المقدمة: أحدث توقيع السودان وتشاد على البروتوكول العسكري والأمني في منتصف يناير الماضي تحولاً جديداً في العلاقات بين البلدين من خلال ميلاد القوات المشتركة من الجانبين، والتي أسهمت بشكل كبير في إعادة الروح للعلاقة بين البلدين، وتجاوز مزالق السياسة إلى مربع التعاون والتنسيق عبر بوابة العمل العسكري والأمني المشترك. وقال العقيد ركن فتح الرحيم سليمان في حواره للمركز السوداني للخدمات الصحفية بمقر رئاسة قيادة المشتركة بالجنينة أن القوات المشتركة استطاعت تحقيق الكثير من الانجازات من أهمها منع انطلاق المعارضات من البلدين، إضافة إلى قيامها بتأمين الشريط الحدودي والتقليل من عمليات النهب المسلح وتهريب الأسلحة والمخدرات. وفي ذات السياق أوضح أن توفر الإرادة السياسية بين الجانبين مكن من تنفيذ وإنزال عمل القوات المشتركة إلى أرض الواقع، مشيراً إلى إشادة القيادة السياسية والعسكرية في تشاد وعلى رأسها إدريس دبي بقيادة السودان للقوات المشتركة. وفي سياق متصل كشف عن الترتيبات النهائية لأعمال انتقال قيادة القوات إلى تشاد فإلى مضابط الحوار.. ما هي الخلفية التاريخية لإنشاء القوات المشتركة؟ جاء تكوين القوات المشتركة تنفيذاً للبروتوكول العسكري والأمني الموقع بين السودان وتشاد في مطلع العام 2010م، تحديداً في 15 يناير 2010م، وهو دمج لبروتوكولين سابقين عسكري وأمني في بروتوكول واحد. وجاء تكوين القوات المشتركة من الجانبين بواقع (1500) فرد من السودان و(1500) من تشاد بالإضافة إلى فصيلة من الشرطة (180) من الشرطة السودانية و(180) من الشرطة التشادية، تعمل في (12) نقطة على جانبي الحدود، (6) في السودان و(6) في تشاد. ومحطات القوات المشتركة في الجانبين السوداني من أقصى شمال أمبرو بشمال دارفور وكلبس، بيضة، هبيلا، خور برنقا وأم دخن. وبالنسبة لمحطات القوات المشتركة في الجانب التشادي هي أم جرس، كريال، بهاي برك، أدى، انجريما. والقوات المشتركة منتشرة في المحطات بواقع سرية من كل جانب إضافة لقوات الشرطة الموجودة في الحدود، حيث توجد (6) مواقع للشرطة السودانية في السودان، وكذلك الشرطة التشادية لها (6) مواقع داخل تشاد لتنسيق العمل الشرطي والأمني. ما هي مهام القوات المشتركة؟ من ضمن بنود البروتوكول يلتزم كل طرف بإحضار (26) مراقب، وينشر المراقبون في النقاط المنفتحة فيها القوات في (12) موقع المحددة، والآن انتقلت القيادة للجانب التشادي حسب البروتوكول، حيث أعطى القيادة للسودان في الستة أشهر الأولى والآن انتقلت للجانب التشادي. ونحن كقيادة في الجانب السوداني استلمنا القيادة المناوبة مع الأخوة في تشاد، وعلى مستوى مجموعات القتال في أي موقع يوجد قائد وقائد ثاني وضابط استخبارات وضباط المراقبة، المجموعات القتالية المشتركة التي تعمل داخل حدود السودان يكون القائد من القوات المسلحة السودانية وقائد ثاني يكون من القوات التشادية، وأيضاً مجموعات القتال المشتركة التي تعمل داخل حدود تشاد يكون القائد من القوات التشادية وقائد ثاني يكون من القوات السودانية وتعمل بقية الوحدات الفرعية ضمن المجموعات القتالية المشتركة يقودها قائد من كل دولة. من أهم واجبات القوات المشتركة منع الاختراقات الحدودية بكافة أشكالها ومنع عمليات التهريب بكافة أشكاله من أسلحة وذخائر ومخدرات...الخ، أيضاً من واجب القوات المشتركة استرداد الأموال المنهوبة ضمن نطاق الشريط الحدودي والتبليغ أيضاً عن العناصر المتفلتة التي تسلل إلى عمق البلدين إلى اللجنة الأمنية المشتركة، وأيضاً تقوم القوات المشتركة بتسيير دوريات برية وجوية للاستطلاع ومراقبة الحدود وكتابة تقارير شهرية عن الأحداث الجارية ومنع النشاط العدائي في حدود كل دولة، وفقاً لاتفاق انجمينا السياسي الموقع في يناير 2010م وجمع السلاح الذي استولى عليه المدنيين في المناطق الحدودية بطريقة غير قانونية، وأيضاً التعاون المشترك في مجال مكافحة اختطاف البشر والممتلكات والعربات وتنسيق إعادتها لمالكيها، وتنسيق مهام القوات المشتركة الأرضية