توعد الرئيس الأمريكي ترمب بهجوم لا يبقي ولا يذر على سوريا بعد اتهام دمشق بشن هجوم كيميائي في السابع من الشهر الجاري على مدينة دوما. ترمب مضى في تهديده مقللاً من الحماية الروسية، التي ردت بعنف ولوحت بردٍّ قاسٍ على أي تصعيد ضد سوريا، وهو ما أنذر بحدوث صدام يؤدي لحرب عالمية ثالثة. التهديدات المتبادلة بين واشنطنوموسكو أدت لحالة من توازن القوى رجحت معه رؤية المؤسسة العسكرية الأمريكية على حساب مواقف ترمب خاصة في ظل عدم وجود أدلة قاطعة على استخدام أسلحة كيميائية في دوما، بجانب تخوف حليفتَي أمريكا الرئيسيتين فرنسا وبريطانيا من المشاركة في أي ضربات عسكرية تقود إلى صدام مع روسيا وإشعال فتيل حرب عالمية ثالثة. اللافت أن لهجة التهديدات الأمريكية تراجعت بعض الشيء قبل ساعات من الهجوم، لتتسارع اتصالات خلف الكواليس بين أمريكا وحلفائها مع روسيا لتجنب أي صدامات على الأرض. توصلت القوتان العظميان إلى تسوية لتجنب الصدام، والاكتفاء بضربة استعراضية لإنقاذ ماء وجه الرئيس ترمب ومصداقية الغرب. قبل ساعات من الهجوم أبلغ الرئيس الفرنسي ماكرون نظيره الروسي بأن الهجوم مُوجَّهٌ لسوريا وليس حلفائها، وهو ما يعني أن القوات والمواقع الروسية والإيرانية والتابعة لحزب الله ستكون في مأمن من الضربات. لتأتي الضربات الصاروخية مرة واحدة -خلال 50 دقيقة- لمواقع معينة وبهدف واحد شل قدرات دمشق الكيماوية. محدودية الهدف يقول الخبير الاستراتيجي د.الهادي أبوزايدة في حديثه ل(السوداني) أمس، أن أمريكا اتفقت مع روسيا على الأهداف مسبقا مع ضمانات بعدم المساس بالوجود الروسي في المنطقة لتحييد موسكو، مضيفا: "تم الاتفاق على ضربة محدودة ذات أثر سياسي في الرأي العام الأمريكي وتوصل رسائل لكوريا الشمالية وإيران". علق معارضون سوريون على الهجوم بأنه ضرب أداة الجريمة وترك المجرم، عبر محاولة شل قدرات دمشق على استخدام الأسلحة الكيماوية كما أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية. الملاحظة المهمة هنا أن الضربات استبقت بساعات تحقيقا أمميا عن الهجوم الكيميائي في دوما مستندة على انتهاك دمشق القرار الأممي 2118 في العام 2013 ومستخدمة الفصل السابع للتدخل. يقول الهادي أبوزايدة إن الضربة الصاروخية دون معنى، فقبل عام سلمت سوريا أسلحتها الكيميائية للوكالة الدولية مقابلة ضربة (ديكورية) لمطار الشعور لا تختلف عما حدث مؤخرا، مضيفا أن الهجوم يمثل تجاوزاً للقانون الدولي خاصة مع وجود أدلة على فبركة الهجوم الكيميائي في دوما بواسطة أجهزة مخابرات غربية. من جهته، يقول الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء د.أمين إسماعيل مجذوب في حديثه ل(السوداني) أمس، إن الهجوم الصاروخي بمثابة هجوم اختباري و(جس نبض لروسيا). ويمضي مجذوب إلى أن الهدف الأساسي هو عودة واشنطن وحلفائها للمشهد السوري عبر تقاسم المصالح مع روسيا التي لم تمتلك القدرة على الرد لاعتبارات اقتصادية واستراتيجية، مشيراً على سبيل المثال، إلى استضافتها لكأس العالم بعد أسابيع وسط مكاسب مادية يتوقع لها أن تصل لحدود 6 مليارات دولار. ويُشير مجذوب إلى أن الهجوم الأمريكي بهذا الشكل يُشير إلى تجميد الأزمة السورية واستمرار مخططات تقسيم المنطقة التي تقضي بتحويل سوريا لثلاث دول ومناطق خاضعة لنفوذ إسرائيل. أما أبو زايدة فيقول إن سوريا باتت المدخل النظام العالمي الجديد وهو نظام متعدد الأقطاب، بدأ يتشكل من روسيا والصين وتركيا مقابل النظام الغربي غير المتماسك، مضيفاً: "أمريكا خرجت فعلياً من المشهد السوري والضربة الصاروخية أتت لتلبية رغبة حلفائها في المنطقة الذين دفعوا تكلفة العملية، فيما كسبت سورياوروسيا وأخرجوا المسلحين من الغوطة الشرقية ليوسعوا دائرة تأمين العاصمة دمشق".