إحصائية رسمية لا يأتيها الباطل من بين سطورها ولا وسط كلماتها، أكَّدت أنَّ (3.6) مليون طفل يسرحون ويمرحون خارج أسوار المدارس، ما يعني أننا موعودون بمستقبلٍ يحفّه الجهل ويشكِّله الظلام، إذا لم (نلحق) هؤلاء الصغار.. ولأنَّه لا يستقيم الظِّلُ والعودُ أعوج، فإنَّ ثمَّة مهتمين بشؤون الأطفال يُشدِّدون على ضرورة تضمين حقوقهم في المقررات لأنَّ ذلك يُشكِّل (المُدماك) الأساسي في مسيرة مواصلة تعليمهم من (الروضة) وحتى الجامعة. شرح مُستفيض يقول مدير المركز القومي للمناهج والبحث التربوي (السابق)، د. معاوية السر قشي، ل(السوداني) إنَّ الأوضاع التي يعاني منها أطفال السودان الآن والتي حالت بينهم وبين تعليم أغلبهم تُحتِّم علينا تضمين حقوق الطفل في التعليم العام (الابتدائي، المتوسط والثانوي) وهي عملية شاملة لكل جوانب النظام التربوي: التشريعات والسياسات.. ثم الهياكل الفنية والإدارية.. فاستراتيجيات تأهيل وتدريب المعلمين.. وأخيراً المناهج الدراسية. وأكَّد قشِّي إن تصوُّرنا يُصبِّح قاصراً إذا تحدثنا عن إدماج حقوق الطفل في المنهج الدراسي فقط، إذ لا بُدَّ من تضمين حقوق الطفل في القوانين التي تحكم التعليم العام، كقانون التعليم العام، كذلك لا بد من تضمينها في خطط وسياسات وزارة التربية والتعليم الاتحادية لتكون مُلزمة للوزارات الولائية، شريطة أن يتبع ذلك إيجاد جسم إداري وفني يتولى الإشراف والتوجيه فيما يتصل برعاية حقوق الطفل على أن تتم هيكلته من قمة الوزارة وحتى قواعدها. كما ينبغي تضمين تربية حقوق الطفل في برامج كليات التربية وبرامج تدريب المعلمين. التقاط فكرة أما أصل (الفكرة) فقد نبع عندما عزمت الدولة ممثلة في المركز القومي للمناهج والبحث التربوي ببخت الرضا، على تغيير المناهج الدراسية بمرحلتي الأساس والثانوي، ناشدت كل المهتمين بأن يدلوا بدلوهم في كل ما يخُص المناهج، فالتقطت القفاز جمعية (إعلاميون من الأطفال) وقدَّمت مقترحاً بأن تُضمَّن حقوق الأطفال في المناهج التعليمية الجديدة. وتقول المدير التنفيذي للجمعية "إنعام محمد الطيب" ل(السوداني): إنهم وبمجرد قراءتهم لإعلان مركز المناهج شرعوا في تدشين مبادرتهم بتضمين حقوق الطفل في المناهج الجديدة، وقد تم طرح (الفكرة) على الجهة المختصة (المركز القومي للمناهج والبحث التربوي) فوافق عليها وطالب بالمضي قُدماً فيها وصولاً إلى الصيغة المثلى التي ينبغي أن يتم بها وضع المادة في المناهج. وتمضي "إنعام" بقولها: من ثم استنهضت الجمعية خبراء تربويين ببخت الرضا ومختصين في حقوق الأطفال، بمعاونة بعض الشركاء مثل مجلس رعاية الطفولة، منظمة اليونيسيف ومركز بخت الرضا. وبعد عقد عدة ورش واجتماعات تم التواثق على تقديم مسودَّة نهائية تمهيداً لتقديمها للجنة المسؤولة عن تغيير المناهج. جُزء من كُل ويقول الخبير في حقوق الطفل "محمد المامون" ل(السوداني): إن حقوق الأطفال تمثِّل جزءا أصيلا من حقوق الإنسان وقد تم تكييفها لتتناسب مع الاطفال بحُكم خصوصيتهم، فهي تأخذ في الاعتبار احتياجاتهم وهشاشتهم وسهولة تأذِّيهم. وأضاف بأن الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والحقوق الجماعية للأطفال ضرورية جداً لأنها تشكِّل الأجيال الثلاثة لحقوق الانسان وتوضِّح ما يترتب على التفريق بين الجيل الاول والثاني للحقوق. وأشار إلى عالمية حقوق الاطفال واعتمادها على انها كُتلة واحدة غير قابلة للتجزئة وأنها مترابطة يدعم بعضها بعضا وقد بيَّنتها المبادئ الأربعة الأساسية لحقوق الاطفال وهي: حق البقاء، حق النماء، حق الرفاه وحق الحماية. وشدَّد المأمون، على حق الاطفال في عدم التمييز بينهم، وكذلك مشاركتهم وحقهم في إبداء الرأي ومراعاة المصلحة الفضلى لهم في كل التشريعات والسياسات والبرامج والقرارات المتعلقة بهم. وقال محمد المأمون إنَّ مفهوم التربية في حقوق الإنسان يُقصد بها كل نوع من التعليم يسهم في بناء المهارات والمعارف والمواقف والسلوكيات المتعلقة بالحقوق.. وإنها ليست تربية معرفية فقط بل تربية قيمية في المقام الاول، إذ انها تتوجه في الأساس الى السلوك المتعلِّق بالقيم. وفي خاتمة حديثه أشار إلى أهمية تضمين حقوق الطفل في المناهج وتأثيرها الايجابي على التلاميذ وعلى البيئة المدرسية ورفع مستوى التسامح والتعاطف بين التلاميذ وتقليل حالات التنمُّر بينهم. ضرورة قُصوى من ناحيتها قالت مسؤول الحماية بمنظمة اليونيسيف دكتورة تهاني المُبشَّر انه وعلى الرغم من عمل المنظمات المحلية والدولية لكن الناظر يجد ان قضايا الأطفال ما زالت تحتاج لكثير من الجُهد والعمل، ما يتطلَّبُ إدخال حقوق الطفل في المناهج التعليمية حتى تُغطي كل المستهدفين وليس الموجودين بالقاعات عبر الورش فقط.. ونادت بضرورة أن نُربِّي أطفالنا من خلال المناهج على الابتكار وليس التلقين وهذا يتوفَّر من خلال التركيز على الأنشطة الإبداعية والفنية والرياضية وما شابه ذلك، وأشارت إلى أن ذلك لا يأتى إلا بمنهج صديق للأطفال تحفّه بيئة مدرسية جيدة.. وأكدت أن لكل دولة خصوصيتها في ما يلي موضوع المناهج، وأضافت قائلة: لكن حسب رأيي فإنَّ تجربة دولة فيتنام تُعتبر من أفضل التجارب لأنها بسَّطت المنهج وراعت التنوُّع والتعدُّد.. تجربة جنوب إفريقيا "المُبشَّر"، عرَّجت على تجربة دولة جنوب إفريقيا في المناهج، فقالت رغم أن هذه التجربة أنتجت أميز المناهج لكنها فشلت لأنها اهتمت بالمحتوى وأهملت من يُقدِّم ذلك المحتوى من حيث اختيار المُعلِّم المناسب والتدريب الجيد، بل حتى عملية الاختيار لم يحالفها التوفيق.. وشدَّدت على أن السودان يتملك أفضل دستور وأن القوانين ممتازة وكذلك الوثيقة الدستورية الحاكمة الآن، وبطبيعة الحال قانون الطفل فهو جيد جداً لكن تبقى المُعضلة كلها في إنزال كل ما ذُكر على أرض الواقع. التَّعلُّم النَّشِط د. معاوية قشي عاد بنا للحديث عن التجارب السابقة في تربية حقوق الإنسان والطفل، ثم التعريف بالطفل حسب الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، وأيضا ركَّز على استراتيجيات تضمين حقوق الطفل في المناهج ، مُشدِّداً على اعتماد مفهوم التَّعلُّم النَّشِط في العملية التعليمية وقد ظهر هذا النوع من التعليم