بعد سُويعات فقط من إعلان الحكومة السودانية، نبأ تعويم الجنيه، أرسل أحد كبار (التماسيح) الذين يعملون في تجارة العُملة عبر التحويلات بالعاصمة القطرية، أرسل رسالة عن طريق (الواتساب) إلى (زبونه) المُقيم بالعاصمة القطرية، والمُكنَّى بأبي أحمد؛ وحسبما قال ل(السوداني) فإنَّ الرسالة يبدو أنها كانت جماعية لكل زبائن التاجر؛ المقيمين بالدوحة، ومضمونها أن عمل التحويلات ما زال متواصلاً وبأسعار تشجيعية، ما يعني أنه في حالة البيع أو الشراء فإنَّ سعره كتاجر أفضل من ذاك الذي حدَّدته الحكومة بعد التعويم. أحلام يقظة أبو أحمد قال ل(السوداني): في تلك اللحظة لم يكُنْ لديَّ مبلغ أودُّ تحويله عن طريق هذا التاجر المعروف لدينا في الدوحة والذي اعتدتُ التحويل عبره منذ فترة طويلة، لكن مع ذلك ساقني (الفضول) لكي أسأله من خلال الرد على الرسالة، عن السعر فأجابني بقوله: لو الكمية كويسة يعني ما عايز تحوِّل مصاريف عادية، بنقبل منك في حساب (400) جنيه للدولار أو ما يعادل ذلك بالريال القطري. أبو أحمد قال هنا سألته: طيِّب كدا بتستفيد شنو؟ مُش السعر دا أعلى من السعر المعلن ب(25) جنيها لكل دولار؟ فردَّ الرجل بضحكة الواتساب المعروفة قائلاً: يا شيخنا الحركة دي عملوها (الكيزان) ألف مرَّة لكن لحدي ما غادروا ما قدروا يقضوا بيها على السوق الموازي، وهسي الجماعة ديل الأيام ح تثبت ليهم إنو السوق الموازي سيسبقهم بتحديد سعر أعلى وفي النهاية الحكومة ذاتا حتجي تشتري منو زي ما كانت، لأنو وعود البنك الدولي وغيرها من أحلام اليقظة المذكورة في قرار التعويم لن تنزل إلى أرض الواقع ولو لحظة واحدة والأيام بيننا. هجمة سريعة جداً أما على الصعيد الداخلي فيبدو أن العاملين بالسوق الموازي يثقون تماماً في قدرتهم على المواصلة في الاتجار بالعُملات الأجنبية بدليل أن محمد إدريس – تاجر عملة بالسوق العربي – قد أكَّد ل (السوداني) أن قرار تعويم الجنيه لن يوقف المضاربات في السوق الموازي ولن تنجح الحكومة في مسعاها نسبة لعدم توفر احتياطي من النقد الأجنبي ، وكشف إدريس عن ذهاب عدد من المستوردين للبنوك بغرض شراء دولار بغرض الاستيراد ولم يجدوا بها دولاراً واحداً مما جعلهم يهرولون إلى السوق الموازي لتغطية احتياجاتهم ما أسفر عن ارتفاع الدولار اليوم إلى 390 جنيها بدلا عن 350 قبل قرار التعويم، وقال إن وزارة المالية أصدرت قرار التعويم لجذب مدخرات وتحويلات المغتربين عبر البنوك الوطنية لكنها ستفشل نسبة لانعدام الثقة بين البنوك والمغتربين ، ونوه إلى أن المغتربين(لُدغوا) مراراً وتكراراً وبالتالي ليس لديهم مناعة لكيما يغامروا بها مُجدداً، وأشار إلى أن تجارة العملة لن تخسر ولن تتوقف لأنها نتاج علاقة أزمة ثقة بين المغترب والمصارف بالبلاد وستظل باقية ولا تزول إلا بعودة الثقة بينهما ، وقال إن قرار التعويم سوف ينسف العملة المحلية نسفا مستدلاً بأن الدولار اليوم على أعتاب الأربعمائة جنيه ، وتوقع وصوله إلى 500 جنيه بداية مارس وسوف يتضاعف السعر خلال شهرين من القرار، ولفت إلى تراجعه إلى دون ال 300 جنيه ابان تولي جبريل وزارة المالية سببه تخوف التجار من توأمة ما بين المالية وجهاز المخابرات العامة واستئناف الحملات والاعتقالات لذلك زاد العرض وقلّ الطلب، وأكد استمرار عملهم بالسوق ولديهم طلبات مليارية من شركات الاستيراد يقومون بتنفيذها وتغطيتها من السوق الموازي. سيادة وسيطرة الخبير المصرفي محمد عبدالرحمن أبو شورة أوضح ل (السوداني) أن توحيد سعر الصرف هو سيادة وسيطرة السوق الموازي على النقد الأجنبي، وقال أبو شورة إن التحرير سوف يؤدي إلى تمدد