لا مكان لسيرة حاتم عبدالعال الذاتية، المكان شذرات من ذكاره الطيبة بعد الممات. قبل الممات تمنى أن يموت موت الفجاءة كأخيه مختار لئلا يكون عالة على أحد ما دام الله لم يقسم له الزواج بأخرى كالمعري رغم ثرائه، وقد كان. وعليه أقول: هو حاتم عبدالعال حمور عبدالرحمن حمور ناصر إبراهيم حمور، توفي يوم الأربعاء 4 شوال 1433ه الموافق 22/8/2012م، في يوم رفع الفراش ألقيت كلمة وافية دارت حول "كان حاتم مسلما سلم المسلمون من لسانه ويده" حديث صحيح مشهور، وقد بدا لي أن يكون عنوان هذا المقال ثم عدلت عنه إلى العنوان أعلاه لمعناه الشامل لجوهر الحديث، ولما جاء بإعلان شكر وفاته، ولوفاء الأستاذ عبدالرحمن عبدالله ناظر مدرسة مدني الأهلية الثانوية، لأستاذه عبدالعال الذي أدى إلى قبول حاتم بجامعة الخرطوم. في يوم الوفاة دخلت عليه وأخذت بكتفه للتحية وصليت عليه إماماً كما رأى أخيه ميرغني وأفادني د. طارق فتح الرحمن في يوم رفع الفراش ألقي الأستاذ سعيد ميرغني محمد عبدالرحمن حمور المحامي كلمة ثم كانت كلمتي وقد أثني الأخ سنادة محمد سنادة علي تشخيصي لشخصية حاتم بالحديث الشريف، فقلت: الفضل بعد الله يرجع إلى صدق حاتم، وقد قال المتنبئ في هذا المعني في مدح فاتك الرومي بمصر، "وقد أطال ثنائي طول لابسه" "إن الثناء علي التنبال تنبال" التنبال القصير القمئ، وقال الجاحظ "قال الباهلي: قيل لأعرابي: ما بال المراثي أجود أشعاركم؟ قال لأننا نقول وأكبادنا تحترق، وقال آخر: كما أحسن سعيد المحامي بختم كلمته بطلب الحضور قراءة الإخلاص "11" مرة على روح الفقيد، وقال ثالث: أرجو ألا يكون إحسانه إحسان من قال له الحسن البصري: يا هذا إما بقلبك مرض أو بقلبي، قال له: لمَّ؟ قال لانك أحسنت القول ولم تؤثر في" أو إحسان المحامي الذي قال له القاضي كما روى توفيق الحكيم في كتابه "يوميات نائب في الأرياف" بعد فراغه من مرافعته عن موكله ومسح العرق عن جبينه بمنديله "المتهم معترف بسرقة الحمار" المعني في الحالتين فقدان عنصر الصدق، فالمحامي يؤدي عمله كدوار جمل نسيبته إن لقي يغني وإن ما لقي يغني، كما يقول السودانيون وخطيب البصرة بالمثل، والكلام إذا كان من القلب وصل القلب، وإذا كان من اللسان لم يتعد الآذان، كما قالت العرب. إن صلتي بالأخ حاتم قديمة فقد زرته بالخليج وزارني بالقاهرة وهذا يرجع إلى تماثل الطبع، لو كان بالكياسة والنفاق الاجتماعي لما كان شيئا من هذا ولا ذاك وقد أثني على أصدقائي بالقاهرة، منهم الأستاذ محمد الحسن عثمان محمد خير من مشو الملحق الثقافي بمصر، والدكتور محمد عبدالرحمن حامد "الفولي" من القرير، أثني لصدق تعاملهم وحفاوتهم به. وكذلك ذكرهم عمر عوض بالخير عند زيارته القاهرة، وما التوفيق إلا بالله له الحمد. ولذات صدق حاتم عندما حضر لوفاة والده حمور من موسكو، حضر محيي الدين عووضة من الخرطوم، سأل العم سعيد من أجل من حضر محيي الدين؟! أجاب: غالباً من أجل حاتم قلت: هو كما قلت ولذات الصدق كانت صلته بأحمد سعيد قوية، وبالمثل أنا بأحمد، وكثيراً ما كان يتذكر عشاء البلطي بحديقة رويال قبل التصحر بالعمارات