من إعداد الدستور ذهبت للمحكمة الدستورية لمعرفة إن كان الدستور قد خرق المبادئ فوق الدستورية، وأكدت المحكمة الخرق وتمت إعادة الدستور مرة أخرى لمعالجة الخروقات، ويرى نبيل أديب أن هناك حاجة ملحة للحالة السودانية لأن يتم طرح المقترحات الدستورية لمختلف الأحزاب لتتم مناقشتها في ظل حريات عامة واجتماعية، وأن يتم الاتفاق على مبادئ لا يتم خرقها والاتفاق على شخصيات غير حزبية لتراجع مدى توافق الدستور مع المبادئ الدستورية، واقترح أن يستغرق إعداد دستور للبلاد عامين إلى ثلاثة أعوام من التداول حوله، لأن المجتمع السوداني حديث عهد بالانتخابات التي لم يمارسها السودانيون بشكل منتظم. الوطني يضيع الوقت السباق السياسي والقانوني لإنجاز المطلوبات الدستورية لتهيئة البلاد للانتخابات المقبلة، وما يتوقع أن ينجز من توافق بين الوطني وقوى الحوار يصطدم برفض بعض قيادات الشعبي إجراء التعديلات الدستورية قبل مواقيتها المعلومة، وفيما أبلغت مصادر مطلعة (السوداني) عن اتصالات أُجريت مع الأمين العام للمؤتمر الشعبي د. علي الحاج للعودة إلى البلاد للدفع بالعملية السياسية والدستورية للأمام، سخر القيادي بالحزب وعضو البرلمان كمال عمر من ذلك وقال في تعليقه ل(السوداني) إن ذلك حديث يردده المؤتمر الوطني لأغراض حزبية ضيقة تخصه، وأشار إلى أن وثيقة الحوار الوطني اقترحت حزمة قوانين مقيدة للحريات ومهمة البرلمان تعديلها وفق ما تمَّ، وأشار إلى أنها واجبة التعديل في هذه المرحلة بجانب المفوضيات والقوانين التي يجب أن تتم بالتوافق السياسي. وقال كمال عمر إن هناك ما يقارب (12) مفوضية أبرزها الانتخابات ومكافحة الفساد والدستور والسلام يفترض أن تنشأ الآن قبل الانتخابات، وأكد أن المؤتمر الشعبي ضد أي تفويض للبرلمان للعمل في الدستور لأن المطلوب لإعداد الدستور جسم أعلى من البرلمان متفق عليه وفق الفقه الدستوري، ولذلك فإن أي حديث عن تعديلات دستورية الشعبي لن يكون طرفاً فيه، واتهم كمال عمر المؤتمر الوطني بإدخال قوى الحوار في ضيق الوقت لتقاعسه عن تنفيذ مخرجات الحوار الذي تحول برأيه من برنامج لمحاصصة.