قرأت كلمة للأستاذ كمال حسن بخيت بعنوان «حكمة القيادة القطرية أطفأت نار الحرب في لبنان، التحية لأميرها ولحمد بن جاسم رئيس الوزراء المتميز» بعاموده اليومي «صباح الخير» ب «الرأي العام» بتاريخ «م2008/5/27» ص «5»، دارت حول نجاح وساطة قطر في حل مشكلة لبنان المزمنة. جاء فيها :«المعجزة القطرية حولت لبنان من حافة الهاوية والحرب الى بر الأمان. والسؤال المهم: لماذا نجحت الوساطة القطرية وفشلت كل الوساطات والمساعي العربية والدولية؟». الإجابة: «الحديث له لا لي» وفي منتهى السهولة، وهي أن دولة قطر ليست لها أطماع في لبنان وليست لها مليشيات تخدم خطها. وليست لها أجندة خاصة لا في لبنان ولا في سوريا ولا غيرهما. المعنى بقوله «خلوص النية» وهذا صحيح. قال الرسول «صلى الله عليه وسلم»: (إنما الأعمال بالنيات)، وقال سيدنا أبوبكر خليفته لخالد بن الوليد عندما وجهه من الجبهة الشرقية بفارس الى الجبهة الغربية بالشام لحرب الروم: «اعلم ان المعونة من الله تكون على قدر النية». وقال خالد للمسلمين عندما نجح في قطع بادية السماوة من العراق الى سوريا في «5» أيام لا ماء فيها. وكان رأي إجماع المسلمين أخذ الطريق الأطول بفارق «10» أيام لوجود الماء. غامر ليدرك معركة اليرموك الحاسمة فأدرك. وكانت المعونة من الله علي قدر النية بالنصر بعد الاجتياز. كما قال أبوبكر له. وقال هو للمسلمين بعده ليعبّر عن ارتياحه. وقد بلغ الماء، والمعنى لخلوص النية بعبارة حديثه «بشفافية». الى قول الاستاذ كمال الذي يعني صفاء النية والشفافية، أضيف التوفيق واليمن، وفي التراث الإسلامي تجربة تؤكد مدى الأهمية البالغة لليمن والتوفيق. هي: رأي سيدنا عمر بعد أبي بكر ان يوجه احد من يعرفه قائداً لحرب البحرين، فقال له الصحابة: إنه كما رأيت «ذو عزم وشجاعة إلا أنه مخذول» المعنى غير موفق فأخذ برأيهم، واختار آخر فلم يخذله الله فيه. وجاء أيضاً بكلمة كمال: «التحية لأمير قطر وللرجل الذي يملك عقلاً استراتيجياً حمد بن جاسم رئيس الوزراء ووزير الخارجية المتميز لنجاحهما في أصعب مهمة واجهت الأمة العربية في لبنان»، وهذا صحيح أيضاً. المعنى لهذه الصفات الذاتية في الأمير والوزير كان خلوص النية ومن ثم النجاح. والسؤال: «الحديث لي لا لكمال» لماذا كانت هذه الصفات الذاتية فيهما قبل النجاح؟ قبل الإجابة عن هذا السؤال أذكر تجربة من السودان أيام الإنجليز تماثل هذه في التعقيد حكاها لي الأخ محمد نور الفادني المشهور بالزعيم بفترة زمالتي له بالثانوي والجامعة والعمل، قال: «حدثت مشكلة بمنطقة أم شديدة التابعة لمركز شندي بين البطاحين والشكرية. أو أحدهما فيما بينهم. لا أتذكر. عجز مفتش شندي عن حلها رفعها الى مدير المديرية بالدامر فكان أعجز. قال أحد أصحاب الرأي بالمنطقة للمدير: «هذه المشكلة لا تحل بكم ولكن بما يعرف عندنا ب «الجودية» أخذ المدير بحكمة الإنجليز المعهودة فيهم بالرأي، يوم أن كان الإنجليز إنجليزاً لا يوم توني بلير ذيل بوش الصغير. ذهب المفتش كما رأى المدير بأصحاب الرأي الى مكان المشكلة. أخذ الحكماء يتداولون الأمر واحداً تلو الآخر. فما وصلوا الى حل. لم يبق غير الخليفة الحسن. قبل أن يبدأ قال للمفتش إذا توصلت الى حل ويكون ما توصلت له حكماً لا ينقض إلا نقاض. ما كان بسلطة المفتش أن يقبل الشرط ورفع الأمر الى المدير بالدامر. والمدير بدوره رفعه الى السكرتير الإداري بالخرطوم والإداري رفعه الى السكرتير القضائي فوافق. أخذ الخليفة الحسن يستمع الى الأطراف طوال «3» أيام بصدر رحب وعقل راجح. وكان من عادته ان يدعك ما بين حاجبيه إذا بلغ به الغضب مداه. في عصر اليوم الثالث جمع الجميع. ثم أخذ في سرد تفاصيل حكمه وبعد الفراغ قال كل واحد من الأطراف: «بارك الله فيك». بعد هذا المثال العملي المماثل نعود الى قول الاستاذ كمال: إن نجاح دولة قطر فيما عجز عنه غيرها يرجع الى خلوص النية والصفات الذاتية التي حُظي بها الشيخان الأمير والوزير. وإلى سؤالي: ولماذا كانت هذه الصفات الذاتية فيهما؟ اعتقد أن هذا يرجع الى معطيات التربية العربية التي تربوا بها وعليها. كما كانت الحال عند ابن الخطاب عمر بالجاهلية والإسلام، وعبدالملك بالأموية. والملك فيصل بالسعودية. والشيخ زايد الذي قال عنه السادات «عربي أصيل» لموقفه الحر في حرب «10» رمضان.. «قبرهم جنة» وعند الملك عبدالله بن عبدالعزيز اليوم أطال الله بقاءه بعمق وعافية. هنا أقول من العوامل الحاسمة التي أدت الى نجاح معجزة قطر ان معظم أعضاء الوساطة «الجودية» من أبناء الخليج، ممن بلورت شخصيتهم التربية لا ممن أفسد منهج التعليم أصالتهم من فئات برجوازية المتعلمين المتذبذبة كما قال عنهم لينين بحق. وعلى هذه المهمة العاجلة والمسؤولية الدائمة ليست في «خلق دولة عصرية في قطر» كما قال الأستاذ كمال في ختام كلمته. ذات الفضل في كتابة هذه الكلمة. ولكن في المحافظة على مقومات هذه الشخصية في المقام الأول مع الأخذ بمقومات الحداثة. إذ لا تعارض بين الاثنين إن صح الفهم وخلصت النيات. كما فعل مهاتير بماليزيا وغيره بالصين واليابان. وبعبارة اخرى بالتربية تكون الشيخان حمد بن خليفة وحمد بن جاسم، لا بالتعليم. لهذا الفارق صارت مساحة السودان ميون ميل مربع بفضل كياسة المك نمر والزبير باشا والمهدي وعلي عبداللطيف.. لا نخاسة الساسة ، وقلت للدكتور خليل إبراهيم بمقال رفعته ل «الرأي العام» يوم 2008/5/14 م «أين أنت يا دكتور خليل من المعتمد بن عباد الذي قال لمن خوفه من مغبة الاستنجاد بالملثمين: لأن أكون راعي إبل بشمال إفريقيا خير لي من أن أكون راعي خنازير بقشنالة» البرتغال اليوم. المعنى لرده التضحية بالملك من اجل العروبة والإسلام. ومن غريب الصدف قرأت بجريدة «الانتباهة» يوم 2008/5/29 م مقالاً بعنوان: «بوش وخنازيره» تدور فكرته حول ما قلت عن المعتمد بن عباد ولم يُنشر. ومكان الغرابة ان هذا القول لم أجده إلا بمرجع واحد قبل نصف قرن. ولهذا الفارق أيضاً قال الاستاذ محجوب عروة بمقال له ب «السوداني» «السودانيون فردياً مكان ثناء من الجميع بالخارج. وجماعياً العكس تماماً حكاماً كانوا أم معارضة، لماذا؟» والمصريون «الحديث لي لا له» بالعكس جماعياً أفضل منهم فردياً. لهذا تتقدم مصر «يد الله مع الجماعة» ويتأخر السودان. قال محجوب عروة إجابة عن سؤاله: «لماذا؟» لأنهم يحسدون بعضهم. وهذا ما قال د. أبوالقاسم قور ب «الرأي العام» تحت عنوان: «الحسد السوداني الأصيل». وقلته أنا باعمود «صدى» ب «الصحافة». كما قال أحد الأفراد عن كتاب أنساب آل حمور. قال: إن الكتاب ما خرج في جملته عن أبناء عبدالعال حمور، قلت لناقل القول: ألم يذكر المؤلف أب القائل؟ قال: نعم. قلت: ليس للقائل أخ ولا أخت ولا ابن ولا بنت.. له أب ?. وللعم عبدالعال حمور الكثير بنيناًً وبنات، وكلهم من فرع عبدالرحمن حمور، فإذا أضيف لهم أبناء وأحفاد أشقاء عبدالعال حمور الخمسة وغيرهم من أحفاد عبدالرحمن حمور نجد ان العدد هو الذي فرض الحديث عن أبناء عبدالعال لا القصد. وبهذه المناسبة أهنيء السودان باتفاق التراضي الذي تم بين الإمام الصادق الصديق المهدي رئيس حزب الأمة القومي، وبين المشير البشير رئيس الجمهورية، لأنه مثل لأول مرة استقلال السودن بعد جده الإمام المهدي «1881م» والسلطان علي دينار قبل استشهاده في «1916م» استقلاله بأبنائه لا استغلاله «بالغين» بأبنائه، نعم لأول مرة لأنه كسر سياسة قوى الاستعمار القائمة على قاعدة «فرق تسد»، مثّل بعد «52» عاماً من «6591 م» الى اليوم عدا فترة الرئيس عبود. والحمد لله أنا لم يخب ظني فيه، فقد سبق أن أرسلت له برقية بتاريخ «1988/3/5» عند زيارته للجزائر يوم ذاك في معنى ما تم اليوم. كما سبق أن كتبت مقالاً في «4» حلقات نشرت ب «الرأي العام» وجريدة «الخرطوم» في الربع الثالث من العام 2002م بعنوان: «رسالة للسيدين الصادق المهدي ومأمون سنادة.. الأبعاد الحقيقية لنجاح ديكتاتورية عبود وإخفاق ديمقراطية سر الختم». ولم يخب قول السودانيين في أمثالهم «ود الدبيب ما بيخيب» و«المولد بقلع» المعنى كالتمساح. آمل بعد أن بدأ أبو الصديق قراءة «الحمد لله رب العالمين» ان يتم أبو هاشم قراءة السورة «ولا الضالين» وأن يقول أزرق طيبة وغيره «آمين». أكرر آمل. «هامش: أصل البرقية التي أرسلتها للسيد الصادق من باتنة بالجزائر اليه بالجزائر العاصمة لا يزال معي». والله من وراء القصد..