والزلط، والقلوب بالتدليس، من أوضح الأمثلة للفارق بين قبل واليوم أن البغي بديم رملة في بورتسودان لا تدخل عليها أبيض اللون وأجعد الشعر وإن أجزل الدفع، لأن القيم الاجتماعية تحرم معاشرة الكافر الأبيض "كيفريت" والأسود الأجعد، والمجتمع لا يرحم والله غفور رحيم. أين اليوم محام من هذا أعطاه ابن عمه وزوج شقيقته مبلغاً لشراء أرض له في الخرطوم، فاشتراها وسجلها الخال باسمه تشهد بذلك السجلات فلما اكتشف الأمر ردها بعد لأي والحال أن للخال "10"أفدنة بإسمه في الكلاكلة، ولو أدرك الخال أن في هذا كسرا لنفسية أولاده لا يجبر كحمل البكر سفاحاً لما فعل إن سعيد ود أحمد أغا فارس الرجاف عرض عليه التجارة الهرب بإدعاء الهرب فأبي خشية مأثور الكلم. قبل وفاة حاتم بأسبوع سألت حاتم: كيف وجدت البلد؟ قال: لم تعد كما كانت، وأردف مازال طعم عشائك بالملح والماء الساخن والسمن عقب شراب الصافي شراب الصفوة بلساني، ونحن جلوس علي الرملة شرق حوشك، قلت له كذلك كان أحمد سعيد حمور يتذكر غداء بالويكة بمنزلهم قبل الرحول إلى منزلي هذا، لان المتعة بالمناخ النفسي لا يأكل اللحم، وقديما قال الشاعر: لا تسقني ماء الحياة بذلة.. بل فاسقني بالعز كأس الحنظل ماء الحياة بذلة كجنهم وجهنم بالعز أطيب منزل. وأبلغ من هذا أتي من دبي فزرته فرد الزيارة، ثم انقطع، فسألته، فقال: لا يخفي عليك شئ "الزائر في يد المزيور" قلت: حسبي ضميرك، والمزيور بدوره معذور بالكتابة الضارة وسحر هاروت وماروت معطل التفكير وسالب الإرادة لا تقليل غير هذا، وقد تفهمه هداهم الله إن قالوا آمين، وكل نفس بما كسبت رهينة. "2" في إعلان الشكر بجريدة السوداني الأحد 14/10/2012م، لفت نظري رغم إتساعه البالغ صفحة كاملة، وشموله الشامل للأماكن والناس بالداخل والخارج، رغم هذا وذاك لفت نظري اكثر من قوله عن الجيران "ومشاركتهم بصدق وأصالة" وقوله عن حاتم "سائلين الله أن يرحمه بقدر اتساع قلبه" لان الاصالة والقلب السليم الواسع يعني القيم والمثل ماثلة ومتمثلة بالتربية في حاتم والجيران، وبهما يسترد السودان عافيته وتقدمه وسعادة أهله، والإنسان أعظم رأس حقيقة قالها ماركس، وبالمشاهدة اليابان بالإنسان أفضل من أمريكا اليوم رغم انتصار أمريكا عليها في الحرب العالمية الثانية إنه الإنسان. "3" هذا ما كان عن حاتم وإعلان الشكر بعدهما نأتي إلى وفاء الأستاذ عبدالرحمن عبدالله لأستاذه عبدالعال بمدرسة دنقلا الأولية: إمتحن حاتم الشهادة السودانية ونجح إلا أنه لم يدخل الجامعة، ذهب والده به إلى السيد وزير المعارف زيادة أرباب لصلة القرابة التي تربطنا به رجاء ان يعيد بإحدي المدارس الثانوية الحكومية، لم يوافق على الفكرة لان الإعادة للراسبين فقط لا الناجحين، وخشى أن تؤخذ عليه إن فعل، ذهب به إلى الأستاذ عبدالرحمن عبدالله تلميذه المتميز بالوضوح والشجاعة والقدرة على التصرف امتداداً طبيعياً لأصله المصري الكريم كالطيب صالح وصلاح الدين عتباني وأمثالهم في السودان رحب بأستاذه وقرر قبوله طالباً بالفصل والداخلية معا على أن يمتحن من منازلهم، ودعا الأستاذ محمد أحمد الحسين