السوق الموازي بدلا من محاربته كما ترى وزارة المالية، ونوه إلى أن البنوك السودانية تعاني من شُح النقد الأجنبي وليس بمقدورها الوفاء بجميع التزامات المستوردين ، ووصف ارتفاع معدل التضخم إلى أكثر من 300% بال (مُنَفِّر) بحيث لا يمكن للمغترب أن يحوِّل مدخراته من دولارات إلى جنيهات بسبب فقدان قيمتها يوماً تلو الآخر، ونوه إلى إرتفاع معدل التضخم المستمر غير مقنع للمستثمر المحلي ناهيك عن جذب المستثمر الأجنبي، وأضاف أن الاقتصاد يعاني من عجز في الميزان التجاري يفوق 6 مليارات دولار ويتم سد هذا العجز خارج النظام المصرفي أي من السوق الموازي، وكشف أن استقرار قيمة الجنيه المُعَوَّم الآن يحتاج لدعم مقدر ومتواصل لفترة من الزمن، مشيراً إلى أن الحديث عن المانحين، الأصدقاء، والشركاء ماهو إلا وعود لم تؤت أكلها حتى الآن، مبيناً أن البنك الدولي لدعم الاقتصاد السوداني يحتاج أولا لتسوية الديون السابقة بعدها سوف تتم اتفاقيات إصلاح اقتصادي، منوها إلى أن البنك الدولي اسمه البنك الدولي للإنشاء والتعمير وأنه لا يعطي كتل نقدية وإنما يُموِّل مشاريع بنية تحتية لذلك لابد من البحث عن حلول أخرى. سكَّة صعبة ورغم إجماع خبراء اقتصاديين على أن أُس المشكلة تكمن في تركيبة الواردات السودانية التي تجعلنا نستورد بضعف ما نصدره، وأن السودان يصدِّر سواءً عبر الطرق الرسمية أو التهريب أغلى السلع مثل الذهب والصمغ العربي والسمسم والثروة الحيوانية، بينما تفوق ال(75%) من استيراداته أشياء لا تسمن ولا تغني من جوع مثل الحلويات والبلاستيك وغيرها من السلع الكمالية (الاستفزازية)، لكن وزير المالية الأسبق د. ابراهيم البدوي، فنَّد هذا الزعم جملةً وتفصيلا حين أكد أن أكثر من 85% من هذه الواردات إما سلع استراتيجية أو مُدخلات إنتاج ضرورية. بالتالي لا يمكن مُعالجة أزمة شح النقد الأجنبي ووضع حدٍّ لتدهور قيمة العملة الوطنية عن طريق هذه المقاربة (الهيكلية). وزاد بأن الخيار الوحيد المتاح هو تعويم سعر الصرف لتصفية السوق الموازي وتحريك (سعر الصرف الحقيقي) لإنعاش الصادرات وإحلال الواردات لجسر هوة تقدر بحوالي 5 مليارات دولار يتم تمويلها حالياً من السوق الموازي. إذاً بصورة أو أخرى ها هو وزير المالية الأسبق والخبير الاقتصادي د. إبراهيم البدوي يؤكد ويُعضِّد على السوق الموازي للعملات الاجنبية هو المسيطر على زمام الأمور حتى الآن. تفنيد اشتراطات د. ابراهيم البدوي رهن نجاح تجربة التعويم بتوفُّر شرطين هما: أولاً، منع تمويل المصروفات وعجز الموازنة بصورة عامة عن طريق الاستدانة من بنك السودان بصورة عشوائية وغير مبرمجة.. وثانياً، يجب أن تتحول الدولة إلى بائع صافٍ للنقد الأجنبي لتمويل واردات السلع الاستراتيجية بواسطة القطاع الخاص. طرحتُ وجهة نظر د. البدوي، على خبير مصرفي كبير وأستاذ اقتصاد معروف فقال لي مُفضِّلاً حجب اسمه إنَّ البدوي يطلب المستحيل بعينه لأنه هو يعرف ذلك جيداً بحُكم جلوسه على كرسي (وزارة المالية)، فالحكومة عندما تلجأ للاستدانة من بنك السودان لسد عجز الموازنة تفعل ذلك مُرغمة مثل تجرُّع الأطفال للدواء، بحيث إنه لا خيار أمامها غير ذلك لتغطية البند الأول وتوفير السلع الاستراتيجية وغير ذلك من منصرفات أمنية وفواتير سلام منقوص ووو إلخ. أما حديث البدوي عن تحوُّل الدولة إلى بائع صافٍ للنقد الأجنبي لتمويل واردات السلع الاستراتيجية بواسطة القطاع الخاص، فهذا كلام فارغ لأنَّ الدولة إذا كانت تمتلك نقداً أجنبياً كانت ستسورد هذه السلع الاستراتيجية بنفسها دون الحاجة ل(هذه اللَّفة الطويلة) التي تجعلها تلجأ إلى القطاع الخاص.