في بداية سبعينيات القرن الماضي حيث يتم التركيز على العمليات العقلية الداخلية التي تعبِّر عن قدرة الطالب على فهم المعلومات واسترجاعها واستخدامها في مواقف مُشابهة تقوم على تهيئة بيئة تعليمية توفر مشكلات تتطلب من التلميذ التفكير فيها والاستفادة من خبراته في حلها، ومن هنا جاء مفهوم التعلُّم النَّشط. (6) شروط أساسية ويقول د. عباس شاع الدين، نائب المدير العام للمركز القومي للمناهج والبحث التربوي (سابقاً)، ل(السوداني): إن المناهج عبارة عن منظومة مُكوَّنة من عدد من العناصر ابتداءً من الآتي ترتيباً تنازلياً: أولاً: وضع السياسات.. ثانياً: الغايات والأهداف.. ثالثاً: المُعلِّم (تدريبه وتأهيله).. رابعاً: الإدارة التربوية.. خامساً: الإدارة المدرسية.. سادساً: المحتوى – الوسائل – طرائق التدريس – البيئة المدرسية – التقويم والتطوير. وشدَّد شاع الدين على أن إدخال مفاهيم حقوق الطفل في المقررات الدراسية لوحدها غير كافٍ ولن تؤدي الغرض أو الهدف الذي من أجله جاءت الفكرة.. عليه لا بُدَّ من تحليل المحتوى أولاً؛ ومن ثم التأكُّد من احتوائه على حقوق الإنسان عموما وحقوق الطفل على وجه الخصوص. ثانيا لا بد من التنسيق التام بين كل العناصر المكونة للمناهج حتى تتم معالجة الموضوع بعلمية وموضوعية. المغضوب عليهم من جهتها قالت أستاذة "مها" – منظمة اليونيسيف فرع النيل الأبيض-، انه يجب أن نُركِّز على السياسات الخاصة بالعملية التعليمية كلها وليس المحتوى وحده.. أيضاً لا بدَّ من الاهتمام بالتدريب العميق للعاملين بالحقل التعليمي وشدَّدت على ضرورة البحث عن تصوُّر جديد للتدريب حتى يكون مُفيداً، وأضافت أنه من الأخطاء القاتلة التي ترتكبها وزارة التربية والتعليم انها (تنفي) المغضوب عليهم بالوزارة إلى (التوجيه) رغم أن القسم هذا القسم هو أهم الأقسام على الإطلاق.. وفي خاتمة مُداخلتها طالبت بضرورة الاهتمام بالأنشطة اللا صفية في المدارس لأنه من خلالها يستوعب الأطفال كل ما يُقال لهم. أسئلة وإجابات وفي السياق، قدّمت د. تهاني المبشر، سؤالين وأجابت عنهما بالآتي: السؤال الأول: ماذا نُريد من المناهج التعليمية؟ وأجابت بقولها: نريد منها الحث على احترام الأديان وكريم المعتقدات والأخلاق. وكذلك قيم الحرية والسلام والعدالة والمواطنة وحقوق الإنسان والمساواة بين الجميع.. وأيضاًً المهارات الحياتية مثل الثقة بالنفس وتقدير الذات والعمل مع وفي مجموعة وغيرها.. الابتكار والتجديد والمبادرة.. الأنشطة الثقافية والفنية والاجتماعية.. وإتقان القراءة والكتابة. أما كيف يكون المنهج صديقاً للأطفال؟ فأكدت د. تهاني المبشر بأن ذلك يأتي من خلال: زيادة المعرفة والفهم لحقوق الإنسان. عكس اتفاقية حقوق الطفل وقيمها. المساواة وعدم التمييز واحترام التنوع والمسؤولية. اشباع الاحتياجات الثقافية والاجتماعية والرياضية. تنمية المهارات الحياتية. مشاركة الاطفال والاعتداد بآرائهم. منع العنف. التوازن بين التعليم الأكاديمي والأنشطة اللاصفية. البيئة المدرسية (المدرسة والمعلم والطالب). طرق التدريس والتكنولوجيا.