الجوية في المناطق الحدودية، وعقد اجتماعات دورية لتقييم الوضع الأمني السائد في الحدود، ورفع تقارير شهرية إلى اللجنة العسكرية الأمنية المشتركة. أيضاً توجد لجنة عسكرية أمنية مشتركة عليا من رؤساء الأركان ومدراء الأجهزة الأمنية في البلدين وهي المرجعية للقوات المشتركة، حيث تستلم منها التقارير الشهرية وتعالج الخلافات بين عناصر القوات المشتركة، ونحن نشير هنا أنه لم تحدث أي خلافات طيلة الفترة السابقة بين القيادة المشتركة أو حتى بين المحطات على مختلف المستويات والعمل يسير بتنسيق وانسجام تام. يوجد تقييم للقوات كل ثلاثة أشهر ولجنة أمنية استخباراتية مشتركة أنشئت وفقاً للبروتوكول مكونة من الأمن والاستخبارات من الجانبين، ومن مهامها العمل في منع تجارة الأسلحة في الحدود، ومنع اعتداءات المجرمين على السكان، ومنع تدخلات المجموعات المسلحة في كل بلد انطلاقاً من البلد الآخر، وتحركات المخالفين للقانون، والكشف عن مرور أماكن السلاح ومن يحوزه ومصدره. والتنسيق المستمر على المستوى الميداني والتنسيق مع الأجهزة الأمنية في الولايات الحدودية. إلى أي مدى أسهمت القوات المشتركة في تأمين حدود البلدين؟ لعبت القوات المشتركة دورا بارزا في الإسهام في توفير الأمن على الحدود ومنعت انطلاق المعارضات من البلدين إذا كان من السودان إلى تشاد أو من تشاد إلى السودان، أيضاً قامت بنزع الأسلحة غير المرخصة لدى المواطنين على الجانبين، واستردت الممتلكات المنهوبة للمواطنين سواء أن كانت عربات، بشر، ماشية من قبل العصابات الإجرامية، علماً أن القوات المشتركة قامت بإلقاء القبض على عصابات النهب الموجودة على الحدود وتم تسليمها بتنسيق كامل للشرطة في كلا البلدين وفتح بلاغات وتقديمهم للعدالة في كل الجانبين، بل القوات المشتركة وصلت مرحلة متقدمة من العمل واستطاعت تحرير رهينة فرنسي يتبع لمنظمة أوكسفام اختطفته عصابة مسلحة وكانت تطالب بفدية، ولكن تمكنت القوات المشتركة بعد انتشارها من تحريره بدون فدية وسلمت الجناة إلى القضاء لمحاكمتهم. وأيضاً انتشار القوات المشتركة مكن المواطنين من العودة الطوعية إلى قراهم الحدودية التي كانت مهجورة والبدء في نشاطهم الزراعي وممارسة حياتهم الطبيعية، وصاروا يقومون الآن بإبلاغ القوات المشتركة بأي إشكالات تعترضهم فالقوات المشتركة شكلت حماية للمواطنين في قراهم الحدودية مع بداية الموسم الزراعي حتى يتسنى لهم الزراعة بأمان ووفرت الحماية والتأمين لمشروع إنارة القرى الحدودية حتى اكتمل وهو مقدم من السيد رئيس الجمهورية، والآن تسلمنا مسؤولية حماية المشروع الثاني لإنارة القرى الحدودية والذي يتكون من (10) قرى في السودان و(10) قرى في تشاد، وستتولى القوات مسؤولية حماية مشروع المياه المقدم من السيد وزير الدفاع للقرى الحدودية والذي سيبدأ العمل فيه بعد نهاية الخريف على جانبي الحدود. صف لنا دور القوات المشتركة في مكافحة تهريب الأسلحة والمخدرات؟ قامت القوات المشتركة بالحد تماماً من أي مجموعات لتهريب السلاح أو الاتجار فيه رغم انتشار السلاح في دارفور. ونستطيع القول إن الشريط الحدودي آمن تماماً من مجموعات النهب المسلح وتجار الأسلحة عبر الحدود حتى عمق 50 كيلومتر. وتمكنت القوات المشتركة من قبض عدد كبير من تجار المخدرات وتسليمهم للقضاء وجاري محاكمتهم. يعتقد البعض أن القوات المشتركة عبارة عن هدنة لتجفيف المعارضات بين الجانبين لذا تظل عرضة للإلغاء مع تغير اتجاه الرياح السياسية؟ أصبحت القوات المشتركة الآن واقع وامتدت علاقاتها من المشاركة في تأمين الحدود إلى المشاركة في مشروعات التنمية بصورة أساسية وفي الفترة القادمة تشارك في المدارس والمراكز الصحية التي ستنشأ على القرى الحدودية وكل عمليات التنمية التي ستكون على الحدود، وسيستمر دور القوات المشتركة حتى تعود العلاقات على الشريط الحدودي لآفاق أرحب وعمل مستقبلي للتنسيق بين البلدين وأشير هنا إلى وجود تنسيق كامل بين الحاميات العسكرية في البلدين في الولايات المجاورة وكذلك الأجهزة الأمنية وأجهزة الشرطة، وهنالك تنسيق كامل بين القوات المشتركة مع كل هذه الأجهزة التي تقوم بالواجبات المذكورة. نعتقد أن العلاقات بين السودان وتشاد الآن في وضع أفضل مما كانت عليه وهنالك مشاريع تربط البلدين. وتمتلك القيادة السياسية في البلدين إرادة وفرت هذا الاتفاق وإنزاله على أرض الواقع. ونحن كعسكريين ننفذ كل التوجيهات السياسية من قيادة البلدين وهي الراعية المباشرة لهذه العلاقات، وهذا البروتوكول العسكري والقوات المشتركة من القيادة العليا للبلدين بدون وسيط، لذا نحن واثقين تماماً من هذه الثقة التي بنيت وستمتد إن شاء الله وستواجه كل التقلبات التي ستحدث وتخطت مرحلة التدخلات والآن تجذرت العلاقة وستمتد إلى الأمام. ما هو تقييمك لأداء القوات المشتركة في فترة الستة أشهر الأولى وما مدى الرضي عنها ؟ فترة الستة أشهر الأولى كانت مرحلة تأسيس لبناء القوات وانفتاحها، وتقييم الأخوة في تشاد لتواجد القوات المشتركة في السودان في فترة قيادة السودان أن الأداء طيب وممتاز الأمر الذي وجد الإشادة على المستوى من القيادة العليا في تشاد ابتداء من الرئيس دبي وكل القيادات السياسية والعسكرية، وأيضاً كان لتعاون الأخوة في الجانب التشادي الدور الكبير في نجاح البروتوكول وتنفيذ المرحلة الأولى التي كان فيها السودان يقود القوات. ودور الأخوة في الجانب التشادي كان دور فاعل ومؤثر ومتميز مما أدى إلى أن ينجح السودان في قيادة القوات المشتركة في الفترة الأولى. ما هو تعليقكم على تسليم عدد من قوات حركة العدل والمساواة لأنفسهم للقوات المشتركة؟ نعتبر هذا شيء طبيعي بعدما تعرضت حركة العدل والمساواة إلى هزائم عسكرية وضغوط كبيرة، مما جعلها تنحصر في نطاق ضيق جداً في أقصى شمال دارفور في مناطق وادي هور، وسلمت مجموعات كبيرة منهم أنفسهم في محطات بهاي، أم جرس. ونحن قمنا باستقبال الأخوة القادمين من العدل والمساواة خير استقبال ورحبنا بهم، وعبرهم أرسلنا رسائل عبر الوسائط المشتركة في أن قواتنا تفتح محطاتها وتستقبل الأخوة العائدين من حركة العدل والمساواة كما عاد الأخوة في المعارضة التشادية إلى تشاد. ونحن ندعوهم أن يعودوا وسيجدوا منا كل الترحاب بعد أن كانوا يتخوفون بعد أن أشاعت بعض الجهات أن من يسلم نفسه إلى القوات المشتركة أو الجيش السوداني سيتم إعدامه. ونتوقع مزيد من الضباط والأفراد يسلموا أنفسهم للقوات المشتركة في المحطات سواء في السودان أو تشاد، ونحن نستقبلهم ونقدم لهم كل الدعم اللازم بحسب توجيه القيادة. ما هي أبرز المعوقات التي تواجه عمل القوات المشتركة؟ بحمد الله يسير عمل القوات المشتركة بصورة جيدة على طول المساحة الممتدة لأكثر من 1000 كيلو متر ونقوم بتسيير دوريات برية وجوية، حيث تمتلك القوات المشتركة طائرات مخصصة للمراقبة والاستطلاع يتم بها تغطية المسافات البعيدة بواسطة الدوريات المختلفة. كل الترتيبات الإدارية متوفرة والإمدادات اللوجستية ولا توجد إشكالات أو معوقات كبيرة بل توجد إدارة وتعاون كامل بين قيادات الحاميات العسكرية بين البلدين لدعم القوات المشتركة ومساعدتها في تنفيذ مهامها، وكذلك السلطات المدنية والسياسية والمسؤولين بالولايات والمحليات سواء أكان في السودان أو تشاد تقوم بالدعم والتعاون مما ذلل الكثير من الصعوبات. أخيراً ماذا بشأن ترتيبات القوات المشتركة لنقل القيادة إلى الجانب التشادي؟ تسلم الأخوة في الجانب التشادي قيادة القوات المشتركة منذ منتصف أغسطس 2010م، والآن انتقلت قيادة القوات المشتركة من مدينة الجنينة إلى مدينة أبشي، والآن أكملنا ترتيبات للانتقال في مدينة أبشي داخل الأراضي التشادية لتكتمل القيادة للأخوة في تشاد. إضافة أخيرة؟ تمثل القوات المشتركة المفتاح الأساسي في إعادة العلاقة بين السودان وتشاد وساهمت بصدق وجدية الجانبين في عودة العلاقات الطبيعية إلى مسارها الطبيعي، وتظل القوات المشتركة توفر الحماية والدعم والاستقرار للمواطنين، وستوسع من مهامها حتى تعود الحياة إلى الشريط الحدودي كما كانت في السابق بين شعب واحد موحد في دولتين.