مراقب الداخلية لسابق صلته بالعم عبدالعال وأبلغه الوضع، وقبل الامتحان كتب الطابع اسم حاتم ضمن النظاميين وقرأ الوزير زيادة الإسم أو وشي به إليه، مما أدخله في حرج بالغ فاتصل بالأستاذ عبدالرحمن غاضباً، فأوضح له أن هذه غلطة الطابع لا المدرسة لم يقبل العذر أو المخرج، وزاد حدة عند هذا قال له: عبدالعال أستاذي ونحن الأساتذة أوفياء لأساتذتنا وقد قبلت ابنه لهذا السبب وأفعل أنت ما بدا لك يا سيادة الوزير، أرسل الوزير لجنة للتحقيق برئاسة الأستاذ زيدان، أيدت اللجنة خطأ الطابع وبذا انتهي الأمر، وأمتحن حاتم ودخل جامعة الخرطوم، ثم تحول إلى جامعة موسكو أيام ستالين أب شنب وبولغانين لاغورباتشوف أب ضنب وبوتين الأمرد. ورأيي في موقف الوزير ما كانت الغاية الاعتراض على قبول حاتم كانت بقدر ماهي إظهار التمسك بالقيم واللوائح التي بها أصبح حاتم شيئاً مذكوراً تراثاً ومدرسة إن له ولها أبناء وطلبة. وقبله بالقيم ألقي عبدالرحيم محمد طه عام 1939م، مستر كلارك مفتش مركز الخرطوم أرضا رد إساءة فلما بلغ الخبر الحاكم العام أعاد كلارك فورا إلى انجليزي وأطلق سراح عبدالرحيم، وفي عام 1980م، أوصى كلارك بإعطاء ثروته إلى عبدالرحيم بعد وفاته "انظر القصة كاملة بعمود استفهامات لأحمد المصطفي الأحد 14/10/2012م. "4" وفي المقابل لا للمقارنة أو التفضيل، لكن للتوضيح وانصاف حاتم، والضد يظهر حسنه الضد نذكر أمر من لم يسلم المسلمون من لسانه ويده، كان العم سعيد حمور من الذين يعرفون حقائق الناس بالموهبة وممارسة الإدارة لشياخة حمور منذ أن كان شاباً خلفاً لخاله محجوب، من ذلك قوله لي عن عم آخر، فلان هذا إذا قابلك مسروراً، فاعلم انه يسعى لضررك أو ضرك أو علم بضررك، وقوله عن ابن عم أنه كالعم إلا أنه خبيث يظهر الود والطيبة، وعن ابن آخر كالعم وابن العم ويزيد الإيقاع بين الناس، واستخدام الكتابة "علم الحرف" للاضرار بالناس، والقاسم المشترك الأعظم بين الثلاثة الحسد، وهذا داء لابد للمحسود فيه، ولا شفاء للحاسد منه. من الطرائف كان حاتم يعرف بحاتم حمور بين أنداده بالثانوي والجامعة، وسعيد ميرغني لا ينادي إلا سعيد ميرغني رغم حرصه على كتابة حمور بالخط الغليظ علي كراساته بالثانوي، ولعل هذا يرجع لا شعورياً إلى أن حمور هو الجد الأول لأب لحاتم "عبدالعال حمور" والجد الثالث لسعيد "ميرغني محمد عبدالرحمن حمور" يرجع هذا وذاك أنني عرفت باسم "عووضة" لاختصاره وفي جامعة جوبا عرفت بحمور لغربه كحاتم ابن عمي لزم كما يقول شقيقه د. محمد عبدالعال دائماً، وأن ابن العم الفاتح السنهوري ناصر موسي من بنت العم زينب عبدالله أرباب كان يقول للمداعبة لعواطف سعيد حمور زوجتي وللأخريات اسم حمور قريب منها ومنكم بعيد، وعشمانة أم حاتم سميت علي عشمانة عبدالرحمن حمور جدتها الأولي لأم أم مسكة أمها، بداهة لا غاية غير رثاء حاتم باسلوب أدبي علمي يجمع بين الإتحاف والتاريخ والتوثيق، اللهم أرحم حاتم بقدر اسم حاتم في الكرم وقلبه في السعة، وأجعله من أصحاب اليمين "يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم" آمين. والله من وراء القصد