وقال وزير الخارجية الأمريكي إن الأنشطة التجارية الصينية تهدد موارد واستقلالية الدول الإفريقية على المدى الطويل وتجعلها خاضعة للنفوذ الصيني. تيلرسون كان يدرك جيدا أنه وفي سبيل محاولة واشنطن إصلاح علاقتها مع إفريقيا فإن التحدي الأكبر يتعلق بتقليص النفوذ الصيني الذي بات أكبر شريك تجاري لإفريقيا. وفي الوقت الذي بلغ فيه حجم التبادل التجاري بين الصين وإفريقيا في نهاية العام 2017 حوالي 39 مليار دولار، تسعى أمريكا لتقديم 533 مليون دولار للقارة السمراء. رد فعل وضعت استراتيجية الإدارة الأمريكية الأخيرة الصين كمهدد للأمن القومي باعتبارها "منافسا استراتيجيا" و"خصما" يتحدى مصالحها الاقتصادية وقيمها. ولا يزال الجانب الأمريكي يخطط لإطلاق المزيد من التدابير الاقتصادية والتجارية الصارمة ضد الصين، ما أدى إلى حالة من القلق من إمكانية عودة الصينوالولاياتالمتحدة إلى ساحة "الحرب الباردة" ودخولهما "حربا تجارية". أشارت الولاياتالمتحدة إلى أنه وفي سبيل حسم حربها التجارية مع الصين فإنها جاهزة لاستخدام جميع الأدوات لمنع الصين من تخريب المنافسة الدولية. بكين تسلمت رسائل واشنطن وتعاملت بدبلوماسية مع هذه التصريحات التي مثلت تصعيدا واضحا بين أكبر اقتصادين في العالم. وزير الخارجية الصيني وانغ يي حاول امتصاص الحنق الأمريكي بقوله إن البلدين تربطهما مصالح اقتصادية وسياسية مهمة تجعلهم قادرين على تجاوز الخلافات، مضيفاً: "بالنسبة إلى الصينوالولاياتالمتحدة المنافسة مقبولة والخصومة لا داعي لها، والشراكة هي المطلوب". ومضى وزير الخارجية الصيني في حديثه على هامش دورة المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني: "أثبتت تجارب التاريخ أن الحرب التجارية لم تكن يوما الحل الصحيح للمشكلة، وخاصة في يومنا هذا الذي يسوده تيار العولمة، فإن اختيار الحرب التجارية مثل استخدام وصفة خاطئة، يضر بالآخرين ولا ينفع نفسه، وفي حال اختياره، سترد عليه الصين بردود مشروعة ولازمة". مخاوف أكبر ومنذ مطلع الألفية الجديدة ضخت الصين من الاستثمارات الكبيرة في القارة الإفريقية وزادت حجم التبادل التجاري والقروض، لقد كان الأمر بمثابة نعمة للحكومات الإفريقية إلا أنه في المقابل أرّق أمريكا والدول الغربية. يبدو أن مخاوف أمريكا أكبر من مجرد روح الإيثار أو الخوف على إفريقيا من النفوذ الصيني المتنامي بل للأمر أبعاد أُخرى أوس. ففي جلسة استماع للكونغرس مطلع مارس الجاري جادل المؤلف والمحلل الآسيوي غوردون تشانغ بأن وجود الصين في إفريقيا يمثل شكلاً جديدًا من الاستعمار الذي يهدد مصالح أمريكا الخاصة. وقال تشانغ: "بمجرد أن تغرق هذه البلدان وتصبع معتمدة على الدعم الصيني فإن بكين تحصل على دعمها للأهداف الجيوسياسية التي أبرزها تقويض الديمقراطية". قد لا يتفق الكثيرون مع وجهة النظر السابقة، إلا أن النفوذ المتنامي للصين في إفريقيا والتعتيم الذي يضربه السياسيون الصينيون على سياساتهم بعيدة المدى يثير العديد من الشكوك. في عام 2013 أطلق الرئيس الصيني شي جين بينغ استراتيجية "الحزام والطريق"، والتي تُركِّز على ضخِّ مئات المليارات من الدولارات في الموانئ وخطوط السكك الحديدية وغيرها من المشاريع في آسيا وأوروبا وإفريقي. يكلف المشروع مبالغ طائلة إلا أن الصين تراهن على تحقيق أهداف أكبر تتعلق بزيادة الطلب على المنتجات الصينية في الأسواق الخارجية بجانب تعزيز النفوذ الصيني في الشؤون العالمية، فيما يشير منتقدو الصين إلى أن المشروع يثقل كاهل الدول النامية بالديون. التهديد الصيني اكتسبت (نظرية التهديد الصيني) أهمية جديدة بعد إعلان ترمب مفهوم (الأولوية الأمريكية)، الذي جعل الصين خصما استراتيجيا، خاصة بعد تزايد نفوذها الاقتصادي على مستوى العالم وإفريقيا على وجه الخصوص وسط مخاوف من أن يجيّر هذا النفوذ الاقتصادي لنفوذ سياسي. في دراسة حديثة حدد مركز التنمية العالمية ثمانية بلدان على أنها معرضة للإغراق بالديون ضمن مشروع (الحزام والطريق) من ضمنها جيبوتي التي تضمنتها جولة وزير الخارجية الأمريكي والتي تقوم الصين فيها ببناء أول قاعدة عسكرية خارجية بالقرب من قاعدة كامب ليمونير الأمريكية. ويشير التقرير إلى أن الدين الخارجي العام لجيبوتي في العامين الأخيرين ارتفع من 50 إلى 85% من ناتجها المحلي الإجمالي، وفقاً للبيانات الأخيرة الصادرة عن صندوق النقد الدولي، ومعظم هذا الدين يأتي من الصين. وزير الخارجية الجيبوتي محمد علي يوسف في معرض رده على هذه المخاوف، قال في مؤتمر صحفي بجانب تيلرسون: "إن القروض الصينية لجيبوتي ما تزال تحت السيطرة.. وأنه لا يمكن لأي بلد أن يتقدم دون وجود بنية تحتية متقدمة، وفي هذا الشأن فإن الصين تمثل شريكا جيدا". توخي الحذر على الرغم من النفوذ الذي يمكن أن يعطيه هذا الدين للصين، فقد حذر سكوت موريس -أحد مؤلفي تقرير مركز التنمية العالمية- السياسيين الأمريكيين من أن واشنطن بحاجة إلى توخي الحذر في نقدها للإقراض الصيني لاعتبارات تتعلق بأن العديد من الدول الإفريقية شهدت نموا اقتصاديا قويا بفضل الاستثمارات الصينية، لذلك فإن أمريكا لن تجد أذنا صاغية. وقال موريس: "بدلاً من ذلك، يجب أن نكون محددين في نقدنا لممارسات الإقراض الصينية ونبحث عن فرص محددة لإشراك الصين في الإصلاح". من جهتها تقول مديرة مبادرة البحث الصينية الإفريقية في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز الأمريكية ديبورا براوتيغام، إن مديونية إفريقيا "مشكلة متنامية" تستحق اهتمام تيلرسون. ومع ذلك، فإنها ترى أنه "لم يقدم نهجًا جديدًا". وتضيف: "لقد خاب أملي فيه.. إنه يكرر ذات الأخطاء الأساسية التي ارتكبتها سابقته هيلاري كلينتون في زيارتها لإفريقيا 2011 فيما يتعلق بتحليل ما تصنعه الصين في إفريقيا". وتلفت براوتيغام إلى أن الإشارة لمسألة ضعف التوظيف التي كررها تليرسون لا تعكس بدقة الوضع في العديد من البلدان، مضيفة: "كان من الأفضل التركيز على أن الصين لا توجد برامج تدريب مهمة وفعالة تمكن الأفارقة من المشاركة بشكل أكثر اكتمالا في تطوير اقتصاداتهم مستقبلا"، وتضيف أيضا: "في كثير من الأحيان يتم تصميم نماذج التمويل والقروض بسيطرة الصين على البنية التحتية أو الموارد للبلد المعني في حال تخلفه عن السداد". مخاوف الولاياتالمتحدة تمتد إلى ما هو أبعد من التجارة والقدرة التنافسية الاقتصادية، لا سيما فيما يتعلق بقدرة الصين على استخدام نفوذها الاقتصادي على الحكومات الإفريقية لتأمين التزامات السياسة على حساب المصالح الولاياتالمتحدة، وقد ظهر ذلك جليا في استراتيجية الأمن القومي الأمريكية الأخيرة التي وضعت الصين بجانب روسيا باعتبارهم التحدي المركزي الذي يواجه الجيش الأمريكي مما جعل المنافسة الاستراتيجية طويلة المدى مع البلدين أولوية الإدارات الأمريكية. في السنوات الأخيرة قامت الصين بتوسيع علاقاتها العسكرية في إفريقيا ليصبح التعاون حول الأمن والسلم جزء واضح من السياسة الخارجية لبكين. في عام 2015، التزم الرئيس الصيني بنشر ثمانية آلاف جندي في القوة الاحتياطية لحفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وهو خُمس إجمالي القوات البالغ عددها 40.000 التي التزمت بها 50 دولة. كما تعهدت الصين بتقديم 100 مليون دولار للقوة الاحتياطية للاتحاد الإفريقي ومليار دولار لإنشاء صندوق الأممالمتحدة للسلام والتنمية. وزير الخارجية الصيني وانغ يي، يقول: "يكفي ترديد ما يسمى بنظرية (التهديد الصيني)، لقد ظلت الصين المساهم الرئيسي لنمو الاقتصاد العالمي، حيث تجاوزت نسبة المساهمة لها 30% سنويا، وهي أكبر من مساهمة الولاياتالمتحدة واليابان ودول منطقة اليورو مجتمعة؛ بجانب أنها الأكبر مساهمة في صيانة السلم العالمي بين الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وثاني أكبر مموّل لعمليات حفظ السلام"، ويضيف: "أمام هذه الحقائق، يمكن لأي شخص ينظر بموضوعية أن يرى الكثير من الفرص بدلا عن المهددات".