– قلنا في المقال السابق أنه لا يوجد انفلات أمني في السودان بالمعنى الإصطلاحي الصحيح لهذه العبارة، ولكن توجد محاولات لصناعة الانفلات الأمني بالتأكيد لها مقاصد وأهداف، والتي أعتقد أن من أهمها إدخال البلاد في حالة من عدم الاستقرار والفوضى، وخلق بيئة مهيأة ومناسبة لانتشار الجريمة بأنواعها بغرض التمهيد لتنفيذ خطة تسعى لها أطراف تعمل على الاستفادة من هذه الأوضاع، وإذا لم يتم التصدي لهذه المحاولات بصورة قوية وحاسمة فسيحدث ما لا يحمد عقباه. – إن من أهم الخطوات للتصدي لمحاولات صناعة الانفلات الأمني تتمثل في إظهار هيبة الدولة وبسط نفوذها، ويكون ذلك بالثقة التامة بالقوات المسلحة، فهي رمز السيادة وحامية البلاد، وهي التي قدمت الشهداء من منسوبيها ضباطا وضباط صف وجنودا لحماية الشعب السوداني في بسالة واقتدار، وهي التي تحمي الدستور والقانون، ولذلك هي الوعاء الأشمل الذي ينصهر فيه أبناء السودان بمختلف مكوناتهم، وهي تجسيد للقومية وتتلاشى وتنعدم فيها القبلية والعنصرية، ولذلك هي مؤهلة تماما لإستيعاب أبناء السودان من الحركات المسلحة الذين عادوا لحضن الوطن بعد توقيع اتفاقية سلام جوبا ببروتوكلاتها المتعددة والتي من أهمها بروتوكول الترتيبات الأمنية ولا أظن أن هذا البروتوكول قد نص على أن تنتشر هذه الحركات بقواها المسلحة في حدائق الخرطوم ومنتزهاتها، فالوجود العسكري المسلح في عاصمة البلاد من قوات لم يتم دمجها وإستيعابها في القوات المسلحة أو الشرطة أو جهاز المخابرات، يمثل أكبر مظاهر الانفلات الأمني، فعلى الجهات المختصة العمل على تسريع تنفيذ الترتيبات الأمنية ودمج هذه القوات بعد تدريبها وتأهيلها حتى تكون إضافة حقيقية للقوات المسلحة وخاضعة لتعليماتها وسنداً لها في تنفيذ مهامها وواجباتها المختلفة. – في اعتقادي إن من مطلوبات حسم محاولات صناعة الانفلات الأمني، تقوية قوات الشرطة، فالشرطة الآن نمر ورقي خليعة الأنياب والأظافر حيث لا صلاحيات وسلطاتها مغلولة تجثم على صدرها نيابة جنائية استرشادا وإتباعا لنظام فرانكفوني تم تطبيقه على مجتمع سمته الغالبة الأمية والجهل فسرنا على درب التقليد وتعامينا عن ظروف مجتمعنا وطبيعة تكوينه فكانت النتائج ظواهر إجرامية جهارا نهارا تمد لسانها تهكما وسخرية من بيروقراطية الإجراءات وكتابة العرائض وإنتظار أمر وموافقة النيابة بدعوى حقوق الإنسان وإحترام كرامته .. الصوت الآن عال ينادي بمراجعة القوانين وإعادة السلطات لقوات الشرطة وإطلاق يدها ومن ثم محاسبتها على أي تقصير. – إن دعم المؤسسات الأمنية وتقويتها من أهم أسباب الاستقرار الأمني، فلا توجد دولة في العالم تحترم المؤسسية تقوم بإنشاء مؤسسات أمنية موازية لأجهزتها الرسمية، وتسمح لقوات مسلحة غير خاضعة للأجهزة الرسمية بالوجود وسط المدنيين في مظهر مخل بالأمن قد تنتج عنه تفلتات تصعب السيطرة عليها. – على السلطات أن تعمل بجد وقوة وصرامة في الحفاظ على أمن المواطنين، وأن تردع أي جهة مهما كان شأنها تحاول العمل على صناعة الانفلات الأمني بالبلاد، وأرجو من كل المواطنين الحريصين على أمن البلاد أن يكونوا على يقظة كاملة وتعاون فعال مع أجهزتنا الأمنية المختصة حتى نفوت الفرصة على أعداء الوطن.